المنبرالحر

نفاق اليسار النيوليبرالي(2-3) / فلاح علي

ما هي المنطلقات الفكرية لليسار النيوليبرالي ؟
ارى من وجهة نظري لا سيما بعد اطلاعي على طروحاته توصلت الى استنتاج ان اليسار النيوليبرالي غير متماسك فكرياً ، وانه في حالة من الفوضى والفلتان الفكري ، ولا ارى انه يحمل قيما يسارية قائمة على اساس فكر يساري ، وما يعلنه من تبنيه لهذه القيم اليسارية يبقى في اطار الادعاء وما هي الا ازدواجية حاله حال الاسلام السياسي ، يدعي في الاعلام انه يؤمن بالديمقراطية ولكن باللمارسة يمارس الالغاء والاقصاء والتهميش والتزوير ...... الخ . وهذا هو حال اليسار النيوليبرالي : حيث يعلن بصريح العبارة الى انهاء اليسار الماركسي . لكنه بنفس الوقت يؤكد التالي : على اليسار أن يتراجع عن خجله ويعلن أن الرأسمالية ونظام الإقتصاد الحر تلعب دورا ثوريا أين هي قيم اليسار هنا ؟
هنالك سؤال محير ان كان اليسار النيوليبرالي حقاً يحمل فكراً يسارياً اذن لماذا يدعو الى انهاء اليسار الماركسي ؟ ولم يقل لنا كيف ان الرأسمالية والاقتصاد الحر تلعب دوراً ثورياً في المرحلة الحالية.
من وجهة نظري ارى ان اليسار النيوليبرالي يستتج من طروحاته ان منطلقاته الفكرية قائمة على التالي : انه يستمد منطلقاته الفكرية من قيم النيوليبرالية ومن تقديسه للقطاع الخاص والخصخصة ومن قناعته بأن الرأسمالية ثورية وتناسى ان ثوريتها كانت في مراحلها الاولى في فترة الاقطاع وبداية الثورة الصناعية . هي الآن تحولت الى الامبريالية . ارى انه لو كان ماركس حياً لتوصل الى نفس استنتاج لينين ان الرأسمالية دخلت مرحلة الامبريالية وفقدت ثوريتها . سؤال : اين تكمن ثوريتها في مرحلة الامبريالية ؟ من هذا ارى ان فكر اليسار النيوليبرالي فضفاض يتسم بالضبابية بلا ملامح وغير واضح التوجهات والمنطلقات غير متبلور ويمر بحالة من الفوضى والفلتان غير متماسك فكرياً فهو من جانب يدعو الى انهاء اليسار الماركسي ومن جانب آخر يتعصب للقطاع الخاص والاقتصاد الحر ويدعو الى الحد من دور الدولة وانهاء القطاع العام . الكل تدرك ان تقلبات الاسواق هي سمة ملازمة للراسمالية الحالية ، وما ينتج من هذه التقلبات هو البطالة وفقدان الضمان ، الملاييين في العالم تفقد وظائفها ،وتنتج مشاكل اجتماعية واقتصادية ويزداد الفقر لأزدياد الفوارق في الدخل . اذن لماذا اليسار النيوليبرالي يدعو الى التوجه للقطاع الخاص والاقتصاد الحر ويدعو لحرق المراحل ويريد ان يفرض انهاء اليسار الماركسي ويفرض ثورية الراسمالية في مرحلة الامبريالية . ولماذا يطالب البلدان النامية بالتوجه لأقتصاد السوق اذا اقتصاد السوق في ازمات مستمرة واوجد تفاوتا ما بين الاغنياء والفقراء في البلدان الراسمالية ، وما اكده بهذا الخصوص عالم الاقتصاد جوزيف إ. ستيفليتز ذكر التالي : ( النمو في امريكا في الثمانينات كان عاليا والاقتصاد في اوج توسعه لكن الدخل الحقيقي للأشخاص الأكثر حرماناً قد تدنى ) هنا يطرح سؤال ان انهاء القطاع العام وانهاء دور الدولة اذا لم تصلح للعمل في الدول الصناعية فلماذا يرى اليسار النيوليبرالي انها تصلح للعمل بالبلدان النامية ؟ .
توحي طروحات اليسار النيوليبرالي الغربي انها ليس فقط لا تزال في مرحلة الفوضى والتخبط والضبابية اوانها تحمل قيما مزدوجة بعيدة عن قيم اليسارفي الممارسه مثل انه لا يؤمن بالديمقراطية والتعددية عندما يدعو الى ( انهاء اليسارالماركسي وان فكرة الحزب السياسي قد ماتت لم تعد قادرة على خدمة قيم اليسار ..... الخ ) وانما انها اي طروحات اليسار النيوليبرالي ، ليس لها ارض صالحة سواء في العراق او بلدان الشرق الاوسط . لأنه في الممارسة تخدم توجهات الاحتكارات الدولية من جانب ومن جانب آخر تخدم او تمثل وجهة نظر الاصولية السلفية في توجهاتها الاقتصادية كما انه يريد ان يكون هو البديل عن اليسار الماركسي ،وهذا ما تقبل به الاصولية الاسلامية . ويتصور بطرحه الخيالي هذا و بضربة واحدة ينهي نظرية ومنهج علمي وفكر وتأريخ ونضال واهداف وبرامج وملايين في العالم منخرطة بقناعه بهذا الفكر وبهذه الاحزاب السياسية الشيوعية واليسارية، التي العديد منها الآن لها مواقع في برلمانات بلدانها وتعمل لبناء اوطانها واقتصادياتها وتطورها . اليسار النيوليبرالي بطرحه هذا انه يمارس الاقصاء ويريد تفصيل التنظيم السياسي واقتصاد البلدان حسب مقاساته ووصفاته النيوليبرالية ، بحجة الحفاظ على قيم اليسار وايجاد يسار جديد ترضى علية الاحتكارات والسلفية الاسلامية هذا هو النفاق وهذه هي الازدواجيه التي يحملهما اليسار النيوليبرالي .
اليسار الماركسي يسار جماهيري :
ومتجذر في المجتمع وله تاريخ وطني حافل على صعيد كل بلد وفي العراق ارتبط تاريخ العراق الحديث بتاريخ نضال اليسار الماركسي المتمثل آنذاك بالحزب الشيوعي العراقي ، كما ان ظروف البلد الموضوعية والذاتية تؤكد حاجة الشعب العراقي الى اليسار الماركسي لارتفاع حدة الصراع الطبقي فيه وهذا نفس الشيئ ينطبق على شعوب الشرق الاوسط والعالم وحاجتها الى يسار ماركسي . لم يحدد اليسار النيوليبرالي كيف بمقدوره انهاء اليسار الماركسي الجماهيري المتجذر في المجتمع ؟ لاسيما ان اليسار النيوليبرالي ليس هو تيار او اطار تنسيقي او تنظيمي قائم كل المعطيات تؤكد على ارض الواقع الفعلي انه غير موجود . هو مجرد اشخاص او افراد منتشرين في بلدان اللجوء يحملون مستوى ثقافي معين وخبرة محدودة نتيجة نشاطهم في الحزب الشيوعي في فترات محددة . وهذه هي احلام نرجسية يتخيل حاملوها بانهم بمقدورهم ان يكونوا بديلاً عن اليسار الماركسي . ولا نعرف كيف سينهون اليسار الماركسي ؟ هل انه لديهم فانوسا سحريا او يعتمدون على قوة الاحتكارات الاقتصادية وضغوطها السياسية ، ام يستعينون ب البنتاغون او ال CIA ام بحلف الناتو ؟ام بسلاح الامبريالية القديم .
ما هو سلاح الامبريالية القديم :
البالي الذي انهزم امام صمود اليسار الماركسي ، حيث اكتشفته عبقرية الامبريالية بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة ، بعد ان اقامت تحالفات مع الاصولية الاسلامية المتطرفة المتمثلة بالسلفية الجديدة لمواجهة المد اليساري في بلدان العالم النامي ، ومدتها بالدعم المالي واللوجستي . حيث في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي كان هنالك مد يساري جماهيري قوي جداً في العديد من البلدان منها العراق والسودان ومصر واليمن واثيوبيا واندونيسيا وبنكًلاديش وامريكا اللاتينية وحتى الصومال . فصدمت الامبريالية من هذا المد اليساري خارج الكتلة الشرقية آنذاك ، فبدأت بتدبير انقلابات عسكرية في العديد من البلدان وتقيم انظمة دكتاتورية فيها ، بالاعتماد على الاصولية السلفية واعداء اليسار الماركسي ، فبدأت تنفيذ مشروعها هذا في البلدان التي فيها يسار ماركسي جماهيري قوي ومؤثر وقاب قوسيين من الوصول الى السلطة . فبدأت هجومها في العراق في عام 1963 بالاعتماد على السلفية الاسلامية وفاشيي حزب البعث وكل اعداء اليسار الماركسي وقتلت آلاف الشيوعيين واليساريين والديمقراطيين ، الا انه بحملتها هذه فشلت في انهاء اليسار الماركسي في العراق . وكررت التجربة في اندونيسيا حيث كان الحزب الشيوعي الاندونيسي اكبر حزب في المنطقة فلم تتحمل ال CIA هذا الزخم الشيوعي في هذا البلد الذي يهدد مصالحها في المحيط الهادي . فدبرت انقلابا عسكريا وبالتعاون مع السلفية الاسلامية المتمثلة في حزب صرخات الاسلامي . وقتلت آلاف الشيوعيين وعوائلهم الا ان اليسار بقى قوياً في اندونيسيا . وفي شيلي نظموا انقلابا عسكريا ودعموا الفاشي بينوشيت وقتلوا الآلاف من الشيوعيين واليساريين، وفي باكستان وبنكًلاديش كرروا التجربة في السبعينات من القرن الماضي بالاعتماد على الجماعات الاسلامية واغتالوا آلاف الشيوعيين واليساريين، وفي امريكا اللاتينية والسودان وغيرها من البلدان . هذا هو سلاح الامبريالية القديم اعتمدت عليه لترابط مصالحها الاقتصادية مع السلفية الاسلامية الجديدة ولتقارب سياساتهم الاستراتيجية في المصالح السياسية والاقتصادية ، كما هو تحالفها مع القاعدة ودعمها لأسامة بن لادن والضوء الاخضر الذي اعطته للسعودية وقطر وتركيا في دعم داعش .
الا اني ارى من وجهة نظري ان اليسار النيوليبرالي لا يلجأ لهذا الطريق لأنه ليس لديه قواعد واطر في هذه البلدان ، ومع هذا لم يعلمنا كيف سينهي اليسار الماركسي وبأي طريقة ؟ انه في حلم رومانسي وفي نوم هادئ . العامل الحاسم في الموضوع يكمن في : ان اليسار النيوليبرالي ليس لديه رؤية دقيقية عن واقع المجتمع العراقي وواقع شعوب البلدان النامية وبالذات في منطقة الشرق الاوسط ، حيث تمر هذه البلدان بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وفقر وجوع وهيمنه امريكية وقواعد عسكرية وشركات احتكارية ونهب ثروات وارهاب واسلام سياسي متطرف ... الخ هذا اولاً وثانياً ان حاجات الشعب العراقي وشعوب المنطقة ليس بمقدورمشروع اليسار النيوليبرالي حلها او ايجاد حل للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، هذا ان كان لديه مشروع، وثالثاً من هذا كله ان الظروف الموضوعية في العراق غير ملائمه لنشأة مثل هكذا يسار نيوليبرالي . ارى ان على اليسار النيوليبرالي ان يكون واقعياً وديمقراطياً حقاً ويفيق من حلمه ويخلص نفسه من الاعشاب والاشواك اولاً ليكون مقبولاً وليوفرتربة صالحة له ، لأنه ليس بمقدوره ان يناطح اشجار النخيل في العراق ذات الجذور الممتدة عميقاً في التربة العراقية . ليس بمقدوره ان ينهي الفكر الماركسي الذي احتضنه الشعب ومده بخيرة بناته وابنائه .
من هذا ان دعوة انهاء اليسار الماركسي ليست جديدة :
تعرضت الماركسية واليسار الماركسي الى اشرس حملة ارهابية بوليسية وآخرها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وبالذات في فرنسا وايطاليا والمانيا بعد سقوط جدار برلين في عام 1989 قاد الحملة النيوليبرالية الجديدة واعداء الماركسية ، ولكنهم فشلوا، اذ سرعان ما تلاشت هذه الحملة الشرسة بعد الازمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الامريكية في عام 2007 ، حيث كانت اكبر ازمة مالية شهدتها الولايات المتحدة الامريكية ، وفي هذه الفترة بالذات حصل اهتمام كبير بكتابات ماركس في اوربا وسجلت كتبه اعلى مبيعات في المانيا ، واكدت احداث العالم مدى اهمية الماركسية في عصرنا ارتباطاً بازمة الراسمالية الراهنة ، وهذا اكد من جديد على حاجة كوكبنا للماركسية ولقدرتها ليس فقط في تفسير تناقضات الراسمالية في القرن التاسع عشر ، وانما قدرتها على تفسير التناقضات التي يشهدها عصرنا الحالي ونقدها وايجاد حلول لها . ان كل المؤشرات تؤكد اليوم ان الحملة على الماركسية وصلت نهايتها . من هذا لا يمكن لأي انسان وبالذات من لديه فكر يساري حقيقي ان يصدق اليوم ما قاله المنظر النيوليبرالي فرانسيس فوكوياما في مقالته في عام 1989 بنهاية التاريخ وان النيوليبرالية قد وطدت اقدامها للأبد وان التاريخ وصل نهايته ، واعاد ذلك في كتابه الذي صدر في عام 1992 . الماركسية ليس فقط هي منهج علمي ودليل او مرشد عمل وانما هي كانت ولا زالت تحتفظ بقوة الهام لفهم طبيعة الراسمالية ومشاكلها وبالتالي نقدها وتحليل اشكالها وتطوراتها وكيفية مواجهة مخاطرها .
(يتبع)
8-10-2015
1- جوزيف إستيفليتز - مؤلف كتاب خيبات العولمة - حامل جائزة نوبل بالاقتصاد وكان مستشار اقتصادي للرئيس الامريكي كلينتون ثم اصبح كبير مستشاري صندوق النقد الدولي .