هل العراق مفلس؟ بين التاجر والبرجوازي / اسماعيل شاكر الرفاعي

تشير مفردة التاجر الى نشاط محدد يختلف في دلالته الاجتماعية والفكرية والسياسية عما تشير اليه مفردة البرجوازي من دلالات . الخلط في استعمال المفردتين للدلالة على معنى واحد عام وشائع في الحديث اليومي ، اذ يتم استخدام المفردتين للأشارة الى كل ( زنكين ) تسد ملكيته حاجاته الأساسية وتفيض عنها .. لكن ( الزنكنة ) في العراق تتولد عن نشاط : لا علاقة له بالتراكم المالي الذي يحققه البرجوازي عن طريق الصناعة وتحويل المواد الخام الى سلع وبضائع .. وحتى لو تحدثنا عن وجود صناعيين ، وغرف صناعية وبنوك صناعية ، فأنه لا يمكن الحديث عن طبقة صناعيين ، واعية لذاتها ، وتنشط سياسياً للضغط من أجل قوانين لصالح نشاطها الذي سيصب في الأخير لمصلحة المجتمع ككل ..
كان التاجر موجوداً منذ القدم: يعتاش على نقل العبقرية البشرية والمتاجرة بها: أي عرضها على من يحتاجها. والعبقرية البشرية تعني هنا: الأبتكار . يقوم التاجر بهذا النقل او العرض كوسيط بين منتج ومستهلك ، فهو يشتري بسعر ويبيع بسعر أعلى من سعر الشراء ، واحياناً يخفي المادة ليتلاعب بأسعارها وهو ما يسمى بالأحتكار الذي نهت عنه مختلف الديانات ومنها ديننا الأسلامي الحنيف .
لم يوجد البرجوازي / الصناعي منذ القدم ، بل ولد حديثاً مع ما اجترحه نشاطه هذا من ثورة صناعية ، تأسست عليها حضارة جديدة في التاريخ . يحققق البرجوازي أرباحه تحديداً من عملية التحويل: تحويل المواد الاولية الى سلع وبضائع . ولم يستطع الصناعي القيام بنشاطه الا في فترة زمنية محددة، تطور فيها العلم واستقل عن الخرافة. والا بعد ان يقوم بخطوات محسوبة علمياً ( لا تقبل الظن او التخمين ) اجريت عليها التجارب الكافية التي أثبتت نجاعتها. ولكي يزيد التاجر من تصريف بضاعته يلجأ احياناً الى الغش والكذب. في الوقت الذي لا تتضمن خطوات الصناعي / البرجوازي أي كذب او غش ، لان تحويل المواد الأولية الى بضائع تتطلب مقادير محددة لا زيادة فيها ولا نقصان من المادة الخام ومن مواد أخرى هي بمثابة العناصر المساعدة ولكن الضرورية لنجاح عملية التحويل..
هكذا ولدت زاوية نظر جديدة الى الطبيعة تأسست عليها نظرة أخلاقية فيها الكثير من الصدق ومن احترام الذات. ومن هنا يتحدث الناس الذين يزورون المجتمعات الصناعية عن الصدق والثقة في التعامل ، وعن القوانين العادلة التي لا تفرق بين الناس على اساس العرق او الديانة .. وبما ان الناس على دين ملوكها كما يقول المثل الشهير : نرى شعوب البلدان غير الصناعية لا تعير اهتماماً للعلم ، ويحاولون الحصول على المال بطرق غير مشروعة فتكثر عمليات النصب والأحتيال ، ويتحول النشاط السياسي الى نشاط ميلشوي .
هل العراق مفلس ؟ هذا رأي وليس حقيقة علمية ، وهو رأي يشير الى نتيجة التصرف بالوارد القومي .. العراق ليس مفلساً طريقة ادارة المال بطريقة تنطلق من زاوية نظر عتيقة جداً هي ما أدى الى ( افلاسه ). لم تتم ادارة المال العام في العراق من زاوية نظر الصناعي / البرجوازي بل تمت ادارته من زاوية نظر التاجر.. وثمة بون شاسع بين الادارتين المنطلقتين من زاويتي نظر متناقضتين: الصناعي لا يكتفي بالوارد الريعي للنفط ، وسيخطط علمياً لتنويع مصادر الدخل ، بخلق الكثير من الصناعات البديلة التي ستعوض الاقتصاد عن الانكماش في الطلب على النفط ، وتدني أسعاره .
لكن ادارة المال العام انطلقت من زاوية نظر التاجر ، وهي زاوية نظر لا تفكر الا بتحسين حال الفرد التاجر ، وليس بتحسين حال المجتمع.
والى ان يحين اليوم الذي تتغير فيه ادارة الوارد القومي: من زاوية نظر تركز على تحسين حال التاجر / الفرد / الحزب / الكتلة السياسية ، الى زاوية نظر تفكر بتحسين الحال العام للمجتمع ، سنظل عرضة لسهام النقد، وربما الشماتة ..