مدارات

مخيمات النازحين لقمة سهلة لأوبئة الصيف بعد "قمل" الشتاء

حسين فوزي
في مخيمات متواضعة يعيش قرابة مليونين ونصف المليون مواطن عراقي من الأيزيديين والمسيحيين والمسلمين وبقية المعتقدات والقوميات، منها 27 مخيماً في محافظة دهوك وبقية إقليم كردستان العراق، يواجهون البرد الشديد والحر الحارق وشحة المياه والخبز والعلاج بارادة الإصرار على التمسك بالأمل وكأنهم يرددون اغنية فيروز:
سنرجع يوماً الى حينا و نغرق في دافئات المنى
سنرجع مهما يمر الزمان و تنأى المسافات ما بيننا
فيا قلب مهلا و لا ترتم على درب عودتنا موهنا
يعز علينا غداً أن تعود رفوف الطيور و نحن هنا
هنالك عند التلال تلال تنام و تصحو على عهدنا
فيا قلب كم شردتنا رياح تعال سنرجع هيا بنا
والمؤكد ان ثقة المواطن العراقي عموماً، والنازحين خصوصاً، راسخة بالعودة إلى ديارهم بفعل بطولة القوات المسلحة والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي والعشائر والبيشمركة بعد دحر هجمة داعش وطردها. والمواطن العراقي قد هزته جرائم داعش ضد المواطنين ممن يرفضون ظلامية داعش وارهابها، كما ان العالم المتحضر كله قد هب ممتعضاً رافضاً القمع الدموي لداعش بذبح الإنسان بذريعة الكفر او "الخروج على الملة"... فامتدت ايادي الخير لإغاثة وتخفيف محنة النازحين. وقد اتيحت لنا فرصة تفقد 5 مخيمات من اصل 27 مخيماً في دهوك. ويعيش في هذه المخيمات اكثر من 70 الف مواطن، ضمنهم 23 الفا و638 امرأة، منهن 2126 حاملا، بجانب 1168 طفلاً رضيعاً.
حر جهنمي وبرد قارس
ويواجه نزلاء هذه المخيمات بجانب الحر الجهنمي والبرد القارس، مخاطر الأمراض المصاحبة لهما، مثل تفاقم الزكام إلى التهابات في الجهاز التنفسي، واوبئة مثل الجرب وبقية الأمراض الجلدية، كذلك الجدري المائي والحصبة بفعل زحمة المخيمات وعدم توفر مستلزمات النظافة الكافية.
وفي هذه المخيمات خمسة مراكز صحية تولت اقامتها وادارتها مؤسسة عمار الخيرية الدولية، التي يتعاون اطباؤها وبقية ملاكاتها الصحية مع مديريات الصحة في محافظات إقليم كردستان لتوفير الأدوية الضرورية لمعالجة مرضى المخيمات. لكن هذه الجهود تصطدم بزخم المراجعين، حيث يصل عدد طالبي العلاج الى 250 مريضاً يومياً تنخفض احياناً إلى 150 مريضاً، بحسب المواسم وتباين تعداد المخيمات، فيما وصل تعداد المراجعين إلى اكثر من 700 مريض في الأيام الأولى من النزوح الجمعي.
غياب الادوية الاساسية
ويؤكد جميع المعنيين من اطباء وموظفين صحيين وممرضات في طبابة الباطنية ورعاية الطفولة والحوامل في المراكز الصحية، التي اقامتها مؤسسة عمار الخيرية الدولية، غياب العديد من الأدوية وعدم توفرها، لتصل احياناً إلى فقدان حبوب الباريستول، بجانب حاجة الحوامل لمقويات مثل الحديد وغيرها من المواد الداعمة لصحتها، التي لا تتوفر باستمرار، على الرغم من التعاون الملحوظ بين الدوائر الصحة المحلية والمراكز الطبية، التي تأتيها احياناً كثيرة مواد طبية من المانحين لمؤسسة عمار، التي يقول مديرها الاقليمي الدكتور علي ناصر مثنى "إن رئيسة مجلس إدارة مؤسسة عمار تتابع باهتمام احتياجات المراكز الصحية لرعاية النازحين، لكن المشكلة هي الحجم الكبير لتعداد النازحين، مضافاً لهم تحول الاحياء والقرى القريبة من مراكز عمار الصحية إلى مراجعتها بدلاً من المستوصفات المحلية او ما اقامته المنظمات الدولية الأخرى".
علاقات طيبة
ويضيف "مع هذا فان النازحين يقبلون على هذه المراكز الصحية تحديداً نتيجة العلاقة الطيبة التي يقيمها الملاك الصحي مع المرضى وبقية سكان المخيمات، بجانب الدور الإيجابي الكبير الذي تنهض به المتطوعات في هذه المراكز الصحية، في توعية النازحين بالأمراض الموسمية والأوبئة وكيفية الوقاية منها وما هي العلاجات الكفيلة بالشفاء منها." فيما بعض الاصابات بالجرب والقمل تظهر بين نزلاء المخيمات.
100 متطوعة
ويرى الدكتور مثنى ان "تجربة المتطوعات التي تشرف عليها مؤسسة عمار، وهي بمعدل 20 متطوعة في كل من المخيمات الخمس، نشاط صحي للتوعية والتربية الصحية الضرورية، التي من الضروري البناء عليها بين عموم السكان، لتوفير مستلزمات الوعي الصحي لتحصين المواطنين من الأمراض. وقد شكل نشاط المتطوعات نمطاً من العلاقة الإنسانية بين النازحين والمتطوعات، لأنهم وجدوا فيهن بعض الضمانات للتغلب على المرض وحماية صحة العائلة".
وضمن منهج التحصين وحماية الأسرة، من خلال رعاية النساء والحوامل والأطفال، قام السيد خلف الكعبي المتخصص خبير الصحة الالكترونية، من خلال استضافة مؤسسة عمار الخيرية الدولية له، بزيارة المخيمات الخمسة، والتقى ملاكاتها والمتطوعات، وركز على اهمية دور المتطوعات في التوعية بضرورة تلقيح الاطفال لتحصينهم من الأمراض الوبائية. وعمل على ادخال برنامج الكتروني عبر اجهزة الحاسوب يتضمن اسماء وهواتف اسر الأطفال والحوامل لضمان انسيابية الحصول على اللقاحات وبقية مستلزمات الوقاية من الأمراض، ويقوم البرنامج على تذكير العوائل بمواعد لقاح ابنائهم، بجانب مجموعة من التوجيهات والإرشادات الطبية تصلهم عبر الهاتف او اية وسيلة اتصال اخرى، بجانب جولات متطوعات مؤسسة عمار الخيرية الدولية التي تضم 100 متطوعة في دهوك يطفن بخيم وبيوت النازحين. وقد اسفرت الجولة التفقدية لضيف مؤسسة عمار السيد الكعبي واستنهاضه المتطوعات والملاك الطبي عن تطعيم اكثر من 450 طفلاً خلال فترة 3 ايام فقط.