المنبرالحر

الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان / بشار قفطان

قبل حوالي نصف قرن، حدد الحزب الشيوعي العراقي موقفه من تطبيق قانون الحكم الذاتي الذي صدر بعد الحادي عشر من اذار 1970م في ظل توفير ظروف ومناخ ديمقراطي تشارك فيه جميع القوى السياسية الموجودة على الساحة العراقية وقت ذاك ، لو طبق ذلك القانون على وفق ما كتب واتفق عليه لكانت القضية القومية الكردية ، بشكل خاص والوضع العراقي بشكل عام افضل بكثير مما نحن فيه الان.
غياب الديمقراطية والنهج الديمقراطي في العراق وقت ذاك حال دون تحقيق الحكم الذاتي بسبب طبيعة النهج القومي الضيق سواء بالنسبة للسلطة الحاكمة، ورؤية بعض القوميين المتطرفين الاكراد.
الحزب الشيوعي العراقي من جانبه اوضح موقفه المبدئي من تأزم العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني باعتباره الموقع على بيان اذار 1970 الذي باركه معظم ابناء الشعب العراقي وقواه الوطنية من خلال الفعاليات الجماهيرية.
واعتبر الحزب الشيوعي العراقي ان السبب في عدم تنفيذ بيان الحادي عشر من اذار هو غياب تطبيق الديمقراطية من قاموس الحزب الحاكم، وأعتَقَد الزعماء الاكراد ان التوقيع على بيان اذار هو فرصة لتقاسم السلطة والنفوذ مع حزب البعث، وكان ذلك خطأ فادحأً، عبر عنه الحزب الشيوعي العراقي من خلال بياناته وتصريحاته وترجمه بالشعار العتيد (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان )
اذ لا يمكن فصل الحكم الذاتي للأكراد عن الديمقراطية الحقيقية للعراق، التي ينشدها الجميع، وتحقيق المشاركة الفعلية لجميع الاطراف في رسم سياسة البلد في جميع الميادين الاقتصادية و السياسية والاجتماعية.
كانت نتيجة عدم تطبيق بيان اذار، غياب الديمقراطية، والتملص من تنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة وعدم الثقة بين قادة الحكومة المركزية والقيادة الكردية بزعامة القائد الملا مصطفى البارزاني،
قد ادى الى عودة الاقتتال مجددا بين طرفي النزاع، وكلف الشعب العراقي المزيد من الضحايا ومعوقي الحرب نتيجة ذلك الاقتتال الدامي، واستمرت الحكومة المركزية في اتباع نهج خاطئ في معالجة حل القضية القومية الكردية.
وبدلاً من استماعها الى منطق الحكمة والعقل واصوات الداعين الى حل المسالة الكردية حلا سلميا عادلا في الجلوس الى طاولة الحوار البناء، ذهبت في اتجاه ايجاد كيانات موالية لها لإيهام الراي العام ان الكرد يتمتعون بحقوقهم.
وحصل ما حصل من الدمار وزيادة الضحايا بسبب الحرب واثارها، من استخدام للأسلحة الكيماوية وسياسة الابادة الجماعية والتهجير القسري للأكراد من مواقع سكناهم الاصلية في بعض المناطق الى مدن وقرى اخرى في الاقليم، وتهجير الالاف منهم الى قرى في جنوب العراق، في مطلع ثمانينات القرن الماضي، ومع تصاعد ازمة النظام الدكتاتوري في انتهاج سياسة محاربة القوى الوطنية والديمقراطية، وقيام الحرب مع جمهورية ايران الاسلامية، واستخدم شعار كل شيء من اجل المعركة، وتمت عملية تهجير ضد الكرد الفيلية بذريعة تعاونهم مع الحركة الكردية وايران.
اصطفت قوى عديدة الى جانب الحركة الكردية المسلحة في كردستان في عام 1980 ورفعت شعار اسقاط النظام، ودخول بعض اطراف المعارضة العراقية في القتال الى جانب البيشمركَة وفرق الانصار.
واستمرت المعارك الطاحنة حتى انتفاضة اذار 199م، والانسحاب الكامل للقطعات العسكرية من الاقليم ومن ثم من جميع مؤسسات الدولة وقيام خط حماية للإقليم خط عرض 36، وأخذت الاحزاب الكردية ذات النفوذ تمارس عملية اقتسام كل شيء في الاقليم، وانشاء المشاريع والاستفادة من التجارة الدولية من خلال منفذ ابراهيم الخليل، ومنافذ الحدود الاخرى التي تحادد الاقليم .
وجرت عمليات تنسيق وعمل مشترك مع معظم القوى السياسية المعارضة، وحضر معظمهم مؤتمري لندن وصلاح الدين قبل عملية اسقاط النظام عن طريق الحرب والتحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في اذار 2003 وانتهى بإسقاط النظام في نيسان من نفس العام.
مسالة قيام الديمقراطية بشكل يضمن مصالح الجميع لم يعد امرا سهلا حيث الديمقراطية ليست وصفة جاهزة ومجردة من اليات التطبيق والممارسة، وترسخت في اذهان الذين حضروا مؤتمري لندن وصلاح الدين، فكرة ادارة سلطة الدولة، وجعلوا من الديمقراطية كأنها مكرمة او هبة يمنحها متى شاء الحاكم، كما كان يفعل ذلك النظام السابق، وتعاونوا فيما بينهم على اساس المحاصصة القومية والطائفية والمذهبية. وتقاسموا موقع النفوذ على هذا الاساس، وحتى موضوع تطبيق الديمقراطية غاب عن قاموس من كان يحملها في تسمية حزبه. وبقيت مجرد حبر على ورق في الدستور الذي كتبوه بأيديهم، وصوتوا لصالح المشاريع والقوانين التي تلغي بناء الديمقراطية في العراق، كاعتماد قانون سانت ليغو المعدل، واعتبار العراق عدة دوائر انتخابية، بدلا من دائرة انتخابية واحدة، حيث يفسح المجال امام الكيانات والكتل الصغيرة المتواجدة في الساحة العراقية ومؤمنة بالعملية السياسية من الحصول على تمثيل في البرلمان، ومجالس المحافظات.
وهذا ما كان يحذر منه الحزب الشيوعي العراقي وخصوصا للزعماء الاكراد، اذ لا يمكن للإخوة الاكراد ان يتمتعوا بحقوقهم القومية وحل المشاكل التي تفاقمت مع الحكومة المركزية الا في ظل وضع ديمقراطي، يلزم الجميع في تطبيقه، والعمل الجاد في استتباب الامن، وتحرير كامل التراب العراقي من عصابات داعش، واتخاذ اجراءات وخطط عملية في مكافحة الفساد وتصفية اثاره، واعمار المدن التي دمرها داعش، وانهاء اثار مخلفاته الفكرية والسياسية والاجتماعية.
ونتيجة النهج الخاطيء الذي كان التحالف الكردستاني جزءاً منه، يمر البلد الان في ازمة حقيقية تصاعدت حدتها في الايام الاخيرة نتيجة الاستفتاء الذي اجري يوم 25 / 9 والذي وقفت ضد اجراءه معظم الدول والمنظمات الدولية، وستكون له اثار سلبية على ابناء الشعب الكردي بشكل خاص و الوضع العراقي والاقليمي والدولي، وستكون نتائجه عكس ما يتوقعه الزعماء الأكراد وان الضحية هو الشعب الكردي، ويكفي من الدماء التي يراهن البعض على اراقتها.