المنبرالحر

بعد الحصحصة أتت الخصخصة / احسان جواد كاظم

صوّت مجلس النواب العراقي لصالح البرنامج الوزاري الذي طرحه رئيس الوزراء حيدر العبادي واصبح ساري المفعول، وقد تضمن نقاطاً سبق ان طرحها اسلافه من رؤساء الوزراء وخصوصاً المنحدرين من حزبه، حزب الدعوة، مثل ابراهيم الجعفري ونوري المالكي المتعلقة بالخدمات والاقتصاد وبناء مؤسسات الدولةً وخاصة الجيش وحصر السلاح بيد الدولة، وفشلا كلاهما بسبب اساس المحاصصة الطائفية - العرقية الخاطيء التي بنيت عليه العملية السياسية منذ البداية وسياساتهما الفاشلة. و يبدو ان رئيس الوزراء العبادي مندفعاً بنفس الطريق او حتى اكثر اندفاعاً وجذرية من سابقيه، بأعتماده حلول الخصخصة، وهي جوهر برنامجه الأقتصادي متضافرة مع المحاصصة السياسية (لمعافاة) الاقتصاد العراقي والمجالات الأخرى.

والخصخصة كحل هو تهرب من الدولة من تحمل مسؤولياتها الدستورية في بلد مدمر بالكامل مثل العراق، يحتاج اكثر من اي وقت مضى لأنغمار مؤسساته الرسمية في وضع الأسس الصحيحة للبناء والشروع بتهيئة البنى التحتية اللازمة لتطوره لا تسليم كل هذه الأمور الحيوية للقطاع الخاص المحلي او الأجنبي الباحث عن الربح. مع اهمية خضوع المفاصل الاستراتيجية الاقتصادية الرئيسية للبلاد لأدارة مركزية، وهذا هو المعمول به في اكثر الدول الرأسمالية عراقة. ولدينا تجربة مرّة ومشوهة مع الخصخصة من خلال اعطاء دور مهم واساسي لشركات اجنبية من دول الجوار لتوريد الوقود لمراكز توليد الطاقة العراقية او ايكال مهمة انتاج الكهرباء وتجهيزها لأصحاب المولدات الأهلية .

كما يجرى الان تعميم روح الخصخصة على مجالات أخرى، ليصبح كل شيء عندنا بالمفرّق. ففي القطاع العسكري، امر السيد رئيس الوزراء العبادي بحل القيادة العامة للقوات المسلحة، الجهاز التنسيقي بين صنوفها ووحداتها، على خلفية الأتهامات بالأستغلال الغير الشرعي للقائد العام السابق نوري المالكي لها، ارضاءاً لبعض الجهات التي ترى في وحدة العمل العسكري تهديداً لمطامحها في الهيمنة والتقسيم. مع ان اول ما قامت به الولايات المتحدة والدول المتحالفة عند شروعها في مقاتلة داعش في العراق، هو انشاء قيادة عمليات موحدة مع القوات المسلحة العراقية. وهذا ما يؤكد أهمية وجود هكذا جهاز لا يخلو منه اي بلد من بلدان العالم. وانما ينبغي تشكيل هذه القيادة على اسس وضوابط مهنية تجعل استغلالها سياسياً لأغراض فئوية صعباً.

وكذلك كان قرار تشكيل قوات للحرس الوطني لكل منطقة بمنطقتها، بدلاً من اعادة تشكيل القوات المسلحة على اساس وطني مهني، وهو قرار منافٍ للدستور الذي اكد على وجود قوات مسلحة عراقية موحدة وعدم شرعية وجود اية قوة عسكرية خارجها او مرادفة لها. ان القرار يكرس المحاصصة من خلال الخصخصة وبالعكس. وهي خطوة جديدة يغامر بها اصحاب السلطة بتمزيق وحدة البلاد. فأن انشاء قوة رديفة للقوات المسلحة الشرعية وخصخصة هذه القوات، قوات للحرس الوطني تأتمر بأوامر قادة مناطقيين. وبسبب الأوضاع المعقدة التي كرسها نهج المحاصصة، ستكون هذه القوات متشكلة بالضرورة على اساس طائفي او عرقي بعينه، كما ان رواتب منتسبيها ستدفع بواسطة المحافظة المعنية وستكون ولاءاتها، بالتالي، مناطقية طائفية - عرقية وستصبح بذلك بيئة خصبة للأرتزاق والفساد. كما ستلغى كلياً ما تسمى بالعقيدة العسكرية الموحدة وستكون لدينا عقائد عسكرية متعددة، وستطالب الأدارات المحلية بحصتها من التسليح والتدريب، وسترفض تنفيذ الأوامر العسكرية التي يصدرها المركز، كما هو حاصل بالنسبة للبيشمركه الآن. ان ذلك سيكون مقدمة خطرة لمشروع التقسيم المرفوض.
ان سياسة الخصخصة العشوائية التي يقترحها رئيس الوزراء حيدر العبادي معززة بالعدد الهائل من منتسبي البطالة المقنعة في دوائر الدولة الذين ورثهم عن زملائه المتحاصصين والتي كان هدف تعيينهم ضمان المصوتين لهم في اي انتخابات وليس الحاجة الفعلية لتمشية امور الدولة والمواطنين، ستنعكس وبالاً على الأقتصاد الوطني واي مشروع بناء قادم. فستقفز الموازنة التشغيلية الخاصة برواتب الموظفين والمستخدمين وقوات الجيش والشرطة الى نسب خيالية، تستنزف ثروات العراق، و سيجبر العراق الغني على الأستجداء من البنك الدولي والدول الأخرى للأيفاء بأستحقاقات الخصخصة، ثم التوسل بصندوق النقد الدولي لأعادة جدولة ديونه التي لا تنتهي.

لابد للأندفاع في مشروع الخصخصة غير المنضبطة وغير العقلانية ان يؤدي الى استمرارالكوارث الأقتصادية والأجتماعية الراهنة ويؤبد هيمنة قيادات احزاب المحاصصة الحالية، بأعتبارهم اصحاب الاموال الاكثر قدرة وتأثيراً.

ربما يعتري حيدر العبادي وهم جميل، بأستعداد زملاؤه في المحاصصة لمساعدته، بأستثمار ملايينهم في البلاد التي اغتنوا منها، وهو ما لم يحصل لحد الآن ولن يحصل ابداً بعد ان جرى تهريبها الى الخارج، وقُرأت عليها الفاتحة الف مرة.