ادب وفن

المؤرخ ابراهيم فاضل: أمنيتي أن تأخذ تكريت استحقاقها كمدينة تاريخية / حاورته: شهد مولود الرفاعي

يعد المؤرخ والآثاري ابراهيم فاضل الناصري من أبرز الناشطين في مجالات توثيق التاريخ وتمحيص التراث، لا سيما في محافظة صلاح الدين عبر مشاركاته واصداراته ومساهماته الفاعلة في المؤتمرات العلمية والأكاديمية التي تتناول مواضيع التاريخ والتراث وما ينتج عن ذلك من طروحات متجددة تخالف المألوف أحيانا، عبر رؤية تأريخية تستمد مقوماتها من مرجعيات رصينة وعلمية تتعامل مع الحقيقة التأريخية بكل تجرد وحياد، واضعا نصب عينيه الحقيقة الكاملة من دون رتوش أو أسطرة..
سألناه أولا:
كونك مؤرخا وباحثا في تراث محافظة صلاح الدين، كيف تتعامل مع الحقائق التاريخية وتوثق الأرجح والأقرب إلى الصواب؟
في تحقيق وتوثيق وتقويم الخبر التاريخي والأثر التراثي، أجمع ما بين سبل مؤرخينا القدماء باعتماد النظر والاستبانة والجرح والتمحيص والتعديل والإقرار، وبين سبل بحث وتحقيق التراث الحديثة باعتماد طرائق البحث العلمي للوصول إلى الحقيقة الغائبة أو المندثرة أو لترقيع أو اصلاح ما تهرأ أو تلف منها ثم الوصول الى مرحلة التوثيق للصواب نفسه بعد العثور على ما تبقى منه أو كله وليس الأرجح، لأن المؤرخ ينشد الحقيقة ذاتها ولا يجد نفسه قد حقق شيئا للتراث اذا ما اكتفى بالأقرب للصواب، انما همه وبغيته الصواب الضائع أو المندثر أو التالف.
تقترن الحرية دائما مع الأبداع.. متى يجد المؤرخ والباحث نفسه حرا وموضوعيا؟
يجد المؤرخ نفسه حرا وموضوعيا في صياغة منجزه عندما تتوافر له العوامل المساعدة أو لنسمها مرتكزات الانتاج الفكري وأقصد فيها: امتلاكه للاكتفاء المادي الذي يمكنه من اتمام العمل، "قدرته على الوصول لمنابع ومنافذ ومكامن الوثيقة والخبر العتيق بلا موانع أو مقيدات وامتلاكه للعزيمة وتحرره من الخوف وتجرده من العاطفة.
تناولت في العديد من كتبك السيرة التاريخية لمدينتك "تكريت" وأثرت الكثير من اللغط والاستنكار في طروحاتك.. ترى ما الذي يثير القارئ عندما يتعامل الباحث مع بعض الحقائق؟
حقيقة أنا في كتابتي لتاريخ تكريت وتراثها كنت قد أثرت مفاجآت تاريخية من خلال كشفي لحقائق مندثرة واظهاري لنتائج جديدة كانت مطمورة أو مفقودة، وليس لغطا كما تذكرين، الأمر الذي أثار الذهول لدى البعض والاعجاب لدى البعض الآخر، وهذا الأسلوب حقيقة هو الوسيلة المفيدة والمجدية للوصول الى الحقيقة الغائبة، وان الذي يثير الاعجاب هو الوصول للحقيقة وليس مقاربتها.
قدمت العديد من البرامج عبر الاذاعة والتلفزيون .. كيف وجدت استجابة المتلقي وتفاعله مع المواضيع التراثية والتاريخية التي تناولتها بموضوعية وعلمية؟
وجدت استجابة إيجابية وتفاعلا حيا ومتصلا.
بعد أن تعرضت تكريت إلى تدمير كبير طال بناءها العمراني ونسيجها الاجتماعي، ومع عودة النازحين من أهلها، كيف ستتعامل كمؤرخ مع واقعها الجديد؟، وما هي معطيات المستقبل، ﻻسيما ان هذه المدينة عاشت تحت ظل أحقاب متنوعة؟
سأتعامل مع الواقع الناتج كما تعامل المؤرخون والمحققون والخططيون والمصنفون والاخباريون من سلفنا التالد من الذين عاصروا محنة المغول ومحنة التتار ومن الذين شهدوا حقبا مرة وقاسية قد مرت.
أما معطيات المستقبل فتقررها جهود الناشطين في التراث، ولكن العلامة الفارقة لها أن تكريت باتت مدينة تاريخية وليست أثرية بمعنى أنها مدينة يتحدث عنها التاريخ بالكر والخبر ولا يصعب على التراث أن يتحدث عنها بالأثر لانعدام أو لزوال الأثر.
كيف تجد الواقع الثقافي في محافظة صلاح الدين؟، هل تعتقد أن للثقافة دورا في الارتقاء بوعي الناس؟ وكيف؟
الواقع الثقافي في الوطن كله وليس في المحافظة مريض بل مترد في العلل ولو كان واقعا سليما لما حصل الذي حصل ولما كان الخطاب والتصرف بهذا الشكل واللون والطعم.
هل غابت ثقافة الاهتمام بالتراث والآثار لدى عموم الناس في وقتنا الراهن أم مازال هناك متلقون؟
لا، بالعكس هنالك ثقافة اهتمام وهنالك متلقون كثر، لكن الذي يغيب هو وسائل وأدوات وقنوات بث ونشر هذه الثقافة.
لديك تجربة رائعة وفريدة في اسهاماتك الفاعلة في كتابة موسوعة تكريت التي صدرت عن قصر الثقافة والفنون في المحافظة.. كيف وجدت صدى هذا الجهد الطيب على صعيد المحافظة والعراق؟
ليست مجرد اسهامات بل انها جهود فردية تجشمت عناءها لوحدي. والحقيقة ان هذه الموسوعة هي ابنتي الشرعية، اذ أنني كتبتها بمفردي من الجلد الى الجلد بحركاتها وسكناتها، بأخبارها وآثارها، بآرائها وطروحاتها، بمباحثها ومفاصلها، بلغتها وصياغتها، بأسلوبها ومطلوبها، بهيأتها ونمطها، بشكلها وشاكلتها، ولكن لدواع ادارية ظهرت بالمشاركة.
أما صداها فكان باهتا وخافتا بسبب أنها وزعت بشكل غير صحيح فذهبت نسخها الى أدراج غير معنية بالموضوع وكان وراء ذلك الدافع الرسمي وليس الثقافي والا فإنها كانت أيقونة معبرة عن تراث المدن الثمانية لصلاح الدين.
ماذا أضافت لك تجربة وجودك في مصر؟، هل وجدت آفاقا جديدة في التعامل مع معطيات الثقافة؟
لم يضف وجودي في مصر أي اضافة فكرية أو ثقافية لي .. بل بالعكس انه حجرني وأبعدني عن الفكر والثقافة لأن مصر ليست هي مصر التي كانت تكتب والعراق يقرأ.. تراث شارع الثقافة اليوم بمصر يتحكم به اللهو وتتقدمه التسالي خان الخليلي، ما عاد شارع فكر ومعرفة، انما صار شارع تجارة هدايا وأنتيكات
تصوري أنني قد كتبت لمدينة المنصورة التي أقطن فيها كتابا عن تاريخها لأنها قبلي لا تمتلك كتابا يتكلم عنها في مجال التاريخ أو التراث مطلقا علما انها مدينة أسسها الملك الكامل وبنتها الملكة شجرة الدر وشهدت معركة حاسمة ضد الصليبيين.
هنالك العديد من غير المتخصصين الذين كتبوا في التأريخ حتى أصبحوا عالة على المكتبة العراقية بل أساءوا للتاريخ .. ما هو دوركم في التصدي لمثل هؤلاء المتطفلين؟
ان التصدي لمثل هؤلاء وهم كثر ولهم أثر سيىء هو ضرورة توافر دوريات متخصصة في التراث والتاريخ تعتمد كمنابر موضوعية للرد والدحض والتصدي والنفي والتصحيح والتعديل، وحقيقة أنا بكتاباتي في النت قد رددت على ما كتبوه بقوة، ولم أجد من يتكفل بنشر بحوثي، كما أقدم الأخ العزيز "أسامة محمد" مشكورا في نشره لعنوانين من عناويني لكان ردي أكبر وأكثر قوة.
هناك حلقة مفقودة في تاريخ تكريت... حيث نجد ذكر تاريخ وأثار تكريت تكاد أن تكون معدومة الذكر مقارنة مع سائر المحافظات، ما هو السبب برأيك؟
ان الحلقة المفقودة والتي هي الآثار كان السبب وراءها هو تعرض تكريت للمحن أكثر من غيرها ولك أن تقيسي الماضي بالحاضر حينما تعرضت المدينة للزوال والتدمير ونجت مدن قريبة منها كسامراء وبلد مثلا وهكذا كان حالها على مر الأعصر والحقب، لهذا لم يخلد أو يبقى منها أي شيء يدل على الذي كانت عليه.
الأمر الذي يعني أنها دائما ما كانت هدفا مزمنا لمواقف أهلها المعتدلة، مما سبب الحلقة المفقودة.
ان أكون مؤرخا يعني أن أظهر للحضور الصورة الحقيقة لمدينة تكريت العتيقة بلا رتوش أو تزويق بمعنى اظهار صورتها الحقيقية وليست الفوتوشوب.
أين وضع ابراهيم فاضل تاريخ تكريت وبين أيدي من؟
ابراهم فاضل يسعى ويجهد في أن يضع تاريخ تكريت في مكانه ومكانته اللذين يستحقهما في أدراج التراث الانساني العالمي، وأن يكون في أيدي المهتمين والمعنيين بالتراث.
أخيرا.. أمنية المؤرخ والباحث ابراهيم فاضل؟
أمنية ابراهيم فاضل الأولى أن يطبع كل كتاباته في تراث صلاح الدين وتاريخ تكريت، وأن تصل الى أدراج كل المثقفين من المهتمين بالتراث.
أمنية ابراهيم فاضل الثانية في أن تدرج تكريت ضمن قائمة المدن ذات التراث العالمي خاصة وأنها تعد واحدة من أقدم المدن في التاريخ.
أمنية ابراهيم فاضل الثالثة أن تأخذ تكريت استحقاقها كمدينة تاريخية خالدة.