في ذكرى التأسيس الثانية والثمانين : حميد مجيد موسى: ضرورة استنهاض قوى الشعب الداعمة للاصلاح

مثلما في كل عام ، ومع اطلالة 31 آذار وحلول ذكرى تأسيس حزبنا الشيوعي العراقي، توجهت "طريق الشعب" بمجموعة من الاسئلة الى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق حميد مجيد موسى (ابو داود)، فكان الحوار الاتي :
 ماذا يعني حلول الذكرى الـ 82 للرفيق ابو داود ؟
- تحمل الذكرى الـ 82 الكثير من المعاني المؤطرة باريج النضال الصادق من اجل حقوق الكادحين العراقيين، ومن اجل حرية وسعادة الشعب. فالذكرى مدعاة للفخر والاعتزاز بمسيرة شاقة وطويلة، مليئة بالتضحيات الجسام والنبل الانساني.
في هذه الذكرى نستذكر المناضلين الابطال الذين جادوا بحياتهم، من قادة الحزب واعضائه ومؤازريه، في سبيل مبادئ واهداف الحزب والشعب، وفيها ما يستدعي الانحناء والاكبار لكل من قدم من فكره وجهده وعرقه ومن ماله ووقته، لأجل ديمومة هذا الصرح النضالي المجيد.
وما يستدعي التوقف هنا هو التجربة الغنية التي اثمرتها مسيرة الحزب، والدروس التي استقيناها في معمعة الكفاح ضد الاعتداءات الاجرامية والعداء الطبقي المستحكم، الخارجي والداخلي، الذي استهدف كيان الحزب ومناضليه. فقد وفرت خلاصات ودروس التجربة معرفة نظرية وعملية، ستبقى مرشداً صادقاً للحزب ومناضليه ولجماهير شعبنا، في سعيهم لبناء عراق جديد، مدني ديمقراطي مزدهر ومستقل ذي سيادة، تتحقق فيه الحرية لعموم ابناء شعبنا، والعدالة الاجتماعية والتقدم والتنمية المستدامة.
الوطن في لحظات تاريخية حرجة
 بعد 82 سنة من العطاء المتواصل والتضحيات، اين يقف الحزب الان ؟
 الحزب يواصل بكل مسؤولية مسيرته، واضعا نصب عينيه مصالح الشعب والكادحين، وهو والوطن والشعب في منعطف خطير، وفي ظروف غاية في التعقيد. فجملة الرزايا والكوارث والاحداث الدامية التي دفع الوطن والشعب ثمنها، والتي كانت من نتاج الدكتاتورية والاستبداد والحروب والحصار، ثم معاناة آثار الاحتلال ومنتجاته التي ارهقت استقلال البلد واقتصاده والمجتمع، والتدخلات الخارجية الدولية والاقليمية التي استباحت كرامة العراق وسيادته، وما افرزه منهج ونظام المحاصصة الطائفية – الاثنية الذي جرى اعتماده كتوجه اساس في هيكلة وبناء الدولة العراقية، وما ترتب على ذلك من تشويه لمعالم الديمقراطية الوليدة، وتحفيز ورعاية لابشع اشكال الفساد، فضلا عن نمط التفكير المتخلف وسوء الادارة والتضييق على الحريات واضعاف الوحدة الوطنية .. هذا كله جعل العراق في لحظات تاريخية حرجة، ووضع مصيره في مواجهة المجهول، وفتح الباب واسعاً امام الكثير من الخيارات الشريرة التي تضعف الوطن، وتدفع الى تمزيقه وبعثرة طاقاته وتفكيك اركانه واغراقه في دوامة من الحروب والدمار والخراب.
نحن اذن في لحظة عصيبة، من مفارقاتها ان داعش تمكنت من احتلال اجزاء عزيزة من ارض الوطن، وان الفاسدين افلحوا في نهب الاعز من ثروات الوطن، وان الفوضى ضربت اطنابها في ارجائه ومفاصله. وهذا كله يستدعي ما لا حدود له من التفكير والجهد والاستعداد للتضحية، لمنع انزلاق الوطن ومصائر الشعب الى المجهول، بجانب السعي الى وضع المسيرة على طريق التقدم والنجاح. ويتطلب ذلك قبل كل شيء استنهاض كل ما هو اصيل ونبيل في قيم وتراث وامجاد شعبنا، لمواجهة التحدي الماثل امامنا وقطع الطريق على غايات شراذم الشر ومراكز الخبث والردة.
الشعب قادر على اجتراح المآ ثر
ان شعبنا يملك الكثير، فإن احسنا تجميع القوى وتوحيد الجهود وتنظيم الطاقات، وشكلنا الجبهة الواسعة التي تتوفر عناصرها الموضوعية، واطلقنا قدرات الجماهير، فعندئذ نستطيع ان نحقق مطامح شعبنا واهدافه المشروعة. ولنا في ما تقدمه جماهير شعبنا من عطاء رائع، يتجلي في الحراك الجماهيري واسع النطاق، ووطني الابعاد، ومتنوع التشكيل، ما يثبت قدرة العراقيين على اجتراح المآثر واعتماد الوسائل الفعالة لتحقيق الانعطاف الضروري في مسيرة الاحداث لصالح ترسيخ الدمقراطية وقيمها، واطلاق عملية الاعمار، وتأمين حياة حرة سعيدة ولائقة للعراقيين، وبناء منظومة سياسية معافاة تعتمد المواطنة والمساوة بين ابناء الشعب جميعاً.
الشيوعيون يسعون الى المشتركات
في هذا المشهد بعمومه يساهم الشيوعيون بنكران ذات في استلهام كامل تجربة الحزب الثرة وخبرة دروسه النضالية، كي يدخلوا عنصر الوعي والوضوح والتنظيم في حركة الجماهير العفوية الواسعة. وهم يدركون انه من دون ستراتيجية علمية متكاملة وواضحة، ومن دون جهد نضالي نزيه ومتفانٍ وغير موسمي، ومن دون قيادة جماعية مشتركة ممثلة لجميع اصحاب المصلحة الحقيقيين في التغيير والاصلاح، لا يمكن قيادة النضال وحركة الجماهير نحو مبتغاها الحقيقي. ومعلوم ان الشيوعيين يقرنون كلامهم بالافعال والممارسة العملية، وهذا يتمثل في الحضور الفعال في سوح النشاط الجماهيري المتنوعة، بتواضع ورغبة صادقة في التعاون ومشاركة القوى الاخرى، متجنبين احتكار العمل السياسي، وساعين الى كل ما هو مشترك وموحد للجهود والطاقات، ومشددين على سلمية التظاهر، وعلى انضباط الفعاليات الجماهيرية بما يجنبها مؤامرات واستفزازات القوى المناهضة للاصلاح.
نواجه تحديات القوى المعادية التقليدية والمتضررين من الاصلاح
 هل يوافق الرفيق ابو داود على ان بلادنا في مفترق طرق وفي لحظة حاسمة ومصيرية ؟
 نعم، هي كذلك. ففي اللحظة الراهنة والشعب ينهض بجماهيره المليونية لمقارعة الفساد والمفدسين، ويطالب بالاصلاح دعماً وتطويراً لامكانيات البلد في مواجهة الارهاب والارهابيين، ولتحقيق النصر على داعش، فهو يواجه تحديات خطيرة، وعراقيل كبيرة يضعها ليس فقط اعداء العملية السياسية الديمقراطية التقليديين، من ارهابيين وانصار للنظام السابق وحلفائهم، وهم يرومون العودة بالبلاد القهقرى الى ازمان الظلمات وعهود الاستبداد والدكتاتورية، وانما نواجه ايضاً مقاومة ودسائس وتخريب وعراقيل قوى محسوبة على العملية السياسية، ومن داخلها، ممن تضررت مصالحهم ويخشون على مستقبلهم من تعمق مسيرة الاصلاح ورسوخ نهجه وممارسته الفعلية. وهذه المقاومة لا تقل عن الاولى، فهم يملكون مواقع مؤثرة للاعاقة والتخريب. يملكون المريدين والمنتفعين في اجهزة الدولة البيروقراطية، وفي مؤسساتها المختلفة. ويملكون المال الوفير بفضل السحت الحرام والنهب المنظم لميزانية الدولة لمدد طويلة، ويملكون الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى المتنوعة، للتأثير السلبي على الحراك الجماهيري وعلى اتجاهات الرأي العام، ولشن الحرب النفسية وتسقيط مناصري الاصلاح والاصلاحيين الحقيقيين. كما يملكون حلفاء من المافيات وعصابات الجريمة المنظمة وتجار الرذيلة والغش، ومن تورطوا باعمال التهريب والوساطات غير المشروعة وغسيل الاموال.
كل ذلك يستلزم استنفاراً واستنهاضا كاملا لقوى الشعب المساندة للاصلاح، وبضمنها قوى الشيوعيين، وتفعيل وتطوير دورهم ومساهمتهم المنتظمة في التصدي لمشاريع اعداء التغيير والاصلاح.
تشتت وتنافس الاصلاحيين خسارة للجميع
 هل هناك مخاوف من انزلاق الاوضاع الى العنف؟
 نحن نسعى بقناعة واصرار واعيين الى إبقاء حراكنا الجماهيري سلمياً، شرعياً، بعيدا عن كل ما يعطي المعادين لعملية الاصلاح الفرصة لتبرير سلوكهم الشائن. ومن منطلق المسؤولية الوطنية والانسانية، كان علينا ان نعزز ونرسخ التنظيم في ادارة هذا الحراك، وشل كل امكانيات التصرف غير المنضبط او الاستجابة لاستفزازات اعداء الاصلاح والحركة الجماهيرية.
لهذا ندعو الى توحيد الجهود ووضع الاطار المناسب الفعال للمشاركة الجماعية للقوى المنخرطة في التحركات الجماهيرية، وتجسيد ذلك في قيادة جماعية واحدة. فالتشتت والتنافس والتباين يسبب خسارة للجميع ونصراً مجانياً لمناهضي الاصلاح واعداء الديمقراطية والشعب.
مساعي عرقلة الاصلاح عقيمة
 يراهن الحزب على تحقيق الاصلاح عبر الضغط الجماهيري، فهل تحرك قطار الاصلاح ؟
 نعم، هناك الآن اجواء منعشة، رياح شديدة، وقوة ضغط جبارة، تدفع الجميع لاتخاذ خطوات في اتجاه التلاقي على الاصلاح.
الحراك الجماهيري اجبر المترددين والمتلكئين على التحرك، والمتمنعين على التفاعل، والمعادين على التراجع. فزخم الحراك الجماهيري وخصوصاً في اسابيعه الاخيرة، نقل المشهد السياسي القائم الى حالة جديدة لا يمكن الخروج منها بلا شيء. فالرفض المطلق لارادة الجماهير سيكون كارثة على الرافضين وعلى البلد. لا طريق ولا سبيل للاستقرار وعودة الاوضاع الطبيعية ووضع البلد على سكة الديمقراطية الحقة، الا بالاستجابة الى مطالب ملايين العراقيين الطامحة للاصلاح ومكافحة الفساد، وان كل تحجج بذرائع شكلية مفتعلة وتفسيرات عقيمة للقانون والدستور بهدف عرقلة الاصلاح، هو مسعى عقيم وعبثي.
التغيير والاصلاح ضرورة مطلقة
ماذا يعني الاصلاح للحزب الشيوعي العراقي ؟
الحزب الشيوعي العراقي يرى ان النهج الذي اعتمد منذ 2003 حتى الآن في بناء الدولة والحكم، هو نهج خاطيء، لم يسفر الا عن فوضى وتشويه للديمقراطية وتضييق على الحريات العامة وضياع فرص كبيرة للاعمار والتنمية وانهيارات امنية كبيرة وسوء ادارة تجلت في نواح عدة، ومنها ما نعانيه من مأساة اقتصادية ومن شح الخدمات البلدية والتعليمية والصحية وغيرها، واستشراء الفساد في مفاصل ومستويات لم يعهدها العراق سابقاً. هذا الفشل والعجز هو في اساس ما يعانيه البلد من ازمة مستعصية متنوعة الاوجه، واسعة الابعاد. ومن هنا فان التغيير والاصلاح يغدو ضرورة مطلقة لا غنى عنها، بل وحاجة ملحة وآنية غير قابلة للتأجيل، انقاذا للوطن مما هو فيه من مأساة ومأزق.
نحن نفهم الاصلاح ليس باعتباره اجراءات جزئية مبتسرة، سطحية، ترقيعية، لا يجمعها خط واحد، ومتناثرة قابلة للصد والهزيمة في اية لحظة. وانما نفهمه باعتباره منهجاً متكاملاً واستراتيجية شاملة، تشمل جميع اوجه الحياة، وتنطلق من ارادة صادقة لتلافي ومعالجة كل الاسباب التي اوصلت البلد الى ما نحن عليه اليوم. ولذلك نريده ان يشمل السياسة والامن والعسكر والاقتصاد والحياة الاجتماعية بتفرعاتها وبخدماتها، ويشمل الثقافة ايضاً. وان توضع لهذا الغرض آليات قابلة للتحقيق بوتيرة سريعة تعطى للزمن حقه، وبضوابط ومستلزمات انجاز كفوءة، وببرامج واوقات محددة تفهم الاولويات وتدرّجها . كذلك تسهيل عملية التنفيذ وتحقيق المطالب والاستجابة للحقوق.
نقطة الشروع تشكيل حكومة كفاءات بمعايير سليمة
واليوم ونحن نتابع هذا الموضوع بالملموس، فان نقطة الشروع التي تترجم القناعة بالتخلي عن نظام المحاصصة، هي التوجه الى تشكيل حكومة جديدة تعتمد معايير سليمة، والبدء بوضع برنامج لها وفقا لما تقدم، واختيار طاقم وزاري على اساس الكفاءة والمهنية والنزاهة والمقدرة الادارية، لتوظيف الامكانيات المادية والبشرية المتاحة للوزارات، لما فيه مصلحة الشعب وتقدم البلد. طاقم مؤمن بالعملية السياسية الديمقراطية ومخلص للوطن، يستبعد منه من ثبت فشله في التجربة السابقة، وعلى ان لا يبقى التغيير محصوراً في تشكيل الوزارة الجديدة، بل ينبغي ان يمتد ليشمل الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة في مؤسسات الدولة، بجانب اعادة النظر في هياكلها وكفاءة طواقمها اعتمادا على ذات الاسس التي سيتم اختيار الوزراء في ضوئها. وان تفعّل كل الاجراءات والمؤسسات، وفي مقدمتها مؤسسات القضاء والنزاهة، مع تخليصها من العناصر الفاسدة والمرتشية، من اجل ملاحقة جرائم الفساد والفاسدين واعادة الاموال المنهوبة الى خزينة الدولة. كذلك تنشيط وتفعيل دور السلطة التشريعية في انجاز كل ما يعزز قيم الاصلاح، بالانتهاء من تشريع القوانين المتأخرة والمتعطلة ذات الصلة بالموضوع.
كل ذلك من شأنه ان يفتح الطريق واسعاً لمعالجة المشاكل التي تحظى بالاولوية وتنسجم مع وجهة التخفيف من معاناة الجماهير، والسير حثيثاً لبناء الحكم الرشيد والتقدم بخطوات راسخة لانجاز الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتخليص الاقتصاد العراقي من طابعه الريعي والتأسيس لتطورالانتاج الوطني، في الزراعة والصناعة والخدمات الانتاجية، وبما يحفظ للبلد موارده وثرواته من التبذير والتبديد والاستيراد العبثي، ومن نهج الليبرالية المنفلتة التي تشد بلدنا بقيود التبعية في اطار قسمة العمل الدولية. الى جانب فتح آفاق نهوض العراق وتطوره وتطلعه الحضاري، ليلحق بالركب العالمي وما انجزه من تقدم علمي – تكنولوجي، ومن روح حداثة وعصرنة.
 المطلوب اذن هو الاصلاح الشامل وليس حصر الموضوع بحكومة التكنوقراط؟
 نعم، نحن كما اسلفت نفهم التغيير الوزاري بالمواصفات التي سردنا معالمها بعيداً عن اشكالية مفهوم التكنوقراط وتشعباته المتباينة، خصوصاً وان البعض يريد ان يضع مفهوم التكنوقراط في تناقض مع ضرورة توفر التوجهات السياسية الديمقراطية السليمة.
فنحن نفهم ان كل حكم وكل حكومة ومهماتها، هي سياسة. ويجب التمييز بين هذا وبين بعض الممارسات القاصرة التي تفرض على السياسة مواقف حزبية ضيقة، تعبر عن لون فكري او سياسي او كتلوي او حزبي ضيق واحد، يحتكر العملية ويتجاهل رأي الآخرين. هذا مرفوض وهذا هو ما عانى منه العراق سنوات طويلة. الحكم والحكام وهم يمارسون السياسة، ويستعينون بدولة المؤسسات والتكنوقراط، يجب ان يأخذوا بنظر الاعتبار مصالح عموم الشعب وحاجات العراق الملحة، بما يحفظ كيان الوطن ويطور اقتصاده وامكانياته المادية والبشرية وثقافته.
العمل الحزبي ليس عارا
 نفهم من الحديث اعلاه ان لا مانع من اشتراك منتمين لاحزاب وكتل في الحكومة؟
 نحن قطعاً لا نعارض ذلك اذا اعتمدت الاسس اعلاه. فالعمل الحزبي والنشاط السياسي ليس نقيصة او عارا. ومن يمارسه يقع في المحظور، حين يستغل الوظيفة العامة لخدمة مصالح حزبية ضيقة. والا فهو مواطن له الحق في ان يشارك بجدارة في خدمة البلد والشعب.
 أليس في هذا نوع من المحاصصة؟
 ابتداء اشرتُ كنقطة انطلاق وتأسيس الى تشكيل حكومة بعيدة عن نهج المحاصصة. نحن نتحدث عن الاحزاب والمنظمات باعتبارها كيانات سياسية فاعلة في المجتمع، فهل يمكن الحديث عن الديمقراطية من دون الاحزاب، ومن دون حرية العمل السياسية، ومن دون التنظيم ؟ يجب ان لا نضع انفسنا في تناقض ومفارقات تثير الشكوك والتساؤلات، حول مشروعية ما نستهدف القيام به ومعقولية ما ينبغي انجازه. نحن نسعى لتخليص الديمقراطية والحرية الحزبية من الشوائب التي علقت بها، وبالذات من الطائفية السياسية والتعصب والتخلف والاحتكار، وليس التخلص من الديمقراطية والحرية. وكما ان الترشح الى مناصب الدولة حق للحزبيين، فهو قبل هذا حق لكل المواطنين العراقيين من دون تمييز، لا على اساس العرق، ولا الدين او الطائفة. انه حق لكل من تتوفر فيه الشروط المعتمدة .
الاولوية لمحاربة الارهاب وبناء الديمقراطية وفحص تجربة الفيدرالية
 كان حزبنا اول من رفع شعار حق تقرير المصير للشعب الكردي، كيف ترون تطبيق هذا الحق في ظرفنا الملموس؟
 كان حزبنا ولا يزال وسيبقى مؤمناً بحق تقرير المصير للشعب الكردي ولكل الشعوب. وقد سعى في كل الظروف الى تجسيد هذا الشعار العام في تجليات خاصة، تنسجم مع الواقع السياسي القائم وظروف المجتمع، وما يحيط به من تطورات وتفاعلات خارجية، وما يرتبط بكل هذا وذاك من توازنات قوى على الارض العراقية. لذلك نرى ان حزبنا وهو يسعى الى احترام ارادة الشعب الكردي وطموحه المشروع، قام بصياغة مواقف وشعارات محددة تتجسد اولاً في ضرورة تلبية الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، وفي الحكم الذاتي، ثم في شعار الحكم الذاتي الحقيقي وصولاً الى الفيدرالية، حتى استقر الشعار عند الفيدرالية لاقليم كردستان، الذي ثبتته قوى المعارضة العراقية في برامجها ومواثيقها قبل التغيير وسقوط الدكتاتورية، واستقر الامر بعد التغيير في قانون ادارة الدولة اولا وفي الدستور بعد ذلك لاحقا.
الفيدرالية هي منظومة ادارية جديدة، وعلاقة بين قوميتين رئيسيتين وقوميات اخرى، لم يشهد لها العراق مثيلاً في السابق. وبالتالي فان ممارستها على الوجه الامثل وبناء مؤسساتها وتحديد آليات علاقات السلطة الاتحادية بالفيدرالية، بما يعنيه ذلك من صلاحيات وحقوق وواجبات، تنطوي على الكثير من الجديد واحتمالات التباين في الادارة والاقتصاد، وفي التفسير وطرائق العمل والمصالح وحتى حدود الاقليم التي نصت عليها المادة 140. وقد سعينا مبكراً الى اقناع جميع الاطراف بان التجربة بتعقدها وحداثتها وبما تواجهه من تحديات خارجية وداخلية، في حاجة الى حوار مستديم بناء لتسوية المشاكل والخلافات، ولاتقاء تأثيرات عناصر الشر الشوفينية والعنصرية وتخريبات القوى الخارجية، التي لا تسرها رؤية العراق مستقراً آمناً ديمقراطياً، موحداً على اساس من احترام التعددية والتنوع. فذلك أمر يضيرها لاعتبارات مختلفة، لكن للاسف هذه الرغبة وهذا المسعى، الذي بذله ويبذله حزبنا ويدعو كل القوى الديمقراطية والمدنية والوطنية العراقية لتعزيزه وتوفير الحل السلمي الديمقراطي للاشكاليات، اصطدم ويصطدم بمن استمرؤوا تغليب مصالحهم الخاصة التي افرزها نظام المحاصصة سيء الصيت. ولقد تعقد المشهد وبدلا من الحوارات الهادئة وترسيخ المفاهيم الديمقراطية واحترام ارادة الشعب ساد التوتر والجفاء والتشنج في العلاقات، وانقطعت اواصر التواصل المنتظم لدراسة المشاكل التي تراكمت ولحل المعضلات التي ظهرت. وقد ألحق كل ذلك ضرراً باستقرار البلد ووحدة القوى وجهودها، ووصلت الامور الى حد ايقاف الرواتب، وعدم تنفيذ الاتفاقيات، وغير ذلك من الاجراءات العقيمة التي لا تساعد على تسوية المشاكل بما يخدم البلد وتطوره. وزاد الطين بلة ما حصل مؤخراً من تمكن داعش وتزايد خطرها على المواطنين في كل مكان، وما ارتبط بذلك من موجات نزوح مليونية، تجلى ثقلها الاساس في الاقليم. وترافق كل ذلك مع انخفاض موارد الحكومة بعد هبوط اسعار النفط واجراءات التقشف وتدهور موارد خزينة الدولة وغيره.
ان الظروف الحالية بمجملها تستدعي من الجميع وخصوصاً من الحكومتين الاتحادية وحكومة الاقليم، نهجاً جديداً في العلاقة ينطلق من اولوية التركيز وتنسيق الجهد لمحاربة الارهاب ودحر داعش. وثانيا تفعيل اواصر الصلة والحوار ليس فقط في اطار التنسيق والتعاون العسكري والنفطي، وتخليصه من التعثر والانتكاسات المستمرة، وانما فتح الباب واسعاً للمساهمة في عملية الاصلاح واعادة بناء المنظومة السياسية العراقية، بما يرسخ الديمقراطية ومؤسساتها وقيمها التي هي مستلزم اساس لتنظيم العلاقات القوية لمصلحة الشعبين العربي والكردي.
ان اي تفكير باعتماد الصيغ التي تيسر تحقيق حقوق الشعب الكردي القومية بعيداً عن تشكيل وضع ديمقراطي سليم في عموم العراق، سيضع القضية في متاهات لا يمكن التكهن بنتائجها. لذلك فان الاولوية في الوقت الراهن، حسب رأينا، تكمن في التركيز على محاربة الارهاب وبناء الديمقراطية ومؤسساتها وتنشيط الحوار، وذلك هو الطريق الامثل لفحص تجربة الفيدرالية وتطويرها، بما ينسجم مع مصالح الشعب الكردي وعموم اطياف الشعب العراقي.