المنبرالحر

وجهة في النظر في مسودة برنامج الحزب: حزبنا يسترشد بالمنهج الجدلي التاريخي الماركسي! / عبد اللطيف السعدي

فعلت خيراً، قيادة الحزب الشيوعي العراقي، حين بادرت إلى نشر وتوزيع برنامج المؤتمر التاسع، بهدف تجديد وتحديث محتواها، وجعلها متواكبة مع التطورات التي حفل بها العراق، والمنطقة والعالم. فواقع التطورات ورغم مضيّ ما يقرب من أربع سنوات، لم تحمل الكثير من التحولات الجوهرية في الأطر الاقتصادية والاجتماعية، باستثناء ما شهده العراق من تدهور فاضح في أوضاعه السياسية، وحصول نتائج كانت متوقعة في بعض أوجهها، بسبب استمرار نظام المحاصصات الأثنية والطائفية، التي تأسست أولى لبناتها بعد انهيار نظام الدكتاتورية العتية العام 2003، وتشكيل ما سميّ حينها بمجلس الحكم، بقيادة دكتاتور أميركي جديد، نصبته إدارة الحرب الأمريكية في إطار استراتيجية نشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وفي بلادنا المضامة بشكل خاص، بهدف تغيير كل موازين القوى واتجاهات الصراع في المنطقة، بما يضمن ترسيخ المصالح سواء الاقتصادية أم الجغرافيا السياسية في المنطقة المذكورة.
لقد ساءت الأوضاع بسبب منهج حكام المحاصصات وركوب التمثيل القومي والطائفي، وبشكل خاص في الدورة الثانية لحكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. فالتهمت قوى الإرهاب وداعش تحديداً ثلث الاراضي، وبكل بساطة وسهولة، فبدت كل هنّات الحكم الذي تأسس بعد سقوط الدكتاتورية، وانفضحت كل إدعاءات الحرص على الوطن، تحت واجهات وأيديولوجيات الدين والسياسات الطائفية، المؤطرة بممارسات ضيق الأفق القومي والطائفي، وتسييس الدين.
وكان أبرز حدث في البلاد والذي، أحدث فعلا تغييرياً جلياً، وأنهض مارد الأمل بعراق آخر، هو خروج تظاهرات الناشطين المدنيين وحركات المجتمع المدني، وظهور الدور المميز للشباب والنساء في إطار الحركة الجماهيرية المدنية، وما لعبه نشطاء وكوادر وجماهير الحزب من دور في إطارها.
أردت من ما ذكرت القول أن أبواب البرنامج المطروح يمكن أن تصلح أساساً سليما لإعادة بنائه بما يتلاءم والتغيرات السياسية. والمبادرة بكل الأحوال تمثل تمسكاً بنهج المشاركة الديمقراطية لأوسع المنظمات القاعدية، بل وأوسع من ذلك بتوق مشاركة المنظمات الجماهيرية وجماهير المستقلين من المعنيين بمصير ومستقبل البلاد. وهذا تأكيد لمبادئ أقرها مؤتمر "الديمقراطية والتجديد"، الخامس العام 1993. والتي تحتاج للتطوير والإغناء باستمرار.
وبعد إعادتي لقراءة البرنامج وأنا المشارك ضيفاً، في أعمال المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي، وجدت نفسي ربما أمام ضرورة تأكيد بعض المبادئ في ما يخص تحديد طابع الحزب، وهويته الفكرية والسياسية. وأجدني متفقا في الإطار العام في كل ما ورد في مضامين الأبواب الخاصة بميادين العمل والتغيير، بدءاً بالاقتصاد ووصولاً إلى الثقافة....ألخ.
وأرى أولا في أولى فقرات التقديم أو مقدمة الوثيقة، أن ينص على "يسترشد الحزب الشيوعي في كفاحه، وفي مجمل سياسته وتنظيمه ونشاطه، "بالمنهج الجدلي التاريخي، الماركسي، وتراث الفكر الاشتراكي العالمي وتجارب محاولات تجسيده العملي في الواقع". أي أنني لا أكتفي، بل لا أتفق مع صياغة "يسترشد... بالفكر الماركسي.... والتراث الاشتراكي عامة". قد يقول البعض، متهكما ربما، "وما الفرق بين الصيغتين، فالماركسية أشمل ... !!. هنا أقول كلا أنها مسالة جوهرية حقاً، وهذا يتأتي من تجربتي بل تجربة الحزب في سير مناقشات سبقت المؤتمر الخامس، وجرت في داخله ولأيام عديدة. لا أريد العودة إلى قول ماركس، أنجلز حين شدّد على أن الماركسية هي منهجها الديالكتيكي التاريخي، وهذا بالنسبة لي يعني عدم الانحسار واللجوء إلى السهل، بالإشارة إلى الماركسية، بما سمح ويسمح في الغالب بتقديس النصوص، في حين أن الطرح الماركسي يتعلق بالرجوع إلى تأريخيتها وملموسيتها وحقيقة تغيرها مع تغير الظروف والاسس التي انطلقت منها حين تم طرحها أو كتابتها.
فالماركسية ليست نصوص لآيات، أو وردت في كتب مقدسة، وإنما هي أدوات تحليل وقراءة للواقع والوقائع، في ضوئها تتحدد ليس فقط الممارسات بل السياسات وأسس التنظيم، على قاعدة الترابط بين عناصر الثالوث في بناء وعمل ونشاط الحزب من نمط الأحزاب التقدمية اليسارية، بمعنى الشيوعية، وهي ( الوعي- التنظيم- النشاط). فالأمر بالنسبة لي ليس شكلياً وإنما جوهريا وأساسياً. كما أنني أردت تعزيز الانتماء إلى الاشتراكية كخيار اجتماعي – اقتصادي، وسياسي في تحديد أهدافنا في نضالنا ونشاطنا في إطار المجتمع العراقي وعلى الصعيد العالمي. لذلك أرى النص تحديداً على "تراث أو إرث الفكر الاشتراكي العالمي - بمعنى كل ما كتب عن الاشتراكية حتى قبل ماركس وأنجلز وبعدهما- ثم الإشارة إلى تجارب أدى فشلها في أواخر الثمانينات، إلى كوارث في العالم، خاصة وأنها لم تمثل خير تمثيل الفكر والبناء الاشتراكي الذي ما كان يمكن أن يستمر على أسس إنسانية بغير تضمنه في الجوهر على المشاركة الديمقراطية لأوسع الجماهير. تلك التجارب التي أطلقت عليها، وبعد تجربة دراستي في الإتحاد السوفيتي السابق، ومتابعتي اليومية لتطورات ما سمي في حينها بالبيروسترويكا، وعن قرب، تسمية "اشتراكية الفقر". ولست هنا في معرض تفسير ذلك فلقد سبق وأن نشرت سلسلة مقالات عن تلك التجربة المريرة في مجلة الحرية الفلسطينية في أواسط تسعينيات القرن الماضي، حين كنت أعمل في مكتب الحزب في دمشق.
كما في إطار وقوف الحزب ضد جميع "أشكال الحكم الاستبدادي....ألخ"، ارى من المناسب بل الضروري الإشارة إلى "وكل أشكال ومظاهر الإسلام السياسي، أو أي مظهر من مظاهر تسييس الدين، ودولنته".
كما أود التأكيد على أهمية النص على أن الحزب، باعتباره حزباً ديمقراطياً في التنظيم والعمل، يعمل على "إقامة نظام ديمقراطي أساسه المشاركة الشعبية، والتعددية الفكرية والسياسية". وفي ذلك أرى أهمية تثبيت أن الديمقراطية التي ندعو إليها هي "ديمقراطية المشاركة" وليس فقط ديمقراطية التمثيل، التي أكدت التجارب وتجربتنا بعد عام 2003، إلى أنها تعني سرقة الإرادات تحت واجهة ركوب التمثيل الاثني والطائفي المقيتة.
وفي الأخير أرى أن الكثير من فقرات وبنود تضمنتها ميادين الكفاح والعمل والنشاط تحتاج إلى إعادة الصياغة بما يتلاءم والتطورات على الصعد الداخلية والإقليمية والعالمية، وبينها الأزمة الاقتصادية- النفطية، التي شملت العالم أجمع وتحاصر اليوم مصير ومستقبل البناء في بلادنا.