مقتطفات.. من البلاغ الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في 12 آذار 2016

الحراك والتغيير
انطلقت التظاهرات الحاشدة في تموز 2015 لترتقي بالنشاطات الاحتجاجية المتنوعة التي اخذت تظهر وتتنامى مع بداية الولاية الثانية للمالكي عام 2011 وعبرت عنها تظاهرات 25 شباط 2011، فتبلغ مستوى نوعيا جديدا من حيث المضامين والمطالب والسعة وتتحول إلى حراك شعبي يشمل معظم محافظات العراق ويتواصل دون انقطاع منذ أكثر من سبعة شهور.
ويأتي هذا الحراك المتواصل بفعالياته الاحتجاجية المتنوعة، التي تشارك فيها قطاعات اجتماعية متزايدة تطحنها مصاعب الحياة وتدهور ظروف المعيشة وتردي الأوضاع الأمنية، ردا على تعمق أزمات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واشتداد وطأتها، واستعصاء حلها في اطار نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، ودفعها البلاد الى مواجهة احتمالات تطور بالغة الخطورة.
وطيلة الفترة الماضية وبموازاة الحراك الجماهيري، صعّدت المرجعية العليا خطابها الانتقادي للأداء الحكومي وللسياسيين المتنفذين، وشددت مطالبتها الحكومة ورئيسها باتخاذ اجراءات حازمة ضد الفساد والفاسدين، وبالمضي قدما في اجراء الاصلاحات، وساندت بصورة غير مباشرة المتظاهرين. الا انها وبفعل ضعف التجاوب مع دعواتها من جانب المسؤولين، وتجنبا لمزيد من التدخل في الشأن السياسي، وبتأثير عوامل اخرى، اوقفت التعبير عن آرائها دوريا في خطب الجمعة، وهو ما اعتبر مؤشرا على عدم رضاها بل وامتعاضها من الاداء الحكومي ومن موقف الاطراف الحاكمة الرافضة للاصلاح.
وقد برزت عند ذاك افكار تدعو إلى ايقاف التظاهر مؤقتا، ثم استئنافه في موعد لاحق وبتحشيد أفضل، فيما دعت أخرى إلى اعتماد اشكال أخرى من الاحتجاجات غير الناضجة. إلاّ أن حزبنا نبه إلى مواضع الخطر والخطأ في هذه الطروحات، ودعا في المقابل إلى مواصلة الحراك، بما في ذلك الاحتجاج الأسبوعي ايام الجمع في ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات، مشددا على السعي الى توسيع قاعدة الحراك جماهيريا وجغرافيا، ومده إلى مراكز المدن والأحياء الكبرى فيها والى الأقضية والنواحي، وتطويره قطاعيا بحيث يحقق الربط والتفاعل مع الاحتجاجات التي تقوم بها فئات وقطاعات أجتماعية ومهنية مختلفة. ومن ذلك على سبيل المثال: احتجاجات العاملين ذوي العقود المؤقتة الذين الغيت عقودهم، والأطباء وذوى المهن الطبية، وطلبة المعاهد والكليات الذين تتزايد الاحتجاجات في صفوفهم، والفلاحين المطالبين بتسديد اثمان محاصيلهم وحماية منتوجهم الزراعي، وغيرهم من الشرائح والفئات.
وقد استند الحزب في موقفه هذا على تحليل اتجاهات تطور الأوضاع، حيث تدل المؤشرات وفي مقدمتها اشتداد الأزمة الأقتصادية والمالية وتداعيات الاجراءات التقشفية، على الازدياد المضطرد لوطأة المصاعب المعيشية، خصوصا بالنسبة للكادحين وذوي الدخل المحدود والشرائح والفئات الوسطى في المجتمع، ما يثير تذمرا متزايدا لا بد وأن يجد تعبيره في اشكال مختلفة من الاحتجاج. ومن ناحية أخرى، فإن جمهور المشاركين في الحراك الذين اوقفوا المشاركة، لم يغيروا مواقفهم بشأن أسباب الحراك واهدافه، وبالتالي فهم مرشحون لاستئناف مشاركتهم في حال ظهور اي مستجد يعيد لهم الأمل والثقة بجدوى التظاهر.
وتكشف التطورات الأخيرة، ومشاركة جماهير واسعة في التظاهر، ونزول الصدريين بكثافة إلى ميادينه، خاصة في بغداد، وبشعارات ومطالب قريبة مما يدعو له الحراك المدني، وبتواصل وتنسيق في ما بينهما، سلامة الوجهة التي تبناها الحزب لجهة التشديد على سلمية التظاهر، ورفع الشعارات الوطنية العامة، ومواصلة الحراك والضغط، وتأكيد الحاجة الى الاصلاح و التغيير.
وفي خضم هذه التطورات، وتصاعد زخم الحراك الشعبي وتوسع صفوفه، جاء الحراك الطلابي الواسع الذي شمل جامعات ومحافظات عديدة، رافعا العديد من المطالب الطلابية والمهنية المشروعة، وداعيا الى اصلاح العملية التربوية والتعليمية ومؤسساتها، واسناد المسؤولية فيها الى الاكفاء والمتخصصين والنزيهين. وقد حظي هذا الحراك بدعم واسناد كبيرين، وهو يشكل نقلة هامة في واقع ونشاط الحركة الطلابية، وتماهي مطالبها مع المطالب الشعبية العامة. كما برزت بجلاء اهمية عنصر التنظيم في هذا الحراك وقيادته وبلورة شعاراته وتنسيق فعالياته.
إن حزبنا لم يكف في تحليلاته ومواقفه المعلنة في السنوات الماضية، عن تأكيد ان الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، باعتباره منبع الأزمات، لن يتحقق إلاّ عبر تغيير موازين القوى السياسية في البلاد والمجتمع، وأن الاصلاح الحقيقي، وهو المدخل لاجراء التغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن أن يتم من دون ممارسة ضغط شعبي متصاعد.
التغيير الحكومي
تصدر جدول الاعمال في الاسابيع الأخيرة موضوع إجراء تغيير حكومي يؤمن تأليف حكومة منسجمة تعمل على تنفيذ الاصلاحات، ويتم تشكيلها من مستقلين اكفاء ونزيهين واخصائيين (تكنوقراط)، ومن دون ان يخضع ذلك الى آليات المحاصصة المعهودة. ويبدو ان لرئيس الوزراء وللكتل المختلفة لجانا خاصة بهم، شأن اللجنة التي اعلن التيار الصدري عن تشكيلها، تقوم باقتراح مرشحين للحكومة المرتقبة. واعلن رئيس الوزراء اخيرا عن اوراق ذات صلة بما ينوي القيام به من اصلاحات ومن تغيير وزاري " جوهري ".
وفي اثناء ذلك يدور صراع شديد بين القوى المتنفذة، حول طبيعة التغيير ومدياته وسبل احتفاظ كل طرف بحصته وامتيازاته. ويجري هذا الصراع في ظل معطيات جديدة، منها استمرار الحراك الشعبي ومطالباته بانهاء نظام المحاصصة، وضرب الفساد والمفسدين، وتحقيق الاصلاح السياسي باعتماد نهج المواطنة في بناء الدولة، بما يضمن تولي ذوي الكفاءة والنزاهة مواقع المسؤولية وإجراء الاصلاحات في القضاء واعتماد سياسات اقتصادية تدعم الصناعة والزراعة والخدمات الانتاجية من اجل تغيير البنية الريعية لاقتصادنا الوطني. ويلعب دورا مهما كذلك الضغط الكبير الذي يمارسه الحراك الجماهيري، وما يطرحه من مطالب تدعو الى اصلاحات عميقة تتجاوب مع مصالح فئات وشرائح مجتمعية واسعة. ويقترن ذلك كله بتعمق الاختلافات والخلافات داخل الكتل المتنفذة جميعا، على خلفية غضب شعبي متصاعد، ومقاومة متعددة الاشكال لعملية الاصلاح.
ويسعى حزبنا من خلال دوره الفاعل في الحراك الشعبي ونشاطاته الجماهيرية وعلاقاته مع الأحزاب والقوى الأخرى، إلى مراكمة العناصر الموحدة للعمل الميداني السلمي المشترك، وحشد متطلبات بناء اوسع اصطفاف ممكن للقوى المساندة للأصلاح والتغيير، مشددا على الاسس المبدئية في بناء علاقات التعاون والتنسيق مع الاطراف الأخرى، وفي مقدمتها احترام الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي لكل حزب وطرف، واعتماد الاساليب السلمية والاصلاح الجذري وصولا الى التغيير، والنأي عن الطروحات والمواقف الداعية إلى تعطيل الدستور والغاء البرلمان واقامة حكومة طواريء، نظرا الى ما تمثله من تهديد للحريات ولعملية التحول الديمقراطي في البلاد.