همنغواي كيلهورن, فلم من إنتاج 2012 من إخراج فيليب كاوفمان, وتمثيل كل من الممثل الأسمر الجذاب كلايف أوين بدور الروائي الكبير والصحافي أرنست همنغواي أو البابا حسب ما كان يلقبه أصدقاؤه في ذلك الوقت نظرا لمحبتهم واحترامهم لشخصه. الممثل كلايف غالبا ما يظهر في أدواره الوطنية المساندة للفقراء والجياع. الممثلة الاسترالية الشقراء الشديدة الجاذبية نيكول كيدمان بدور الصحافية الأمريكية مارتا كيلهورن, الصادمة في جمالها وعنفوانها وطاقتها.
الممثل كلايف أوين قبل تمثيله الدور ذهب بنفسه إلى كوبا ليتعرف على المنزل الخاص لـ همنغواي. يقول كلايف بأنه وجد آلة الطباعة نفسها لا تزال هناك التي كان يعمل عليها همنغواي في أسبانيا, وماتزال هناك ملابسه , والكثير من أشيائه التي ظلت تذكّر الأجيال بهذا الكاتب العظيم, الكاتب الذي أشتهر على نطاق واسع بين أمريكا وباريس وهافانا واسبانيا .
وفي لقاء مع الممثلة نيكول كيدمان قالت بأنها كانت سعيدة في عملها هذا الذي أهدته إلى الصحافية الأمريكية ماري كولفن التي قتلت في سوريا في عام 2012 , لأن هناك تشابهاً بينها وبين الصحافية مارتا كيلهورن زوجة همنغواي.
الفلم يتناول حياة الكاتب الروائي الكبير همنغواي , في الحقبة الزمنية التي عاشها وزوجته الثالثة الجميلة "مارثا كيلهورن", والتي كانت السبب في طلاقه من زوجته الثانية الكاثوليكية المتعصبة للمسيحية والمحافظة في هذه الأصول , بينما همنغواي كان متحررا منفلتا.
صحافة, حرب, حب, هذه هي حياة همنغواي , في هذا الفلم الذي استمر لأكثر من ساعتين. بعض المشاهد الحقيقية قد أضافها المخرج وباللون الرمادي لمشاهد الحرب التي أضفت على الفلم الكثير من الواقعية الساحرة. كيلهورن الصحافية تأتي باحثة عن همنغواي فتلتقيه في جزيرة كي ويست في بار صغير لصيادي الاسماك , حيث كان همنغواي صيادا بارعا وشجاعا وصبورا ومتحديا في تعامله مع البحر والتي أثمرت في نتاجه الأدبي الشهير "الشيخ والبحر" . في هذا البار الصغير تلتقي العيون التي تضمر الحب من أول نظرة لهما , يتبادلان الحديث وسط إندهاش الصيادين من كانوا في البار, للجمال الصارخ لهذه الأنثى القادمة لرؤيا همنغواي , يتفقان على الرحيل الى أسبانيا للعمل كصحافيين أمريكيين لتغطية الأحداث من هناك, حيث الحرب الأهلية في زمن الدكتاتور الطاغية فرانكو. هناك وفي أسبانيا يمارسان أجمل أيام حياتهم , بما فيها عقد قرانهم, دمار الحرب ووقع القنابل المدوّية , وآلام الحب, والخصام, وشيطنات همنغواي , وسكره. فيلم فيه الكثير من المشاهد العاطفية المثيرة التي تعبر عن الحب الصارخ بين الزوجين, الذي صوره لنا الفلم في أعلى درجات غليانه وحرارته.
في أسبانيا يتعرفان على المصور الاسباني الحربي روبرت كايا, والكاتب جون باسوس الذي يكون على خلاف كبير مع الكاتب أرنست همنغواي فيما بعد. وهناك يشتركان هو وزوجته مارتا كيلهورن في نار الحرب الأهلية والقصف, حتى أنهم مرة انضموا الى صفوف المقاومة ضد فرانكوا, نظرا لقسوة الممارسات التي كان يمارسها فرانكو ضد الشعب الاسباني.
همنغواي يعمل بشكل مستمر وبجهد كبير وأحيانا تذهب زوجته الى النوم وهو يظل يعمل حتى الصباح على آلة الطباعة وبشكلٍ غريب حيث أنه يعمل واقفا على هذه الآلة وهذه الحالة هي غير مسبوقة , فعادة ًالمرء يعمل على آلة الطباعة وهو جالس مسترخيا. يعمل دون تعب ولا كلل. ذات مرةٍ يلتفت إلى زوجته ويقول, هكذا يجب أن تنزفي على الورق في سبيل إيصال كلمة الثوار, ونقل أخبار الحرب والكتابة الروائية . ظلّ ينزف وينزف حتى أثمر رائعته الشهيرة "لمن تقرع الأجراس" والتي صور فيها الحرب الاهلية الاسبانية في أروع صورها والتي أذيع صيتها بين الوطنيين آنذاك وحتى اليوم , وقد ترجمت الى كافة لغات العالم لأثارتها وروعتها , ومن منا لم يقرأها .
هناك يتعرف على ضابط روسي وتنشب بينهم مشاجرة نظرا لاختلاف الرؤى عند الروس بخصوص الحرب ضد فرانكو, فيلعبان اللعبة الروسية الشهيرة لعبة الموت بواسطة المسدس ذي البكرات وهي لعبة التحدي, وينجوان من الموت وبعدها أصبحا صديقين رائعين.
كيلهورن كانت دائما تترك همنغواي كثيرا لتغطية الأحداث في بعض البلدان ومنها حينما غزا الاتحاد السوفيتي فنلندا, وتذهب أيضا إلى الصين حينما غزتها اليابان , وهناك تلتقي بشوان لاي السياسي الصيني أنذاك والثائر الذي أصبح رئيسا للوزراء بعد نجاح الثورة في عام 1949 , تلتقيه على أمل اللقاء بقائد الثورة ماو تسي تونغ قائد الثوار آنذاك ومؤسس الحزب الشيوعي الصيني .
تنشأ خلافات بين همنغواي وكيلهورن حول العمل والنشر الصحافي , تتطور الى خلافات زوجية أدت الى انهيار العلاقة العاطفية المتأججة بينهما .الحب الطاغي بين الزوجين مثلما ارتفع الى ذروته بينهما , هبط الى الهاوية نتيجة الخلافات الهامشية التي حصلت , ونتيجة التنافر واختلاف الرؤى, وتنتهي بالفراق الأبدي قصة تعد من القصص الجميلة, لعلاقة عاطفية شهدها القرن العشرين , بين روائي شهير وصحافية شهيرة على مستوى عالمي آنذاك. يتزوج همنغواي للمرة الرابعة من إمرأة بسيطة غاية في الغباء وشتان الفرق بينها وبين كيلهورن.
همنغواي يصيبه المرض وهو في عمر الثانية والستين في بيت زوجته الرابعة, وينعزل عن العالم الخارجي والأدبي والصحافي ويشعر بالعزلة القاتلة, ويشعر بنفسه وكأنه أصبح عالة على الآخرين, وهو الشجاع المثابر والدؤوب في تلك الايام الخوالي, لم يستطع الصبر على ذلك , لم تطاوعه نفسه في أن يستمر في هكذا حياة رتيبة, فيسحب البندقية المعلقة على حائط البيت ويطلق رصاصة في حلقه , وبها ينهي حياة كاتب صحافي وروائي عظيم قدم الكثير للعالم وللثوار آنذاك وقد حزن العالم على رحيله الرومانسي والتراجيدي .
في نهاية الفلم تظهر لنا زوجته كيلهورن وهي في عمر الشيخوخة وطاعنة في السن وبعد خمسة عشر عاما على رحيل زوجها همنغواي , تظهر وهي تحمل حقيبة العمل كمراسلة حربية, تدخن بشراهة, ويرتفع الدخان الكثيف الى آخر صومعته, وتنظر في المرآة وتردد بحسرة وألم كبيرين "أن الذي يقتل الحب هو الملل" .
يستمر المشهد معها أمام المرآة أيضا, تردد كلمات في غاية الحزن, كلمات تثير فينا الشجن والعَبرة التي تغص في البلعوم, كلمات فيها الكثير من الحب المشوّب مع من يريد أن يوصل رسالة عتاب وتحدي في نفس الوقت الى حبيبه , وما من حيلة لذلك , لأن الموت قد غيّب الحبيب الغالي تحت التراب, وما من وقت للاعتذار والعتاب, لكنها مازالت على حبها اليه رغم كل ما حصل, وكأنها تبكي على حب ضائع من المفترض أن لا ينتهي تلك النهاية الحزينة. ترفع حقيبتها استعدادا للذهاب للعمل كمراسلة حربية أيضا, وتظهر بوجهٍ كثير التجاعيد, وجه متحد ومحب في نفس الوقت , تردد وتقول "أنا هنا وما زلتُ أعمل أيها الوغد". وينتهي الفلم بمشهدٍ في غاية ٍ من الأسى والحزن, مشهد يثيرُ فينا التعاطف مع هكذا امرأة, يثير فينا الأسف على نهاية علاقة عاطفية كان من الممكن لها أن تسير نحو الأبدية والمدى الأوسع.