"سائرون" وتعدد الآراء! / رزاق عبود

تناقلت الانباء ظهور، وتسجيل تحالف انتخابي جديد بعنوان "سائرون" يشترك فيه التيار الصدري، والحزب الشيوعي العراقي كقطبين رئيسيين. ولم تتأخر ردود الفعل على التحالف المعلن بين مؤيد، ومعارض، بين شامت ومتربص، بين معترض ومحتج، بين شاتم، ومهلل... وارتفعت اصوات اتهام بالخيانة، ودعوات لمقاطعة الانتخابات...الخ
مداخلتي هذه ليست ردا على احد، ولا محاولة لمصادرة حق الافراد في ابداء ارائهم الحرة، والخاصة، والجريئة. ولا تتضمن فرض التأييد، اوالتصفيق، اودعم التحالف رغم الرفض، فزمن الوصاية على افكار، وافواه، واقلام، وعقول، واراء الاخرين قد انتهى، وولى بلا رجعه. و"مفيش حد احسن من حد"! وانا لست محاميا للحزب الشيوعي العراقي، ولا مدافعا عن التيار الصدري. فكلا الحزبين لدينا عليهم اراء، وافكار، وملاحظات. لكني اؤمن ايمانا كاملا ان "اهل مكة ادرى بشعابها"، وان مناضلي، وسياسيي، ومتظاهري الداخل هم الاعرف، والاقدر على رسم سياساتهم، واشكال تحالفاتهم، وطرق نضالهم. ولا يمكنني ابدا ان املي عليهم ما يفعلون، فالمتفرج والبعيد مثلي، رغم كل اخلاصه، وصدقه، وحماسه، لايمكنه بل لا يحق له، باعتقادي، ان يفرض على الاخرين طريقة عملهم. لكن هذا لا يسلبه حقه في التعبير عن رأيه سلبا، او ايجابا، خاصة، وأن معظم الاراء لايشك احد في صدقها، واخلاصها. الفرق اننا كنا سابقا نضرب اطفالنا لنعلمهم الادب، والان نناقشهم لنتعلم سوية طرق التربية العصرية. ولاافترض ان "سائرون" اطفال، ولا المنتقدين قساة القلوب.
التحالفات السياسيىة، والاختيارات التاريخية تثير دائما ردود افعال قوية، واحيانا مدمرة. كالانشقاقات مثلا. معظمنا كان مع الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، وبعد ان انفرطت شتمنا كل القادة الذين وقعوا على ميثاقها. ونسينا ان فكرة الجبهة لم تفشل، بل ان الجبهة طعنت، وغدرت، وان الطرف الحكومي خانها، والمؤامرات الاقليمة والدولية نجحت. فرضنا الكفاح المسلح على قيادة كانت مترددة، وبعد الخسائر والنتائج الكارثية حملنا تلك القيادة(التي لا احترم اغلبها) نتائج الخيبة والمرارة. لذا اعتقد انه يجب التأني، والتبصر، وعدم التسرع في الحكم على "التجربة الجديدة"، حتى اذا فشلت فهو امر طبيعي في عالمنا المتغير!
لقد هاجمت البيروقراطية السوفيتيىة سابقا نضالات جيفارا، وتحالف الاحزاب الشيوعية في امريكا اللاتينية مع الجزء الثوري من الكنيسة هناك في مقاومة ومحاربة الانظمة الفاشية. وسبق لستالين ان عاقب الشيوعيين الاسبان بقطع السلاح، والاختطاف، والاغتيال للقادة الشيوعيين الذي حاربوا مع الجبهة الشعبية المناهضة لفرانكو. لقد سمم ستالين جيورجي ديمتروف، واعاده الى بلغاريا جثة هامدة لانه طرح شعار الجبهات الشعبية في اوربا الشرقية، التي حمت بلدانها من الحروب الاهلية.
المقاومة الوطنية في اوربا الغربية ضد النازية شارك فيها الشيوعيون الى جانب الكنيسة. ومثل اخر حديث هو الاسقف مكاريوس، كان المرشح الذي ايده الحزب الشيوعي القبرصي(أكيل) لرئاسة قبرص. وفي العراق فان الشهيد الخالد يوسف سلمان فهد اسس "الخط الحسيني" للاتصال برجال الدين، وكانت الخطب الثورية ضد الاستعمار، والملكية تلقى من على المنابر الحسينية، وعضو المجلس الوطني لانصار السلم في العراق(المدعوم شيوعيا) كان رجل دين هوعبدالكريم الماشطة. وغيرها من الامثلة.
فيما يخص التيار الصدري، فرغم اختلافاتنا الفكرية معهم، لكنه رفض الاحتلال الامريكي، مثل الشيوعيين، بل قاومه ولم يدخل مجلس الحكم، الامر الذي فرحنا به اولا، وايدناه، ثم انتقدناه بعد فشله، فيما يخص مشاركة الحزب الشيوعي فيه. خروج التيار الصدري من التحالف الوطني الطائفي، ورفضه العلني، والصادق للطائفية، والمحاصصة، ونضاله الى جانب متظاهري التحرير ضد الفساد. وحل مؤخرا كتلة الاحرار في مجلس النواب، واختار الدخول مع القوى المدنية بما فيها الحزب الشيوعي في تحالف انتخابي من اجل دولة مدنية، وعدالة اجتماعية. واهم شئ باعتقادي هو ان جماهير التيار الصدري، هي نفس جماهير الحزب الشيوعي العراقي من العمال، والفلاحين، والكسبة، والشغيلة، والمثقفين الثوريين، وسكنة المناطق الشعبية، التي كانت سابقا شبه مغلقة للحزب الشيوعي العراقي. فالتحالف يخدمها ويدافع عن مصالحها، وقد يستطيع تحقيق الكثير من مطالبها، وتلبية حقوقها، ورفع الضيم عنها. بدل ان نعيد اخطاء ستالين الذي منع الاحزاب الشيوعية من التحالف مع احزاب الاشتراكية الديمقراطية ضد هتلر، والنتيجة قبع جماهير الاثنين معا في السجون، والمعتقلات، ومعسكرات العمل.
انا اتفهم جيدا قلق، وخوف، وريبة، وحتى اعتراض الاصدقاء، واشاركهم مشاعرهم، لكن الحزب الشيوعي ليس وحده في التحالف مع الصدريين. هناك قوى مدنية كثيرة تدعمه، وتسانده، وجماهيرغفيرة قد تصوت له.
تحالف "سائرون" يقدم المرأة، ويمنحها دورها الحقيقي، ويعترف بقدراتها. حفل الاعلان عن التحالف الذي شاهدناه من على قناة الرشيد يشير الى الطفرة الكبيرة في النظرة الى المرأة، والاحترام لمكانتها، وتقدير القوى المدنية، والاعتراف بثقلها ودورها. قد تكون المظاهر خداعة، والنوايا غير معروفة، كما يعتقد، او يفكر البعض، وهذا حقهم، لكن السياسة تبنى على الملموس، والمستقبل القريب، او البعيد يحكم على صحتها، اوخطأها. اضافة الى انه تحالف انتخابي قد يتطور، وقد يتعثر. هذه هي السياسة في عهد الديمقراطية، وعدم توفر الاغلبية المصوتة. المهم، بل الاهم، ان التحالف بكل قواه واضح في معاداته، ومحاربته للفساد، والطائفية، والمحاصصة، وطابعه الوطني العام.
وليس هناك خوف من تخلي الحزب الشيوعي العراقي عن مبادئه الايديولوجية في ظل تحالف مدني ديمقراطي شعبي، وهو الذي قدم الاف الشهداء على طريق استقلاله الايديولجي، والتنظيمي، ولم يفرط بهما يوما. ليس مهما مقعد، او مقعدين في البرلمان. وزير، او وزيرين في الحكومة. الاهم برنامج التحالف ذو الطابع الوطني المدني، والمحتوى الاجتماعي له، واهدافه في تمثيل وتلبية مصالح الطبقات الكادحة(المستضعفين)! هذا ما جعله ينال عداء كل التحالفات الاخرى خاصة الاسلامية، وصاروا يعيبون على الصدر تحالفه مع الشيوعيين، والمدنيين "الكفار" وهذا يذكرني بتعليق الشهيد فاضل المهداوي على اذاعة الاهواز زمن الشاه: "يشرفنا ان يشتمنا الشاه العميل"!
هذه تصوراتي السريعة، وبالتاكيد لا يوافق عليها الجميع، لكن التجربة اثبتت وطنيا، واقليميا، وعالميا ان تجميع القوى المضادة للفساد، والتمزيق، ومن اجل التغيير، هو لخير الوطن، والشعب. المخاوف مشروعة هي الاخرى، لكن السياسي، الذي يتحمل مصير بلد، او يحاول التصدي لقيادة بلد لا يمكن ان يظل مقيدا بهواجسه، ومخاوفه.
عذرا لكل من يختلف معي، واتمنى الرد الهادئ، والحوارالمثمر، والنقاش الهادف. وانتم ترون ان هناك محاولة لتأجيل الانتخابات، ومخالفة الدستور، وهذه هي المخاوف الحقيقية عل مصير البلد، والديمقراطية فيه. لذا اتمنى على كل قوى اليسار، والتمدن، والتقدم، والعلمانية دعم التحالف، والتصويت له بدل تششت القوى لصالح اعداء الديمقراطية، والتغيير، والتقدم!