المنبرالحر

الاحزاب الحاكمة واشكالية الكفاءة الادارية / خليل ابراهيم العبيدي

المتتبع لواقع الحركة الحزبية في العراق والتدهور الذي اصاب الجهاز الاداري للدولة والمؤسسات الرسمية، بعد عام 2003 تتبادر الى ذهنه وللوهلة الأولى، مسالة التمييز بين متطلبات النضال السلبي، ومتطلبات ادارة الدولة، فالحزب وفق معايير وضوابط العمل الاداري هو مخالف للقوانين في حركته المناوئة للسلطة ايام الكفاح ضدها في المرحلة السابقة لاستلامه الحكم. بخلاف الاحزاب التي تتداول السلطة سلميا، فالنوع الاول لا يعبأ بالكفاءة والقدرة على ادارة الدولة بقدر ما يهتم بالكفاءة في القيادة وتوجيه المعارضة للنظام وصولا الى الهدف، الامر الذي لا ينتج عنه الاتيان بكوادر متمرسة على الانجاز الحكومي ومتطلباته، في حين الاحزاب من النوع الثاني تعد نفسها وكوادرها للتاقلم على السلطة والوثوب سلميا لا بالعنف، معدة بذلك الكوادر الفنية لادارة العهد الجديد، كما وان بعض الاحزاب كما هو معروف في بريطانيا مثلا تعد مقابل الحكومة الفعلية حكومة الظل، او ان كلا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يعد كل منهما الكوادر المؤهلة لادارة الحكومات الفدرالية او حكومات الولايات.
ان الاحزاب في الديمقراطيات الغربية هي مدارس بحد ذاتها لها فكر واضح ومنهج محدد ومبادئ تسير عليها بغض النظر عن من يقودها، ولها تقاليد براغماتية تسير بموجبها، ففي حال تغيير القيادة يبقى النهج دون تغيير . اما في الدول النامية فلم تستطع الاحزاب مغادرة السلطة الشخصانية للفرد، فالحزب يعرف بقيادته لا بمنهجه ولا ببرنامجه ولا بافكاره، باستثاء الاحزاب الشيوعية، وتنطبع الاحزاب بالولاءات الشخصية الامر الذي يبعدها تماما عن المنهج السياسي الواضح ويمنعها من ان تكون مدرسة للاعضاء الحاليين او القادمين، ولما كان العيب يسبق التطبيق، فان هذه الاحزاب التي تولت السلطة بعد عام 2003 تشكو من شخصانية التوجيه وظلت بعيدة عن توجيه المنهج، وظلت تدور في متطلبات مرحلة العمل السياسي السلبي، غير قادرة على استيعاب متطلبات العمل الحكومي المتشعبة والمختلفة في النهج والتنفيذ، ولم تتلافَ هذا التخبط بل انغمست في ملذات السلطة وظلت تدور بالفكر المعادي للمرحلة السابقة دون ان تغادرها الى مرحلة البناء والتغيير، وظلت لمدة طويلة دون ان تعقد مؤتمرات حزبية تتدارس فيها واقع المرحلة وتضع المنهج المطلوب للبناء والتغيير، وان عقدت مثل هذه المؤتمرات فلم تكن تعتمد العمل المبرمج او لتهتم بالاقتصاد او التنمية او تحسين الاداء، كما وانها خضعت لمتطلبات واملاءات المحتل، وعملت جاهدة على مكافاة انفسها بالعوائد المالية والمناصب الحكومية فوّلت غير الكفوء ونصبت غير الممارس للعمل الحكومي، وسكتت على تصرفات الحاكم المدني التي نالت من ثوابت العمل المالي والاداري قي الدولة العراقية وشلت بذلك اعمال ودور الرقابة المالية مما اتاح الفرصة تلو الاخرى للعابثين والمتلاعبين بالمال العام، الامر الذي ادى تدريجيا الى تسرب الفساد بشتى انواعه الى دوائر الدولة وصولا الى مكاتب الاحزاب الحاكمة ذاتها، مما نتج عنه تغير اساليب الاحزاب في الحياة العامة وتحولت من احزاب شخصانية سياسية الى احزاب نفعية تتقاسم الدوائر والوزارات وباساليب تجارية .وقد انعكس ذلك بدوره على قيام معارضة داخلية في جميع تلك الاحزاب، وحول النقاش فيها من تطوير العمل الحكومي الى نقاش لتطوير العمل الحزبي وأدى ذلك بدوره الى عمليات متوالية في الاستقالات والانقسام، وظهرت كتل جديدة من قيادات قديمة لا تبشر بالتغيير في النهج والمنهج بل في الاشخاص، ولما كانت كل تلك التغييرات لا تمس الاشخاص المتسببين في الفشل، فأن الفشل سينسحب بالضرورة الى الولادات الجديدة، وستظل هذه الاحزاب تتوالد بذات الجينات ما لم تغير في افكارها وتعمل على ادخال قيادات كفوءة من خارج احزابها وان تغادر افكارها المبنية فقط على حب الاخرة والتفكير بان الدول هي للحياة الدنيا.