المنبرالحر

الفئران المذعورة من ثورة مصر المنصورة / احسان جواد كاظم

ترتعد أوصال الأخوان المسلمين في مصر والعالم ومن على شاكلتهم من احزاب الاسلام السياسي من هبّة المارد المصري. ومرة أخرى يبهر الشعب المصري العظيم، محبيه ومبغضيه بثورته السلمية العارمة والتي أجبرت الجميع على اعادة حساباتهم. 17 مليون مصري في ميادين مصر وساحاتها في اكبر تجمع بشري في التاريخ، يهتفون ضد حكم المرشد ويطالبون بدولة مدنية ديمقراطية . المدعون من اعوان الأخوان يشيرون الى اعداد مريديهم الكبيرة في ميدان رابعة العدوية، لكن شتان بين هذا وذاك، فالملايين المنادية برحيل رئيس الأخوان محمد مرسي من منصبه الرئاسي، خرجوا محتجين بشكل عفوي وبملء ارادتها دون قسر، وهم يمثلون شرائح فكرية متعددة من يسار ويمين ، مسلمين ومسيحين ، من انحدارات طبقية مختلفة من فقراء مدن مصر واريافها واغنياءها وحتى ممن انتخبوا الرئيس مرسي في الانتخابات الرئاسية الماضية، بينما قام الأخوان بأستدعاء جمهورهم من كل محافظات مصر وبذل الكثير من الأموال لدعم تجمعهم في القاهرة وبعد تنادي الاسلاميين بأخوانهم وسلفييهم وجماعات التكفير لنجدة حكم المرشد.

وعلى عكس الطبيعة السلمية لتظاهرة القوى المدنية، يتوعد مؤازرو محمد مرسي معارضيه بالويل والثبور ويجري تكفيرهم، مع رفع أعلام القاعدة على رؤوسهم ، وفي هذه الأثناء ألقت الشرطة المصرية القبض على مسلحين حاولوا التسلل بين متظاهري ميدان التحرير، وكان قد انفجرت عبوة ناسفة بين متظاهري المعارضة في بور سعيد، وغيرها من الممارسات العنفية. لكن محاولات الأخوان جرّ البلاد الى حمام دم لا يبدو قابلا للتنفيذ، فضخامة أعداد متظاهري المعارضة يعطيهم مناعة ذاتية من الأنجرار الى العنف وشعور كافٍ بالأمان والثقة بالذات، كما ان تجربة اسقاطهم حكم حسني مبارك قبل عامين سلميا، لا تجعلهم ميالين الى استعمال العنف. بينما يعاني الأسلاميون من قلق سقوط تجربتهم بعدما فقدوا سمعتهم وبسبب ايديولوجية رفض الآخر التي يعتنقونها. وما زاد من جزع الأسلاميين هو بيان القوات المسلحة الحازم بأنها لن تسمح بحرب أهلية أبداً.

لقد أشار بعض المتظاهرين في ميدان التحرير الى ان الفضل في خروج هذه الملايين ضد حكم الأخوان هم الأخوان المسلمين أنفسهم والرئيس مرسي بالذات، بسبب فشله في اصلاح الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لعموم المصريين بل انه فاقمها بسياساته المتهورة والمتناقضة وخلقه المستمر للازمات، تارة مع السلطة القضائية واخرى مع قيادة الجيش واستبعاده القوى الوطنية والديمقراطية من المشاركة السياسية وأستئثار الأسلاميين والأخوان بالخصوص بالسلطة وفي اشغال المراكز الحكومية، مما اثار غضب اعدادا غفيرة من المصريين، حتى من بين منتخبيه. كما كشف الأخوان المسلمون عن حقدهم السافر على الثقافة والمثقفين والفنانين بالتكفير والتعهير، ولم تسلم من ظلاميتهم حتى آثار مصر الفرعونية، والتي هي مصدر عيش مئات الآلاف من المصريين.

لقد حطم شعب مصر الصورة النمطية التي صاغها سيْ الذكر عمرو بن العاص والي مصر الغابر، مرتين على الأقل في لحظتنا التاريخية هذه، عندما قال عن أهل مصر:" قوم تفرقهم العصا وتجمعهم المزامير " وقلب الطاولة على محاولات أسلمة الدولة وفرض اللون الواحد على المجتمع المصري المتعدد، لاسيما وان مصر كانت من أولى دول المنطقة التي ولجت طريق الدولة المدنية ، ولم تفلح محاولات الحكومات المتعاقبة على حكمها من اخضاع القضاء المصري الذي يمتلك تقاليد استقلالية راسخة، لرغباتها، كما لديها مؤسسات ثقافية واعلامية عريقة وحركة ثقافية تنويرية رفدت كل المجالات الثقافية والفنية والعلمية في البلدان العربية بأنجازات ثرّة.

الرئيس محمد مرسي أعلن في خطابه في اليوم السابق للتظاهرة الشعبية التي دعت اليها المعارضة المدنية، بأنه " لن يتهاون مع أي انحراف عن النهج الدستوري "و وهو يعني بذلك الدستور الذي سطروه حسب أوامر المرشد والذي فُصّل على مقاس الأخوان المسلمين في مصر وسلفييها... وكما هو شأن الأسلاميون في كل مكان ومنهم أحزاب الأسلام السياسي في العراق، فانهم يتعكزون على الصندوق الأنتخابي كتعبير وحيد عن الديمقراطية دونما الألتفات الى وجوب توفر تكافؤ الفرص لكل الأطراف المتنافسة قبل الأقتراع وبعد فوز الفائزين، في العمل السياسي الحر والمشاركة في رسم سياسة الدولة.
ومنذ اليوم الأول (30 حزيران ) للاعتصامات المليونية في محافظات مصر المنادية باسقاط حكم المرشد، بدأت تتهاوى أركان حكم الأخوان، والتي افتتحها هروب مسؤولين رسميين من أبواب خلفية خوفا من انتقام الحشود الغاضبة، بعدها كانت الأنسحابات المتتالية من المراكز الرسمية كما حدث لمحافظ أسيوط الأخواني تبعتها استقالات وزراء ومستشارين تضامنا مع شعبهم .
وفي تجربة نوعية جديدة ابدعتها جماهير الثورة السلمية، قامت القوى الشعبية بعزل محافظي القليوبية وطنطا الأخوانييّن وشكلوا مجلسا مدنيا من بينهم لأدارة شؤون محافظتيهما.

ان انسداد الأفق السياسي يفرض على الرئيس محمد مرسي اتخاذ القرار العقلاني الوحيد، المتمثل بالخضوع الى الأرادة الشعبية والتنحي عن رئاسة الدولة وأجراء انتخابات رئاسية مبكرة، خصوصا بعد ان أمهلت القوات المسلحة القوى السياسية 48 ساعة لتلبية المطالب الشعبية، ولابد من الأشارة هنا بأن المهلة المعطاة تبدو موجهة الى الأخوان المسلمين دون غيرهم لأنهم الجهة الوحيدة القادرة على الأستجابة لمطالب ملايين الشعب المصري.

هبّة الشعب المصري لأسترداد ثورته من سارقيها تقض مضاجع الكثير من حكومات الأسلام السياسي المستبدة، ولا مناص من انتشار اشعاعات الثورة المدنية السلمية المصرية، آجلا أم عاجلا، على أرجاء شرقنا الغارق في حلكة ظلام حكومات تيارات الأسلام السياسي العاجزة عن مجاراة روح العصر... رياح التغيير آتية حتما.