داعش تحترق / اسماعيل شاكر الرفاعي

للفعلة الشنيعة التي أقدمت عليها داعش في حرق الطيار الأردني وهو حي رمزية كبيرة ، يتجلى وضوح هذه الرمزية بمشهد القفص الحديدي الذي وضع الطيار بداخله قبل اشعال النار . داعش لم تكشف عن عبقرية ابتكارية ، ولم تفكر طويلاً وهي تختار القفص لتقييد حرية وحركة الطيار الأسير ، وتسلبه ارادة المقاومة ، فلقد استعمل الأنسان القفص منذ القدم لسجن الطيور والحيوانات العصية على التدجين . لكن تكمن عبقريتها في مشهد الربط الذي أطلت به علينا بين القفص وبين فعل النار ، لكأن داعش تريد القول في هذا السرد لمشهدها الهمجي : بأن وجود القفص يسهل من عملية الحرق ، وتقل امكانية اشعال الحرائق بانتفاء وجود القفص ، وهذا ما يدفعنا لطرح السؤال : ماذا يحدث لو حاولت داعش حرق الطيار في الهواء الطلق ؟
كان رد الفعل المعاكس لما توخته داعش من بث الرعب ونشر الخوف قوياً وسريعاً ، فالناس في مختلف بقاع الأرض فهموا تلك الدلالة ، فكان احتجاجهم صارخاً ، وكان أول المحتجين على هذا الشعار الجديد لفاشست الشرق الأوسط الذي يربط بين التقفيص وبين التحريق بالنار هم أحرار العالم ، اولئك الذين كان نضالهم الدؤوب لا يكل عن الربط بين ضرورة تكسير القيود ، كما هو واضح من نصب الحرية في قلب بغداد ، اذا ما اردنا تجنب اشعال الحرائق ، والسعي الجاد لأطفاء المشتعل منها ، مثل حرائق الأزمات المتلاحقة التي اشعلتها بنية النظام المحاصصاتي.
لم تبث داعش الذعر في عدوها بل بثته في صفوف اعضائها حين اكتشف هؤلاء الأعضاء ـ من ردود الفعل السريعة ـ حدود قدراتهم القتالية ، وضيق مساحة مناورتهم العسكرية ، فشعروا كما لو انهم ـ لا الضابط الطيار ـ من وضعته داعش في قفص ، فها هي الطائرات المغيرة من كل حدب وصوب ، تشعل النار في كل زواياه واركانه ...
الضابط رمز لمؤسسة ، وداعش تكره كل نظام مؤسساتي ، وهي في هذا لا تختلف عن كل التنظيمات التي تعيش على أمنية بعث الماضي الخادعة . لا توجد مؤسسة في دول الماضي ، والمؤسسة الوحيدة الفاعلة والحية ـ في نموذج دولة الماضي ـ هي مؤسسة الحاكم المالك : الامبراطور او الملك او الامير او الخليفة ، الذي تزحف على بطونها أمامه كل المؤسسات الأخرى : القضائية والمالية والعسكرية . كل شئ مملوك في الامارة او المملكة او الأمبراطورية لمالك واحد لا شريك لسيفه في هذا الملك ..
من طبيعة المؤسسة ان تكون مستقلة بآليات عمل خاصة بها ، وان تسير على سكة قوانين ذاتية لا تستطيع أهواء ورغبات السياسي التأثير على مسارها . لم يتطور هذا النظام المؤسساتي في دولة الماضي المراد بعث تشريعاتها : من هو القاضي الذي خالف رأي العاهل في معاني البراءة والجريمة والعقاب ؟ ومن هي الحسبة التي رأت رأياً مخالفاً لرأي العاهل في طريقة ادارة الشأن البلدي ، او تسعيرة البضائع والمنتجات ؟ ومن هو القائد العسكري الذي ناقش العاهل في امور الحرب والسلام ولم يطح برأسه ؟ ..
ولنذّكر بأمثلة قريبة بل معيوشة : هل استقلت فعلاً المؤسسات المسماة مستقلة كالبنك المركزي، أو النزاهة ، او مفوضية الأنتخابات ، أو المحكمة الاتحادية عن تدخل المتنفذين في شؤونها ؟ اذاً اسألوا سنان الشبيبي عما جرى له ، وللمؤسسة التي أراد لها ان تكون مستقلة فعلاً لا على الورق ؟ ..