ادب وفن

خالد الآلوسي: الفنان المثقف هو من يروج الأمل

حوار: شهد مولود الرفاعي

خالد وليد الالوسي من الفنانين الشباب الذين استطاعوا بمقدرتهم الفنية ان يتركوا بصمتهم الواضحة على ساحات وشوارع محافظة صلاح الدين من خلال الجداريات والأعمال النحتية التي انتشرت لتثبت إبداع الفنان الالوسي وامكانياته المعرفية والجمالية والتي صاغها بمهارة ومقدرة لافتة.
أجرينا معه هذا اللقاء:

كيف ومتى بدأت؟

البداية منذ الصرخة الأولى ثم الصمت لاستيعاب ما يحصل حولنا، وإشكالية أين أكون هاجساً سكنني حتى سن السادسة, الوقت كل يوم والمكان دار جدي حيث مرسم عمي الفنان أياد الالوسي , كان يضع لنا أطفال الدار والألوان والأوراق وكانوا يعبثون وكنت اعمل بجد.

متى انجزت أول عمل متكامل؟

إلى هذه اللحظة لم يأت الوقت الذي استطيع فيه أن أنجز ذلك العمل المتكامل إلا إنني لا اعتقد أن هنالك عملاً متكاملاً فالمنجز التشكيلي من وجهة نظري يبقى بحاجة للتغيير والتطوير لكنه كالقصيدة تأتي ابنة ظرفها وزمانها وحالها لذلك أرى شخصيا كلما انجزت عملاً وبعد زمن قصير أجده بحاجة للتطوير.

بين الماضي والحاضر, بمن تأثر خالد الآلوسي؟

اعتقد إني روح نحات سومري قديم. هذا ما قاله الأستاذ محمد غني حكمت وأنا ايضاً احترم الاختصاص واعشق التفرد والتغيير وهذا ما تعلمته ايضاً من استاذي محمد غني حكمت.

من الذي اكتشف موهبتك ومن الذي رعاها؟

لست بحاجة الى فضل احد ولكن العمل ليس اكتشافا ورعاية بل جد واجتهاد ومثابرة وان يكون هناك هدف ووضوح في الرؤيا ومنهج مدروس وخطوات صحيحة والاستماع الى النصائح وتجارب الآخرين والاساتذة وتشجيع الناس من حولك , ولا يخلو الامر من صعوبات وخصوصاً في مجتمع كمجتمعنا... لذلك مع وجود الموهبة لا بُد من وجود الإصرار والجهد الذاتي.

من خلال اشتغالك بالنحت والسيراميك والرسم, اين وجدت نفسك؟

النحت والرسم والسيراميك بعضها يكمل الآخر ولا غنى لأحدها عن الاخر واني قد وجدتُ في تعاملي مع تلك القوى التعبيرية السحرية الموجودة في النحت والتعامل مع الكتلة والفضاء وما لها من تأثير وتغيير سحري على المتلقي سانحة وفرصة لأكون مفتوناً بالنحت.

هل ترك الموروث والفلكلور أثراً واضحاً في أعمالك الفنية وكيف وظفت ذلك؟

الفنان العراقي بشكل خاص لا يستطيع الانفلات من الموروث وتأثيره ابداً وإذا ما انفلت فقد قطع جذوره..سيجد الفنان نفسه متأثرا بمعطيات الخطاب المعرفي والحضاري الحضاري لوادي الرافدين وهو الانتماء الحقيقي والهوية الحقيقية للفنان العراقي ومن خلاله يؤسس ومنه ينطلق الى آفاق العالمية .
التراكم الحضاري والمعرفي والتراث العراقي عميق وكبير فهو زاخر بالعناصر والرموز والعوالم التي أعيشها وأتعامل معها فما أقوم به هو تناول هذا الموروث بعناصره ودراستها وتحليلها وتفكيكها واعادة صياغتها وتوظيفها بأعمال فنية معاصرة.

هنالك الكثير من الفنانات اللواتي دخلن مضمار الفن إلا اننا لا نجد منهن من اهتمت بالنحت وبرزت فيه؟

بما ان المجتمع بشكل عام قد تقهقر وتراجع في كل الميادين وهذه حقيقة لذلك نجد المرأة في المجتمعات المريضة تنزوي وتُهَمش والعكس صحيح, كانت الفنانة العراقية لامعة وكبيرة اغنت العراق والعالم في حقبة الستينات والسبعينات ولكن ومع الاصرار والكثير من الايجابية سوف يعود لها ذلك الدور حتما.

لكل فنان طقوسه وحالاته, ما هي طقوسك عندما تشرع بعمل فني؟

الفكرة المادة المراد من خلالها الانجاز أدواتي وقبلها خطة العمل وصفاء الفكر وراحة في الجسد مع بعض انغام المقام العراقي الذي أعشقه.

مرت المدرسة العراقية في النحت بمراحل متعددة وكان للتعبيرية اثر واضح في هذا المنجز. في اي مدار تشتغل؟.
كانت البداية (وكأي دارس للفن وفي مجال الدراسة الأكاديمية) تدور حول التمرين وتطوير القابلية الأكاديمية وفق المدرسة الكلاسيكية والتعرف على التقنيات والأساليب ودراستها ومن ثم الانتقال تدريجياً وبما يلائم ثقافتي ومناخي الفكري وما أريد أن أقدم من منجز فني الى أساليب أكثر حداثة واعتقد اني اليوم ادور في مناخ عناصر التراث الإسلامي وبأسلوب كان تعبيرياً واليوم صار اكثر تجريداً واختزالا.

يقول سلفادور دالي " الفن ايجاد عالم تستطيع الطبيعة ايجاده ُ " كيف تفسر هذه العبارة وانت تقطع شوطاً مهماً في مجال الإبداع؟

هذه العملية هي جوهر العملية الابداعية ثم البحث الدائم عن كل ما هو جديد وكشف جوهر عوالم البيئة التي نعيش. في العبارة نوع من التحدي والمأزق الصعب للفنان في كيفية اتخاذ السبيل والطريقة لتصوير مفردات خارج نطاق الطبيعة. وليس بالضرورة ان يكون الفنان سريالياً كما كان دالي ولكن كيفية تصوير المفردات باسلوب وروحية وكشف الجمال الكامن في جوهرها ذلك بالتحديد البحث الدؤوب لاختصاص المبدع وايجاد مفرداته الخاصة.

يقول ارسطو: على الفنان ان يقدم الحياة لا كما تكون لكن كما يريد يا ترى كيف قدم خالد الالوسي واقعه؟

الفنان المثقف هو من يروج الحقيقة والأمل ويغير في المجتمع رغم حقيقة ان صوت الفن يضيع أمام صوت الرصاص ولكن من الذي يدوم ويبقى ليؤثر في الفكر الإنساني والمنجز الثقافي والفني. قطعاً أن هموم الفنان في كل تخصصاته وتقديم الأصيل والجوهري المؤثر من الأعمال في هذه العاصفة التي نعيش والواقع القلق، لا بد من زرع الامل وروح العمل الايجابي من اجل الاستمرار والتغيير واليوم يتمكن الرسم من تجسيد هذه المعاناة وإبراز الطاقات عبر نتاجات فنية تتسم بالتميز والتفرد.

تأثر الفنان العراقي بالمدارس الاوربية والعراقية البغدادية (الواسطي) كيف تأثرت بمن سبقك؟

اجد نفسي في حاجة دائمة لمشاهدة النتاج الفني القديم والحديث ومن كل اتجاهات العالم ومن شتى المشارب والمذاهب واحتاج دائماً الى دراستها وتحليلها وغاية ما اشعر بالمتعة اذا ما حققت الفائدة بما يعني ثقافتي الصورية ومن خلال تحديدي ودراستي للنتاجات الفنية اخرج بأعمال جديدة ذات دلالات تكشف شفرات شخصيتي الفنية والثقافية وبذلك اعتقد ان الفنان هو باحث ومنقب ومحلل وبعيد الصياغات والعلاقات وبشكل دائم يهضم كل ما هو قديم لكي يقدم الجديد.

رأيك باختصار بالأسماء الآتية؟

جواد سليم: عراب الفن العراقي المعاصر .خالد الرحال: عراقي بغدادي الأسلوب, عالمي الطرح, باحث مثابر للميثولوجيا العراقية . اسماعيل فتاح الترك: كل تجارب اسماعيل فتاح من البداية وحتى الرسم في النهاية كانت عالميm وواصل النحت العراقي الى العالمية. محمد غني حكمت: الروح السومرية وأستاذ مدرسة بغداد للفن الحديث.
تعامل الفنان العالمي مع موضوع المرأة بجرأة بحكم الواقع الاجتماعي, كيف تعامل الفنان العراقي مع هذا الموضوع، وهل تحفظ على إبراز مفاتنها؟ هل وضحت لنا ذلك مع ذكر تعاملك الشخصي مع المرأة في أعمالك الفنية؟

المرأة جميلة بكل صورها وتأثيرها وتفاعلها. هي صوره حقيقية للجمال بكل الصور الحسية والوجدانية والروحية, جميلة اذا تناولها المبدع والفنان من أي زاوية أراد. فهي عميقة اكثر اذا ما تناولناها بجمالها الوجداني والروحي بعيداً عن الجمال الحسي تتكسر في كشف أسرارها كل أدوات الفنان مهما تمكن واحتوى على إمكانيات إبداعية فهي ارض خصبة لمواضيع جميله وعميقه اتمنى ان اتناول بعضها. وبحالة من القبول وعدم الرفض وان يوضع عمل في ساحة او شارع عملية ليست بالسهولة حيث يجب على الفنان أن يتفهم البيئة الاجتماعية والثقافية للمدينة.

الفنان والكاتب يتفاعل مع مفردات حياته اليوميه ويستوحي من تجاربه فيها منجزاته.. كيف يكون تفاعلك جماليا مع الوقع؟

رغم كل ما يحمله واقعنا من قتامة وسوداوية لكن لأغراض الاستمرارية يجب التفكير بايجابية مشفوعة بالأمل وإيجاد أساليب جميلة للتصحيح والعيش والطموح وتعليم أنفسنا، ومن حولنا الحقيقة والفضيلة، هذا هو هدف الفن والفنان بكل أساليبه اذا كان كاتبا أو شاعرا او رساما ذلك لان المبدع الحقيقي هو الذي يعيش كل مفردات ولحظات حياته ويسخر ذلك كله للفن من خلال الاختزال والتحليل وإعادة صياغتها في قوالب جديدة اي أعمال فنية تحكي وتعالج وتعمل على أرشفة ما يخص هذه الأيام.

لا يمكن ان ننكر جهود عادل كامل وجبرا ابراهيم جبرا في اضاءة الابداع العراقي,كيف تعامل النقد الفني مع نتاجاتك؟

أشعر ان هناك نوعاً من التشتت في الخطاب النقدي، إذ أن الأسماء التي ذكرتم أسماء كبيرة وسجلت اهم فترة زاخرة بالنتاج الأدبي الثقافي والفني في تاريخ العراق والمنطقة, كان لهم منهجية علمية ,اكاديمية في التحليل النقدي ,كانوا هم من يبحث عن النتاجات الفنية في كل مكان لإخضاعها والفنان الى التحليل النقدي للمنهج والأغراض الدراسية . اليوم قلة قليلة من النقاد العراقيين يعملون وفق هذه الاليه بل وحتى الاصدارات في مجالات متخصصة تكاد تكون معدومة سوى مجلة "تشكيل" التي أصدرها بعض النقاد والفنانين قبل سنوات وقد توقفت اليوم ويكاد ان يكون الموضوع وفق العلاقات الشخصية فقط.

أعمالك موجودة وشاخصة في ساحات محافظة صلاح الدين, حدثنا عن مشاريعك المستقبلية؟

ببساطه هناك تعامل بنوع من الثقة في ما أقدم وخصوصاً في الآونة الأخيرة وبمساحة من الحرية لذلك في النية والطموح تقديم أعمال أكثر جرأة وحداثة وخصوصا أنني وبتعاملي مع ساحات المدينة وشوارعها قد تمكنت من خلق جسر التواصل بين المنجز الفني والمتلقي.