لا بد من تصحيح مسار العملية السياسية / احمد عبد مراد

عمت المدن العراقية في الآونة الاخيرة موجة من التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية شملت مختلف قطاعات المجتمع المدني العراقي الذي لم يترك مناسبة او ظرف موات لتذكير الجهات والمؤسسات والدوائر الحكومية وعلى اعلى المستويات سواء في الحكومات المحلية او الحكومة الاتحادية ومجلس البرلمان بما يعانيه من مشكلات بل ومعضلات اقتصادية واجتماعية تثقل كاهله وتعقد حياته وعلى مختلف المناحي والصعد ، ولكن مما يؤسف له ان غالبية الجهات الرسمية المعنية بالأمر ان لم نقل كلها لم تعر ولم تهتم بما يطرحه المواطن العراقي المظلوم والمحروم من ابسط حقوقه المهدورة ، لابل ان ما كان يحصل وباستمرار هو الاهمال والجفاء المتعمد من المسؤولين العراقيين وعلى مختلف مستوياتهم.. في الوقت الذي تتمتع الجهات المسؤولة الحاكمة التي تجثم على رقاب الشعب وتمسك بزمام الامور وبنعم العراق الوفيرة وبكل الامتيازات والملذات التي تسخرها لأطماعها وملذاتها في الوقت الذي تمعن بإذلال الشعب والسطو على حقوقه وقوته اليومي، وكما يتمتع المسؤولين هم وعوائلهم واقاربهم بكل ما لذّ وطاب ناهيك عن السفرات الطويلة خارج العراق للراحة والاستجمام والعلاج بأرقى مستشفيات الدول المتقدمة وبصفاتهم الدبلوماسية التي تميزهم وعوائلهم عن بقية المواطنين العراقيين ،في الوقت الذي تنخر الامراض الفتاكة والمزمنة اجساد الناس الفقراء والمحرومين الذين لا يجدون سوى مستشفيات لا تتوفر فيها ابسط الضرورات العلاجية من اجهزة طبية او ادوية الخ وان وجد منها في الصيدليات الاهلية فهو اما منتهية صلاحيته او مغشوش اومن الدرجات الدنيا من حيث الجودة، حيث ان معظم تلك الصيدليات تستورد الادوية الفاسدة والمنتهية صلاحيتها بأثمان بخسة لتباع على المواطن الفقير الذي ليس له حول ولا قوة على مقارعة الفاسدين والطفيليين والمستغلين وعتاة الفاسقين الظلاميين الذين يختبؤون وراء البسملة والتحمّد والتشكّر لله وهم بعيدين كل البعد عن الدين والخلق الكريمة.
لقد عمت التظاهرات العمالية والطلابية والفلاحية ومختلف طبقات وفئات الشعب العراقي الفقيرة غالبية المدن العراقية سواء بغداد و البصرة والناصرية والسماوة وميسان وبابل ومدن اخرى في طول البلاد وعرضها بعد ان عصر الجوع الذي لا يرحم بطون المحرومين المعدمين وبعد ان اثقل كاهلهم وحاصرتهم الحياة من كل جانب فلا طعام ولا علاج ولا مصاريف مدارس ولا امكانية دفع الايجارات ولا عيش محترم ولا سكن يليق بالإنسان حيث اصبح الكثيرون من المحرومين العراقيين يعيشون مع الحيوانات في سكن واحد يلفهم الضيم والبؤس من كل صوب ويكابدون الجوع والبرد والحر والمطر والفاقة والحرمان وفوق كل هذا وذاك يتعرضون كل يوم للتهديد بقطع ارزاقهم وتتوقف صرف رواتبهم لأكثر من ستة اشهر فإلى من يشتكون والى من يتجهون واين المفر من هذا الظلم والقهر الطبقي الاناني والظلم الاجتماعي .. لقد ضاقت الدنيا وسدت كل الابواب بوجه المحرومين فلم يجدوا امامهم الا طريقا واحدا وهو النزول الى الشارع هاتفين بأعلى اصواتهم ضد جميع الكتل والاحزاب والحكومات المحلية والحكومة الاتحادية البرجوازية التي لا يهمهم سوى ملذاتهم، ولا ننسى برلماننا البائس الذي لم نقبض منه سوى المهاترات والردح الرخيص والاطناب والتشبث بالطائفية .. نحن نسأل البرلمان العراقي ونتحداه اذا كان يستطيع ان يخرج علينا ليؤكد اصداره قانونا واحدا لصالح الطبقة العاملة وسائر فقراء عراق.
ان تظاهرات الجماهير الكادحة التي شملت كل انحاء العراق احتجاجا على المظالم المتكررة والتي تعب الشعب تحت ثقل وطأتها والذي اصبح لا طاقة له بتحملها.. وعليه فان الشعب الكادح يحمل المسؤولية الكاملة لما الت اليه الامور الحكومة والبرلمان ويلفت انتباههم ويذكرهم بمسؤولياتهم من دخول العراق في نفق مظلم جراء السياسة البائسة والمعتمدة على نظام الحكم الطائفي والمحاصصة السياسية وتقاسم المناصب والمصالح بين الاحزاب الطائفية الحاكمة دون ان تفكر وتلتفت الى تفكك الدولة وتشرذمها ونهب مؤسساتها الصناعة والزراعية وتدمير الحرف المهنية واعتماد الدولة بشكل كامل على قطاع النفط الريعي مما اوصل البلاد الى حافة الهاوية وافقار العراق وشعبه في الوقت الذي كنا يمكن ان نكون بمصاف الدول الصناعية والزراعية المتقدمة لو كان بلدنا وشعبنا بأياد حريصة وامينة على مصالحه وحمايته من النهب والسرقة وغسيل الاموال حيث لم تعد المبالغ المنهوبة من بنوك وخزائن العراق بالملايين بل بالمليارات فمن يا ترى المسؤول عن ذلك ومن المسؤول عن ضياع ثلث البلاد المحتل من قبل الارهابيين؟ ومن المسؤول عن الملايين المهجرة وعن مجازر سبايكر والصقلاوية والسجر وال بونمر والجبور وغيرها الكثير الكثير؟ .. ان الطبقة العاملة العراقية وحلفاؤها من الفلاحين والطلاب والكسبة والحرفيين والمعلمين والمدرسين وصغار التجار كل هؤلاء مدعوين لتغيير وتعديل مسار العملية السياسية والاطاحة بنظام الحكم الطائفي والتأسيس لنظام حكم وطني عابر فوق الطائفية والاثنية والعرقية .. حكم وطني ديمقراطي اتحادي يحكمه الشعب العراقي بكل اطيافه دون التوقف والسؤال عن منحدره وخلفيته الطائفية والعرقية .. تحكمه الجماهير الكادحة من مختلف اطياف الشعب معيارها في ذلك اولا المواطن والوطن وخدمة المجتمع ان ذلك يتحقق من خلال تجربة الجماهير الخاصة في الواقع المعاش ويتطلب النزول بمظاهرات جماهيرية سلمية مليونية عارمة لأخذ زمام المبادرة وتحقيق حكم الاغلبية فالانتخابات وحدها لا تكفي وما هي الا سبيل واسلوب واحد من اساليب النضال ، فإلى النزول السلمي الى الشارع .. فالحقوق تتحقق بالنضال وليس هبة او منّة من حكومة وبرلمان لا تهمهم الا مصالحهم.