ادب وفن

شاعر شيوعي من الرفوف العالية / حسين جهيد الحافظ

رجل طاعن في السن يعيش اليوم نهاية العقد الثامن من عمره لكنه يتمتع بروح شابه لم تتجاوز ربيعها الخامس والعشرين بعد وهو خريج الدراسة الابتدائية لكنه وعندما سألته عن تحصيله الدراسي قال:
(عرف الحزب الشيوعي العراقي ولا يزال بأنه مدرسة إعداد للثوار والمناضلين وقد تخرج من هذه المدرسة أجيال تلتها أجيال روت دماء الكثير.. الكثير منهم أرض العراق وشمخ الآخرون كنخيل العراق يعطي أثماره لمن رماه حجراً وقد اتسم معظم الشيوعيين العراقيين بالثقافة وكانت السمة الغالبة لجميع الشيوعيين لا بل تعدى أكثر من ذلك حيث أصبح المجتمع العراقي ينظر الى كل مثقف بأنه شيوعي فأنا خريج مدرسة المناضلين الأوفياء، الحزب الشيوعي العراقي) أنه الشاعر الشيوعي المنسي ناجي هاشم كبيح والمعروف بـ (ناجي كوكا) أو (أبو دعبول) أو (أبو النوج) كما يناديه البعض من أصدقائه وهو من مواليد الناصرية عام 1936لم تسمح له ظروفه الاقتصادية والمعيشية من إكمال الدراسة فعمل في مقتبل العمر وبعد تخرجه من الدراسة الابتدائية عاملاً بدرجة فراش في مديرية المعارف في الناصرية آنذاك – المديرية العامة لتربية ذي قار حالياً ثم عاملاً في شركة النور للبطاريات في بغداد والتي لجا أليها في سبعينيات القرن المنصرم هرباً من مضايقات أزلام نظام صدام المقبور بعد أن ترك العمل في شركة النسيج الصوفي في الناصرية.
عاد إلى الناصرية بعد أن أحيل الى التقاعد وما زال فيها كما هو شخصية مرحة تتمتع بروح الشباب رغم كبر السن وقساوة ظروفه المعيشية إضافة إلى المرض والذي كاد أن يقعده. إضافة إلى كتابة الشعر زاول شاعرنا رياضة كمال الأجسام حيث حصل على المرتبة الأولى في بطولة المنطقة الجنوبية لفئة قصار القامة.
أحب ناجي الشعر الشعبي منذ سني شبابه الأولى فهو شاعر مــن جيل ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم قال الشعر على الفطرة وقد أمتاز شعره بالشفافية و العفوية إضافة إلى السلاسة والبساطة واِختيار الكلمة المعبرة والجملة البسيطة البعيدة عـن التكلف:
يحليوه يا بت السلف
عيونچ نده الغبشه
هنيالي كون إبحلم وياچ اتمشه
مشية فخاتي غنج أتدور الحرشه
هذا هو ناجي هاشم الذي كتب في كافة أغراض الشعر الشعبي وخاصة الوجداني منه حيث الحزب والوطن والحبيبة والغربة داخل الوطن وضنك العيش لكنه يغني:
گالو.. گالو لجدود
كلشي.. كلشي وإله إحدود
إلا حبك يا وطنه
يا حزبنه ما إله إحدود
نعم هو ذا أبو النوج كان وما زال ملتصقاً بحزبه راسمه في وجدانه يغني له مرتديه كقلادة ماسية الجوهرعلى جيد فتاة عرفت العشق تواً غنى للحب بكل صدق وشفافية:
أگول أنساك
ترضه أنساك.. وإنته إببالي يوميه
أگول أنساك
ترضه أنساك.. وإنته الروح وإلريّه
ترضه إللي حلفنه إعليه بالعباس
يصير إحچايه بين الناس
وآنه إو دمعتي إو كاسي
حرگت ونتي أنفاسي
وأشوف أطيوفك إبعيدات
الطيوف أبعيني مو هيه
أگول أنساك
ترضه أنساك..
وإنته إببالي يوميه
لكن الظروف القاسية التي كان يمر بها البلد أبان الحكم الشمولي الدكتاتوري المقبور وملاحقة أزلام النظام ورجال أمنه له إضافة إلى الظروف المادية القاسية وأحكام العمر جعلته يركن قلمه وأوراقه فوق الرفوف العالية ويهجر الشعر والشعراء ولسان حاله يقول:
إشما قسه إوياي الوكت
إشما صار وإشميصير
ذلك آنه نسمة هوه
إو رفة جناح الطير
جافاني صح الوكت
ما يمشي إبطوعي
بس هذا ما يعني – إو فهد –
ما دام أنه إشيوعي
بحثت وإياه في زوايا ذاكرته وما لديه من أوراق فلم نعثر عما يشبع جوعنا سوى قصيدة (الدنيه إتدور) والتي وجدتها بعد جهد جهيد بين الكم الهائل من الأوراق التي احتفظ بها في إدراج مكتبتي المتواضعة وإليكم القصيدة:
الدنيه إتدور
الدنيه إتدور.... إتدور
وإيطير بيهه العصفور
وإيزق بفروخه العصفور
وإيطير... إيطير
رغم أعله أجناحه المكسور
وإيطير فرخ إخضيري
بعده إلحيمي..إبريش الگنبر
جرحه إبنادم
والدنيه تفتر و إتدور
مامش حنه إباب الجامع
ماكو إبخور
إيظل يفتر وإيدور
إنعيش إبهاي الدنيه
إهوايه أموات إبلايه إگبور
گبري إو گبرك نگطة ماي
إبحبة حنطه إبوسط إبحور
يغرگ مامات دلوه الناعور
إو ما مات الحب
شعلة نور
ما مات أبداً
قوه الترجف
مثل السعفه المنذوره
مثل الشربه المنخوره
وإينگط منهه الخارور
همه منك
همه مني
إو خلهه إتثور
خرسه التفگه إبلا شاجور
تابوت إبنادم شرگة گصبه
يحزن وإيغرد بيهه البلبول
لا... لا ما مات الزرزور
خل تفتر هاي الدنيه إو خله إتجور
لابد يوم أتخضر ورده
رغم الگاع الصبخه إو رغم البور
لا بد نار إتشب بالتنور
هاي الگاع تضم بيت الله إلما مهجور
الدنيه... اتدور... إتدور
حي إو مات الزرزور
بعده إبعثگ النخله
أصفر لونه.. إبلون التمره
إبلون الليره
إبلون الخوره إلبلعشار
أبلون إبلادي الما متغير
برّه إو بحره
أو تلهب ناره إلبلتنور
أيخيط إمدلهم و إمريخان
وإبساتين إعله النهرين
أبگلب النخله !!!
عاشن بالحب عصفورين
عشهن بيت اللگلگ عالتين
ذولاك إحنه.. نبت الگاع المعروفين
وقد أضاف لها بعد سقوط الصنم - وهذا آخر ما كتب
چا وينك صدام حسين...
چا وينك صدام حسين
ول تاليتك يبن الشين
له العمر المديد شيوعياً ما فرط بشيوعيته يوماً وكل ما يتمناه أن يموت شيوعياً.