المنبرالحر

تحالف دولي ضد التخلف / اسماعيل شاكر الرفاعي

ببساطة يعني التخلف اننا نعيد انتاج ذواتنا في القوالب الفكرية الجاهزة نفسها التي تغذينا بالتصور ذاته عن وظيفتنا كبشر في الحياة، وهي وظيفة تخرج بنا عن وظيفة الانسان الحقيقية في القرن الواحد والعشرين: قرن العقل والتكنولوجيا والعلم والتخطيط، وتعود بنا القهقري الى غياهب قرون السحر والشعوذة واللا عقل. وبسبب من ذلك لم يرتفع اداء مؤسسات دولتنا الى مستوى المعايير العالمية: لا على المستوى العسكري ولا الاقتصادي ولا الخدمي ولا الثقافي.
ارى بان التحالف الدولي ضد داعش لا يعطي ثماره الا اذا اقترن بتحالف دولي آخر، يأخذ على عاتقه مكافحة تخلفنا، ففي مرآة مثل هذا التحالف سنرى انفسنا على حقيقتها، إذ ستضطرنا آليات عمل التحالف الى كتابة سيرتنا في كل ما مارسناه، والكشف عن كل ما اتخذه (اولو امرنا) من قرارات: ستجبرنا طرق عمل هذا التحالف على تعرية انفسنا، واكتشاف ما نحن عليه من قصور وتخلف..
ما امامنا إذاً، الا ان ننشط لاقامة تحالف دولي عريض ضد التخلف، على غرار التحالف الدولي العريض ضد داعش، فكما لم نستطع ان نصد الارهاب بقوانا الذاتية، فاننا لا نستطيع حكما ان نتجاوز التخلف بقوانا لوحدها.. قد تحرر الاسلحة الحديثة التي يستخدمها التحالف الدولي العريض الذي ضم دولا من كل القارات بقيادة الولايات المتحدة الامريكية الاراضي التي اغتصبتها قبضة داعش، لكن هذا الثقل الدولي الكبير، العسكري والاستخباراتي قد يصرع داعش التنظيم: يحاصره، يفككه، ويقتل زعاماته، ولكنه سيقصر عن قتل تصوراته السياسية عن وظيفة الدولة ووظيفة الانسان في الحياة.
فهذه التصورات موروث عام وشامل لهوية تعيد انتاج نفسها باشكال وبقوالب متعددة: مرة خرجت علينا بقالب قوماني انسحقت في داخله كل الاثنيات والقوميات والديانات والطوائف، وفي اخرى جاءتنا كعاصفة فاشستية احرقت الاخضر واليابس، وفي ثالثة استعارت العصبيات والعشائرية والطائفية، والآن تخرج علينا بهذا القالب الصحراوي البربري الذي يطلق على نفسه اسم: داعش.
نحن بحاجة ماسة الى هكذا تحالف لحاجتنا الى ما يسبقه وما يتلوه من مؤتمرات بحثية تتناول كل جوانب الحياة في العراق: الامنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ليكشف السياسي العراقي كم هي عتيقة المقولات السياسية التي يتعكز عليها، وينطلق منها، وتشكل نظرته الى الكون والحياة، والى دور ووظيفة الانسان في الحياة، وبالاحرى الى دور ووظيفة الدولة في المجتمع.
في مثل هذا التحالف سيتم فتح الابواب المقفلة واخراج الملفات المدفونة وتأشير الجدوى من كل القرارات التي اتخذتها المؤسسات كافة في دهاليز العتمة والظلام، وما صاحبها من هدر للمال العام، ومن لا أبالية بالزمن، وستتغير نظرة المسؤول في الدولة وهو يستمع الى الخبير الاقتصادي والمالي العالمي، والى مختلف العلماء في شتى الاختصاصات، وسيتم تخصيب وعي السياسي العراقي، ويكف عن الانشغال بالحديث الفارغ الى الفضائيات عن المؤامرة والتآمر..
نحن بحاجة الى مجهر عالمي نبصر من خلاله خطى السلحفاة التي نحن عليها في سباق عالمي لا يرحم، وبحاجة اشد الى بوصلة عالمية هي الاخرى، لكي نكتشف الى اين نحن سائرون..