فضاءات

مجداً أيّها الشيوعي الخالد سيد باقي / أحمد رجب

رحل يوم الثلاثاء 25 حزيران 2013 المناضل الشيوعي الباسل سيد باقي محمد طه والد الشهيد الشجاع بايز.

نعم أيها الإنسان الكادح والصديق الرائع الصادق والأخ الوفي الشهم والرفيق الشيوعي النقي غادرتنا ورحلت عنا وتاريخ تعارفنا يقترب من الخمسين عاماً. نعم، إلتقينا لأول مرة يوم جئت إلى مدينتك الحبيبة هه‌ڵه‌بجه‌ (حلبجة) في لقاء مع عمال وكادحي المدينة من رفاقنا الشيوعيين تحضيراً للإنتخابات النقابية، وعلمت بأنكم إنسان كادح ولكم عائلة كبيرة وتملكون دكانا صغيراً واعباء المعيشة كانت صعبة للغاية.
نعم أيها الوطني الغيور والشخصية الشيوعية المعروفة تركتم الدكان مصدر رزقكم اليومي ومحتويات بيتكم وغادرتم إلى مدينة سيد صادق عند الحملة الشرسة على رفاقنا وحزبنا الشيوعي العراقي من قبل قوات الحزب الديموقراطي الكوردستاني فبدأت المشاكل المعيشية تستعصي وتستفحل وكنتم من المطاردين والمختفين، وليس بإمكانكم القيام بمعيشة العائلة الكبيرة، لذا بادر الابن البار والأكبر سيد بايز ببيع الصحف والإنخراط في العمالة والعمل بصفة عامل في المشاريع الإنشائية الاهلية باذلا جهداً كبيراً في التكيف مع مستلزمات العمل والبيئةالإجتماعية ولكن رغم التعب وخسارة الطاقة الشابة عاشت العائلة حياة االفقر والفاقة وقاست من شظف العيش وصعوبته.
بعدما إشتدت الحملة الشرسة على الحزب وكوادره المعروفة إضطرت العوائل الشيوعية ومنها عائلة سيد باقي على مغادرة المدينة متوجهة هذه المرة إلى مدينة دربندخان.
في دربندخان إنخرط ولأول مرة الشاب اليافع سيد بايز في العمل الأنصاري وأصبح پێشمه‌رگه‌ ضمن قوات الحزب الشيوعي العراقي وحقق أمنيته، ودخل في دورة للتضميد، وأمّا سيد باقي اخذ دوره في إدارة مقر الحزب، وكان كما كان أمينا على الصدق والأمانة، وبعد فترة من العمل إستدعاه الحزب للعمل في مقر محلية محافظة السليمانية، وبناء لطلب اللجنة المركزية رفاقاً أمناء لحراسة مقرها في بغداد، تمّ تشخيص سيد بايز ضمن الرفاق الذين ذهبوا إلى بغداد فكان حارساً أميناً ويقظاً طيلة عمله هناك.
في السليمانية إنضم سيد باقي إلى لجنة الإدارة التي تكوّنت من الرفاق: أحمد رجب، دكتور علي وسيد باقي، ومن حسن الحظ تقاسمت الدار التي كنت قد أجرتها من قبل مع سيد باقي، وعاشت عائلتها المتكونة من الرفيقة المناضلة خديجة سعيد والعزیزات الورود المتفتحه‌ ژیان، به‌یان، نیان والشاب الطليعي كاكه آيار مع عائلتي التي تكونت من زوجتي المناضلة خيرية عبدالرحمن وأولادي وبناتي ئارى، ئارام، ئاڤان، ئامانج وئاڵا، وعشنا معا أياماً مرة وقاسية من أزلام النظام البعثي وأجهزته الأمنية والمراقبة الدائمة لتحركاتنا، وتخللتها في فترات ايام حلوة، وبقينا على هذه الحالة حتى تمّ إلقاء القبض على الشيوعي المعروف سيد باقي من قبل مديرية الأمن العامة في محافظة السليمانية ومن قبل الفلسطيني المجرم الملازم محسن، وفي هذه الأجواء المشحونة بالإرهاب والإعتقالات صدر بحقي قرار جائر، واستميحكم عذراً إن قلت من "مجلس قيادة القندرة" المسماة عنوة بالثورة بنقلي من المديرية العامة لتربية محافظة السليمانية إلى الإدارة المحلية في محافظة ميسان وجعل راتبي الاسمي من (36) دينار إلى (18) دينار.
نعم أيّها المناضل سيد باقي إفترقنا، واستطاع نظام صدام حسين الدموي بواسطة جواسيسه من إلقاء القبض عليكم، وإصدار قرار نقلي، وطبقاً لتلك الأعمال الإجرامية تشّتت أمور عائلتينا إذ إختفت الرفيقة خديجة مع افراد العائلة في بيوت الأخوة والمعارف، وأما عائلتي وبمساعدة الناس الطيبين إستطاعت من التوجه إلى الحلة حيث الأقارب والأصدقاء والمعارف.
بعد إلتحاقي بوظيفتي في محافظة ميسان وبعد اسبوع عدت إلى الحلة ومنها إلى السليمانية وبعد الإختفاء لفترة إلتحقت بالرفاق في وادي الأحزاب (توژه‌ڵه‌) وأصبحت نصيراً ضمن أنصار حزبنا الشيوعي العراقي، وتمّ إرسالي إلى قاعدة الانصار في (به‌له‌ بزان).
عندما وصل صدام إلى رأس السلطة في العراق وأصبح رئيساً للجمهورية العراقية عام 1979 وبعد أن قام بحملة هيستيرية لتصفية معارضيه وخصومه من أعوانه في داخل حزب البعث العربي ومنهم محمد عائش، عدنان حسين الحمداني، محمد محجوب، محي عبدالحسين مشهدي، فاضل بدن وغانم عبدالجليل وآخرون، وبعد هذه الحملة أصدر قرارا للعفو عن السجناء والمعتقلين السياسيين، ووفقا لذلك القرار تم إطلاق سراح الشيوعيين ومنهم الرفيق سيد باقي، وبعد فترة وجيزة إلتحق بقوات الحزب في (توژه‌ڵه‌).
في أيلول عام 1979 صدر قرار من الحزب بنقل قوتنا من مقر هه‌زار په‌س إلى ناوزنك وهناك ألتقينا برفاقنا الذين خرجوا من السجن ومن ضمنهم الرفيق كمال شاكر السكرتير الحالي للحزب الشيوعي الكوردستاني والرفيق سيد باقي وآخرين.
مرة أخرى إنضم الرفيق سيد باقي إلى فصيل السليمانية وعشنا فترة أخرى جنباً إلى جنب، وتحدثنا عن الماضي وذكرياته وعن سيد بايز وكيفية خلاصه من جلاوزة البعث وأزلام صدام حسين ووصوله من بغداد إلى كوردستان وإلتحاقه بقوات الأنصار الپێشمه‌رگه‌.
إلتحق آيار الابن الأصغر لسيد باقي في پشتاشان مع إبنته به‌یان فی چه‌مه‌ك و سپیار بقوات حزبنا، وعلى إثر إرسال القوات إلى المناطق القريبة من المدن والقصبات تركنا الرفيق سيد باقي في المواقع الخلفية للراحة ومن ثم مساعدة الرفاق في الإدارة.
بعد معارك پشتاشان وبعد سنوات التقيت مرة أخرى مع الرفيق سيد باقي وعائلته في بساتين احمد آوا حيث كان مقر حزبنا في كه‌ره‌جاڵ وعلى إمتداد جبل سورين في خۆرنه‌وه‌زان وبانی شار و هه‌زار ستون، وعند إنتقال وحدات وأفواج من قوات أنصارنا الپێشمه‌رگه‌ إلی شارباژیر {چه‌مه‌ك و سپیار} التقینا مره‌ اخری" وبقینا معا إلی یوم المصالحه‌ مع الإتحاد الوطنی الكوردستاني، إذ توجهت أنا إلى دۆڵی جافایه‌تی لفتح مقر جديد للحزب في چاڵاوا.
بعد عمليات الأنفال السيئة الصيت وقيام نظام بغداد الدكتاتوري بضرب مدينة حلبجة والقرى ومقرات الحزب بالسلاح الكيمياوي وإنسحاب قواتنا بعد معارك بطولية خاضتها مع قوات الاتحاد الوطني الكوردستاني ضد النظام الدموي، التقيت سيد باقي في مقر الحزب في گوێزی – دۆڵه‌ كۆگا.
عملنا أنا والسيد باقي في الإدارة أكثر من مرة، ونحن نتحدث عن عائلاتنا سمعت خبر إستشهاد النصير الپێشمه‌رگه‌ البطل والشيوعي الجسور سيد بايز سيد باقي مع رفاقه الأبطال من قبل أيادي جبانة سلمت نفسها إلى العدو البعثي، ومما يؤسف له أن البعض من أولئك الجبناء محسوبون لحد الآن ضمن جمعیة{پێشمه‌رگه‌ دێرینه‌كان}- جمعية الانصار القدامى في كوردستان.
لقد عرفت الرفيق سيد باقي مناضلاً باسلاً وشيوعيا جسوراً كرس كل حياته من اجل قضييته السامية الشيوعية وقيمها الانسانية النبيلة التي آمن بها ، ونزولاً عند هذه التضحية الجسيمة حوّل بيته الى ملاذ آمن للعشرات من المناضلين والشيوعيين المختفين عن اعين السلطة، و تعرض جراء ذلك هو وعائلته الى الاضطهاد والتشريد والسجن على أيدي الانظمة الدكتاتورية والشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق.
وأخيراً التقيت مع سيد باقي، كما إلتقت عائلتينا وأولادنا وبناتنا في السويد، وتحدثنا عن أمراضنا المزمنة والخبيثة مرات عديدة، وكانت تتجدد كلما التقينا، ورغم انه تحدى المرض كانت النتيجة عكسية.
كان الفلسطيني الملازم محسن وشلته من عناصر الأمن يراقبون ليل نهار بيتنا {أنا وسید باقی} وكانوا داخل سيارة بيجو، وفي يوم إعتقال الرفيق سيد باقي وبينما يحاولون إدخاله السيارة صرخ المجرم محسن: لزمنا حرامي، لزمنا حرامي (لص) والسيد يصيح بأعلى صوته أنا شيوعي أنا شيوعي أنا مو حرامي، فتصوروا صلابة هذا الرفيق يهتف أنا شيوعي امام جلاديه وجواسيس ورجال أمن ومخابرات صدام حسين.
كنت في كوردستان وسمعت كما قرأت خبراً برحيل هذا الشيوعي الذي هو من الرعيل الاول للشيوعيين العراقيين، ومن الذين سخروا كل ما يملكون واعز ما لديهم لقضية الشعب والوطن، وبرحيله سقط نجم آخر من عالمنا، ولكنه يبقى وسيبقى المثال الذي يُحتذى به كمناضل دؤوب لم يعرف الهوادة في نضاله المستمر والشاق في مقارعة الدكتاتورية والأنظمة الرجعية والشوفينية.
بعد يومين من رحيل الرفيق سيد باقي رحلت العزيزة نيان البنت الصغرى للعائلة إثر مرض
عضال.
المجد والخلود للرفيق الشيوعي الباسل وأبنه الشهيد بايز وريحانته الفقيدة نيان.
الموت للدكتاتورية والأنظمة الشوفينية.

3/8/2013