مدارات

كلمة د. حسان عاكف في المجلس العراقي للسلم والتضامن الآفرو آسيوي

الاخوة والاصدقاء الاعزاءالسيدات والسادة المحترمين
اسمحوا لي في البداية بالتعبير عن سرورنا لحضور اجتماعنا هذا واللقاء مع اصدقاء ورفاق درب ومسيرة اممية عريقة، ناضلت وتناضل كي يسود السلام والامن والاستقرار في ربوع كوكبنا، ومن اجل تعزيز اواصر التضامن والصداقة بين شعوبنا وبلداننا لمواجهة كل الشرور والويلات التي ما تزال تهدد جميع البلدان وحياة مئات الملايين من البشر.
كما يسرني ان اتوجه باسم وفد المجلس العراقي للسلم والتضامن للاشقاء في منظمة السلم والصداقة السيرلانكية على تنظيمهم هذا الملتقى الهام لمنظمات السلم والتضامن في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية.
في البدء اسمحوا لي بالاشارة الى اننا كمنظمات للسلم والتضامن بين الشعوب، سواء على الصعيد الوطني او الاقليمي او العالمي، تاخرنا كثيرا في التوقف امام ما تشكله ظاهرة التطرف والارهاب من تهديد خطير على الامن والاستقرار الدوليين.
لقد وقعت العديد من بلدان منطقتنا في الشرق الاوسط وافريقيا ضحية لهذا الشر المستطير منذ قرابة ربع قرن، وفي العراق اجتاح وباء الارهاب الديني بلادنا منذ خلاصها من النظام الدكتاتوري السابق عام 2003، حيث تداعت بقايا ذلك النظام مع حلفائها من الظلاميين المتطرفين من دعاة الدين المتأسلمين وتحت مسميات دينية مختلفة، للوقوف امام ارادة شعبنا لنفض غبار الدكتاتورية والاستبداد والتوجه لبناء عراق جديد تظلله راية الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتآخي القومي والديني.

ظاهرة التطرف والارهاب الراهنة؛ البدايات

لا نجافي الحقيقة اذا قلنا ان بدايات الظاهرة الحالية للارهاب تعود الى اوائل ثمانينيات القرن الماضي، حين رفعت الولايات المتحدة راية ما اسمته بالجهاد العالمي لمواجهة التواجد العسكري السوفيتي في افغانستان. ومعروف اليوم الدور الذي نهضت به الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وبلدان اخرى في تشكيل ودعم ورعاية تلك المنظمات المتطرفة، التي عبأت مقاتليها من مختلف بلدان العالم، خصوصا من البلدان العربية والاسلامية. وشكلت منظمات "الجهاد" تلك البدايات الاولى والسلف الشرعي لكل المنظمات الارهابية التي تناسلت في بلداننا وعلى الصعيد الدولي في العقود الثلاثة الماضية.
وما يزال هذا الوباء يلحق الألم والمعاناة بحياة ملايين السكان في العديد من بلدان العالم. ويكاد لا يمر يوم من دون حدوث عمل جبان من أعمال الإرهاب الوحشية في أي من هذه البلدان، وتؤثر تلك الاعمال الجبانة بشكل عشوائي على الناس الأبرياء.
وبهذا يمثل التطرف والارهاب بجميع اشكاله ومظاهره احد اشد الاخطار التي تهدد السلم والامن الدوليين، حيث تشهد مختلف مناطق العالم زيادة في الاعمال الارهابية المجرمة.
وتستخدم الكيانات الارهابية ومناصروها بشكل متزايد مجتمع العولمة لتكنولوجيا الاتصالات في نشر الفكر المتطرف وتجنيد المقاتلين والتحريض على ارتكاب الجرائم وتمويل الانشطة وتخطيطها.
وينشيء الارهابيون والكيانات الارهابية شبكات دولية اخطبوطية خطيرة للتعبئة والتجنيد والتمويل في بلدان كثيرة.

جرائم التنظيمات الارهابية في العراق وسوريا

السيدات والسادة:
في العراق وسوريا، البلدين الجارين، تترك الجرائم الارهابية المستمرة منذ سنوات اثارا انسانية مدمرة على السكان المدنيين ، وافضت الى تشريد اكثر من ثلاثة ملايين مهجر في البلدين، واسهمت الى حد كبيرفي تاجيج التوترات الطائفية.
وتقوم العصابات الارهابية في البلدين ، خصوصا داعش، والنصرة في سوريا، باعمال ارهابية اجرامية متواصلة ومتعددة تهدف الى قتل المدنيين وتدمير الممتلكات والمواقع الثقافية والدينية وزعزعة الاستقرار وتقويض دعائمه.
ويواصل هؤلاء القتل العشوائي للمدنيين وعمليات الاعدام الجماعي والهجمات الواسعة النطاق ضد السكان المدنيين بسبب خلفيتهم الاثنية او الدينية او العقائدية او السياسية، ويمارسون عمليات قتل الاطفال وتشويههم وتجنيدهم، والاغتصاب واشكال العنف الجنسي، والاحتجاز العشوائي، وحوادث الاختطاف واخذ الرهائن والاعتداء على المدارس والمستشفيات، وتدمير المواقع الثقافية والدينية.
ويشكل ذلك وبشكل صارخ جريمة ضد الانسانية.
ويتسع حجم ظاهرة تدفق المقاتلين الاجانب الى العراق وسوريا. ويشكل الارهابيون الاجانب خطرا شديدا متناميا من خلال مساهمتهم في زيادة حدة الصراعات ومدتها واستعصاؤها على الحل، الى جانب ما يشكلونه من تهديد مستقبلي لدولهم الاصلية .

الاختلالات في الوضع السياسي الداخلي في العراق

لقد شهد العراق بعد سقوط الدكتاتورية في عام 2003 وبسبب جملة من العوامل يأتي في مقدمتها التواجد الأجنبي لقوات عسكرية، اتخذ صفة الاحتلال، جملة من الاختلالات تتمثل في طريقة انتقال السلطة التي فرضت على الشعب العراقي، وما أنتجته من نظام المحاصصة ببعده الطائفي القومي والمذهبي كبديل عن الدكتاتورية وقاد ذلك الى سلسلة من الأزمات رافقتها أعمال عنف وارهاب خلقت أرضية مؤاتيه لانقسام مجتمعي رغم كل التطورات التي حدثت في شكل النظام الديمقراطي الجديد.
ومما زاد من إشكاليات الوضع الجديد تنامي العداء للحكم الجديد من قبل قوى داخلية واقليمية عملت ووظفت كل ما يمكنها لتدمير التجربة الديمقراطية ونظامها الجديد ووسع في نفس الوقت من حدة الخلافات والانقسامات داخل السلطة وخارجها وكانت سببا رئيسيا في التطورات اللاحقة وفي اتساع مساحة الإرهاب ليس في العراق وإنما في عموم المنطقة والتي تمظهرت بشكل واضح في أحداث سوريا والعراق.
وتؤكد تجربة السنوات القليلة الماضية انه لا يمكن دحر الارهاب الا باتباع نهج يتسم بالمثابرة والشمول، تستنفر فيه الامكانات الداخلية للبلدان، وتشارك فيه جميع الدول والمنظمات الاقليمية والدولية وتتعاون بفعالية في منع التهديدات الارهابية واضعافها عزلها وشل حركتها.
في ضوء ذلك فان الاجراءات الآنية الملحة لتحجيم الارهاب والتطرف المطلوبة من المجتمع االدولي لمساعدة كل من في العراق وسوريا تتضمن:
- الالتزام من جانب جميع الدول بتنفيذ قراري مجلس الامن الدولي 2170 /آب 2014 ،2178/ايلول 2014 المتعلقين بمكافحة الارهاب في كل من سوريا والعراق.
- تكثيف الضربات الجوية الدولية على مواقع العصابات الارهابية في البلدين، لما له من تاثير كبير على التوازن العسكري. فالتحالف الدولي والضربات العسكرية مطلب عام مرتبط بعدم قدرة الدول المعنية على مواجهة الارهاب لوحدها.
- تقليص واضعاف قدرات داعش العسكرية والمادية من خلال قطع موارد التسليح والدعم اللوجستي والعسكري، وكشف مصادر التمويل المادي وانهائها.
- قطع المورد البشري وايقاف تدفق المقاتلين الاجانب الى سوريا والعراق، واتخاذ تدابير وطنية من جانب الدول المختلفة لمنع المقاتلين من السفر من أراضيها للانضمام إلى المجموعات الإرهابية،
أن صدور قراري مجلس الأمن (2170 / 2178 ) يمكن لهما ان يشكلا الإطار القانوني للتحالف الدولي الذي ينبغي له ان يساعد الشعب العراقي للخلاص من الإرهاب وسيكون للدعم المادي والمعنوي واللوجستي وبضمنها الضربات الجوية أثرا مهما في القضاء على الإرهاب.
لقد رحب العراق بصدور القرارات الأممية لكن ذلك لا يعني قبول اي تدخل يمس السيادة الوطنية العراقية ومنها عدم رغبة العراق بوجود قوات على الأرض من شأنها إثارة المخاوف والحساسيات لدى أبناء الشعب العراقي.

الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية الدولية وعموم الدول ومكافحة الارهاب

السيدات والسادة:
إن مكافحة هذه الآفة مصلحة ومسؤولية مشتركة لجميع الأمم والشعوب، ولعموم المنظمات الوطنية والاقليمية والدولية، ولذلك أصبحت هذه القضية مدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة منذ عقود. وقد وُضعت أربع عشرة اتفاقية دولية في إطار نظام الأمم المتحدة المتعلق بأنشطة إرهابية محددة.
وفي أيلول/سبتمبر 2006، اتفقت البلدان في مختلف أنحاء العالم ولاول مرة على استراتيجية موحدة لمكافحة الإرهاب ضمن اطار الامم المتحدة . وتشكل الاستراتيجية أساساً لخطة عمل محددة هي: التصدي للأوضاع التي تفضي إلى انتشار الإرهاب؛ ومنع الإرهاب ومكافحته؛ واتخاذ تدابير لبناء قدرة الدول على مكافحة الإرهاب؛ وتعزيز دور الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب؛ وكفالة احترام حقوق الإنسان في سياق التصدي للإرهاب.
وتستند الاستراتيجية على توافق الآراء الفريد الذي توصل إليه قادة العالم في مؤتمر قمتهم الذي عقد في أيلول/سبتمبر 2005، وهو إدانة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره.
غير انه للاسف الشديد لم ترتقِ الدول الأعضاء الى المستوى الجدي المطلوب لتنسيق جهودها في مجال مكافحة الإرهاب.
السيدات والسادة:
ان التصدي للارهاب والتطرف، كما هو معروف، ليس عملا عسكريا- امنيا فقط على اهمية ذلك، بل هناك حاجة ماسة لتجفيف مصادر الارهاب ومنابعه وضرب جذوره، فالحلول العسكرية الامنية ضرورية لكنها لوحدها لن تحل المشاكل. وتؤكد الاحداث على اهمية تبني حزمة من القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية والمعيشية والتنموية،
فنحن امام ظاهرة عالمية جدية خطيرة، وعلى المجتمع الدولي ان يتعبأ لمحاربتها في جذورها وعمقها، فالاشكاليات الكبرى المطروحة في العالم اليوم هي في الفوارق التنموية والاجتماعية والطبقية الشاسعة التي لا تناسبها الحلول المحتشمة. حيث تعاني غالبية الدول النامية من ضعف القدرات الاقتصادية والمالية وفي مواجهة ظواهر التنمية ومشاكل الاقصاء والتهميش. وتشهد غالبية المجتمعات استقطابا طبقيا واجتماعيا مخيفا بين سكانها. واذا استمر الامر على هذه الحال فانه يصعب التنبؤ بحجم وطبيعة الانفجارات الاجتماعية القادمة .
نحتاج على صعيد المعالجات الجذرية الى تنفيذ استراتيجيات عمل واضحة لمعالجة الظروف التي تؤدي إلى نشوء الإرهاب وانتشاره، تتضمن:-
- محاربة الفقر والهشاشة بما تعنيه من الناحية الاقتصادية من عدم كفاية الدخل, وانعدام الاستقرار في الوضعية الاجتماعية على مستوى العمل والمداخيل, واستحالة إشباع الحاجيات الأساسية للفرد. نحتاج الى استنفار القوى الدولية لمواجهة ظواهر الهشاشة والفقر والتنمية في الدول كما هو الاستنفار الامني والعسكري الدولي الذي نشهده اليوم.
- اشاعة الديمقراطية والتصدي للقمع والاستبداد.
- احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية وسيادة القانون.
- التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية.
- الاعتناء بالجوانب الروحية والثقافية للانسان.
- اصلاحات جذرية لمناهج التعليم .
- تحسين التفاهم والانفتاح والتسامح بين الثقافات والاديان وكفالة احترام جميع الأديان والقيم والمعتقدات الدينية والثقافات ودحض العقائد المتطرفة التي تروّج للحقد والارهاب على الصعيد العقائدي.
- الحاجة الى الامتثال التام لميثاق الامم المتحدة في تدابير التعاون لمحاربة الارهاب ومنع انتشاره، ومنع تنقل الارهابيين الأجانب.
- التصدي لانتشار العصابات الارهابية ومناصريها على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي
- هناك اجماع على ضرورة اعتماد الوقاية، وعلى اتخاذ تدابير امنية والقيام بتحقيقات وتوقيف المجرمين ومثولهم امام القضاء.

ختاماً

علينا ادراك ان قوة الدول مرتبطة بمتانة بنائها الداخلي، وما تقوم به من اجل التعايش والنمو. دولنا في طور النمو وهناك عولمة وتحديات وتحولات عالمية كبيرة لا يمكن ان نواجهها بمنظور واحد، يجب ان نفتح المجال لقدرة المجتمعات والدول على ان تطور آلياتها وتتعلم كيف تتعايش في اطار ديمقراطي واحترام مباديء حقوق الانسان والمباديء الدولية، وهناك خصوصيات للدول. يجب ان تحترم الدول في خياراتها باتجاه البناء. ليس هناك رؤية واحدة او مسلك واحد للعالم ولمنهجية النمو فيه ولطرق تنظيم المجتمعات، الحكم على الدول بقدرتها على بناء التعايش الانساني والديمقراطية. عدم الفرض من الخارج لانماط خارجية لكون ذلك يعبر عن عدم احترام لخصوصيات الدول وسبل معالجتها لقضاياها.