المنبرالحر

ليس كل من يَعدْ صادقاً! / مرتضى عبد الحميد

في الأيام السالفة، كانت حصة المثل الشعبي، «وعد الحر دين»، كبيرة في التطبيق العملي، لكن هذه النسبة اخذت تتضاءل في العقود الاخيرة، وصولا الى زماننا الذي يستحق بجدارة ان نسميه بالزمان الوغد، حيث لم يعد لهذا القول المأثور، رصيد يعتد به، بعد ان اختلط الحابل بالنابل، وتحولت السياسة في عرف الكثير من ممارسيها الجدد، الى مجرد لعب على الحبال، وابتكار اساليب جديدة في الخداع والغش والانانية، والتشبث المرضي بالكرسي مهما كان حجمه واهميته.
في مجتمعنا المتشظي بصورة محزنة، والمتخلي عن هويته الوطنية لصالح الهويات الفرعية، والغارق في الفساد المالي والاداري والسياسي، ترى ان اغلبية السياسيين والمسؤولين، يجسدون التنكر لوعودهم بأفضل ما يكون. وقد تعجب للسهولة التي يعدون بها حتى اقرب الناس اليهم، كما تعجب للسرعة القياسية التي يتنكرون فيها لهذه الوعود، مستخفين بعقول الآخرين، ومجففين آخر قطرة للحياء في جباههم.
ولا ريب ان هذه الحصيلة لم تأت من فراغ، وانما هي نتيجة لنظامنا السياسي الاجتماعي الهجين، وللتركات الثقيلة، سواء كانت من النظام الدكتاتوري، ام من زمن الاحتلال، الذي ادخلنا عمداً في دهاليز ومسارات مظلمة، لعل اشدها عتمة واكثرها تخلفاً وبؤساً هو نظام المحاصصة الطائفية - الاثنية.
ان من حق العراقيين ان لا يثقوا بأي من هذه الوعود، حتى لو كانت مقرونة بأغلظ الايمان، لانهم جربوا الكثير منها، بل صاروا يتوقعون ان تكون الحصيلة بالضد تماماً من الوعود والكلام المعسول، الذي يتطاير من افواه المسؤولين. ولا يقتصر هذا التنصل والنكران على فترة الانتخابات ووعودها فقط، وانما اصبح قانوناً او ما يشبه القانون في حياتنا السياسية والاجتماعية. فمئات بل آلاف الوعود، ما ارتبط منها بتوفير الامن والقضاء على الارهاب، او في مجال الخدمات، خاصة الكهرباء والماء والصحة والتعليم، او في محاربة الفساد، او التخلي عن المهاترات الاعلامية والاتهامات المتبادلة والباطلة، وما تتركه في الشارع العراقي من توترات وشروخ سياسية واجتماعية.. لم يتحقق من هذه الوعود شيئ. لكن العراقيين من ناحية اخرى، يرحبون، بل يتشبثون بكل بارقة امل في هذه الوعود اذا وجدوا انها بدأت تتحقق ولو نسبياً، كما هو الحال الآن.
اما المراهنون على الدول الاجنبية، بعيدا عن شعوبهم وابناء جلدتهم، فنصيبهم من هذه الوعود لا يختلف عمن يريد الصيد في الشلال، لان مصالح هذه الدول هي التي تتصدر سلم اولوياتها، واذا لم تتطابق المصلحتان، وهما نادراً ما تتطابقان، تكون النتيجة قبض ريح!
ان التعامل بمنطق الطموح والرغبات الذاتية، لا بمنطق الواقع الحي، كما يفعل بعض الساسة الآن، ووضع البيض كله في السلة التركية او الايرانية او اية سلة اخرى، لن يجلب غير المزيد من خيبات الامل، والمزيد من الاضرار الفادحة بالقضية ذاتها، وان كانت عادلة ومشروعة. لذلك تزداد اهمية وضرورة السياسة الموضوعية والمرنة، التي تنطلق من الحقائق الموجودة على الارض، ومن نضج العوامل الجيو سياسية والاقتصادية- الاجتماعية في القضايا المصيرية والكبرى، كموضوعة حق تقرير المصير، او اقامة الاقاليم.. الخ.
ان احد المعايير الاساسية للسياسي الحاذق والقائد الناجح هو الايمان الراسخ بان السياسة ليست فن الممكن وحسب، وانما هي فن حسن التوقيت ايضاً.