1قارئ كاظم الحجاج في " ما لا يشبه الأشياء " يجب أن لا يكون اعتيادياً، عليه أن يكون قريباً من الاستثناء وإن كان القارئ الآخر غير الاستثناء من الممكن أن يخلق حالة تواصل مع القصائد/ النصوص. الا أن القارئ الاستثناء هو الأوفر حظاً في صناعة تبادل المراكز ما بين المنتج والمستهلك. ما بين المرسل والمستقبل. ما بين الشاعر والقارئ.
على هذا - النوع - من القراء أن لا يطلق تساؤلاته التي قد تتمحور عن :
عمن، وعمّاذا يكتب كاظم الحجاج "قصائده الطوال"؟
وما هو هذا "الذي لا يشبه ألأشياء"؟
هل هو الفكر، أم الشعر، أم اللاواقع؟
أم هو ما لا وجود له ؟
ولكن السؤال الأحق بان يقال هو: هل من الممكن أن يضع القارئ - أي قارئ كان - أصبعه على ملامح كهذه؟
وأي الوسائل والأشكال التي من الممكن أن تفتح مكنوناته من غير أن تدمره أو تقوض محتوياته.
*
لقارئ - كاظم الحجاج - بل وعليه أن يبدأ قراءاته لأن تلك القصائد بحاجة إلى العديد من القراءات - والقراءة الواحدة لا يمكنها أن تكتشف القار في مفاصلها - من أول صفحات الغلاف الأربعة، حيث استطاعت الفنانة التشكيلية "اخلاص ياس" أن تفتح أكثر من باب في جسد العتبة/ العنوان، أمام القارئ. غير أن هذه الأبواب لا تفصح عن نفسها. الا لمن يمتلك كلمة السر. لذلك سوف لن يجد هذا القارئ أمامه سوى أشياء كثيرة من الضبابية والغموض من نص الصورة التي أمامه. لا ملامح، لا حدود، الأشياء/ الموجودات تشع بما يشبه الإشعاعات كمية هائلة من الشمس حبيبات كما لو كانت رمالاً تغطي المشهد التصويري الفنانة هنا تطلق نصها التشكيلي لمواجهة القارئ قبل أن يمد أصابعه/ مجساته إلى مدونات الشاعر ليكتشف خباياها.
وإذا ما بدأ القارئ بأول صفحات الغلاف حيث الثريا/ العنوان الذي لن يضع أمامه - كومة مفاتيح - لأن مغاليق النصوص لم تحكمها الأقفال ولم تحدّها المساحات. نصوص مفتوحة والقارئ يدخلها معصوب العينين وما عليه سوى أن يستفز ممتلكاته المعرفية، ليتحسس الجدران التي لاوجود لها. حيث الايهام ينشر زينته في الهواء وعلى الأرض التي من غير تضاريس أرض تشبه فضاء لا نهايات، لا مطبات، لا عوالق.
ورغم أن القارئ وأمام ما قد يحدث يقف وسط فضاء الدهشة، الا أن التوجس من إن يتحول إلى فريسة هو الهاجس الذي من الممكن أن يسيطر عليه حيث دخوله فضاءات "قصائد طوال".
على الصفحة الرابعة/ الأخيرة للغلاف سيواجه القارئ بضعة ما يعتقده من أنها مفاتيح النصوص إلّا أنها لم تكن سوى بضعة مصائد تبحث عن فرائس/ قرّاء.
"في المرايا
أرى أي شيء... سواي!
فأنا منذ ولدتُ افتش عن جسدٍ
قد يليق بروحي
شموعي ضحايا عواصفكم
والنوافذ مفتوحة من جروحي
وأنا عابد رغم كفري بكم
فآلهتي ضيقة عليَّ..
قد تشكل هذه الخواتم/ المقدمات الطرق الميسمية الدالة/ الا أنها لا تفضي/ توصل إلى النهايات أنها الـ "حكاية التي لا تنتهي"
2
القارئ لكائن كهذا وأعني به المنتج الشعري لـ - كاظم حجاج من الممكن أن يضع يده بيد الشاعر من غير أن يخاف على ممتلكاته فكل ما يمكن أن يقوم به الشاعر "بفعل غياب الملامح التي يحاول أن يحدق بها وبإصرار، إلّا أنه سوف لن يقلق من هكذا سلطة، من الممكن أن كان هذا القارئ بريئاً " هو أن يدفع به إلى أن يتخلى عن أسلحة/ مما يمتلك / التقليدية / تلك التي قد فقدت متانتها وسط تجدد المعلومة واتساع سلطة المعرفة وانتشار سلطة الحراك وسط فضاء الأدب والثقافة. الشاعر يكتب/ يصنع الوهم. والقاريء يستقبل / يصنع المتعة. ومن الواجب أن لا يكون هذا الاستقبال حالة ازدراد أو حالة استهلاك آنية فكثيراً ما تتحول الأفكار في مختبرات الشاعر إلى ما يشبه الفنطازيا/ الحلم.
حيث يتحول الواقع المتطرف بسبب شدته إلى أشياء هلامية. أشياء قد لا تفقد مكانتها ومرجعيتها بقدر ما تفقد بعض ملامحها أو بعض تكويناتها.
أشياء قد لا تمت لثوابت الواقع بصلة
كاظم الحجاج يتحرك في المناطق البور. المناطق الوعرة/ الحرجة وسط مناخ المتاهات حيث لا بوصلة بقادرة على توظيف الأحاسيس سوى شاعرية الكلام ولأن السرد هو من أقدم مفاصل الكتابة الشعرية لا كما يتصور البعض من أن السرد هو منتج قصصي غير عارفين من أن الشعر كان سرداً منذ البدايات وليس من حق المتلقي أن يضع علامات الاستفهام أو التعجب أمام ما تنتجه القراءة حيث تكون السردية كقوة إبداعية موازية لفعل المخيال. الذي يزيد من قدرة القصيدة وكذلك الشاعر من اختراق الثوابت واجتياز فضاء النمطية والأنساق القامعة ومن تدمير حالة تحجيم الواقع وتحويله إلى جثة ديناصور/ طاعون لا يبقي من الشعر شيئاً ولا يذر.
قد يجد القارئ فيما يكتب - كاظم الحجاج - من الوضوح ما يجده في الفعل السردي الخالص.
إلّا أن وضوحاً كهذا لن يكون علّة في جسد الشعر. بقدر ما يكون وسيلة لصناعة الغواطس. وضوح لا ينتج الا الايهام والخداع.
*
وحيث يتوفر البياض بشكل ملفت على القارئ أن يكون حصيفاً في البحث عن الشعر في المساحات البيضاء إذ كثيراً ما يكون الشاعر مقتصداً في القول - حد البخل - تلك المساحات التي تحتل التدوين/ الكتابة البعض منها ليقول الذي من الممكن أن يقال أما الذي لا يقال ولا تفصح عنه القصيدة فالشاعر يترك له للقارئ البياض محمية وحاضنة.. وعليه أن يملأ الفراغات/ البياض بما لا يتوقع.
خمس قصائد / نصوص هي التي تشكل مدونات الكائن الذي "ما لا يشبه الأشياء"
1- ستعود الريشة للطائر ..ومريم لنا
2- تعال إلى حانتي،
"ما لم يترحمه طه باقر من اللوح العاشر"
3- سفر المرايا
4- رسالة العين
5- نشيد النخلة
من الملاحظ وهذا ما لا يحسن الإحساس به سوى المتابع/ الناقد، المتابع/ المهتم القارئ الذي من الممكن أن يأخذ كرسي الشاعر لأن الشاعر الاعتيادي سيكون غير معني بحقل كهذا أو بما يدور ما بين الشاعر - كاظم الحجاج - وسواه من الشعراء.
هذه الملاحظة تتحدد بأن - كاظم الحجاج - وهذا ما ينطبق على الكثير من الشعراء الكبار - كالماغوط - ونزار قباني، وبلند الحيدري، وأدونيس. هؤلاء الشعراء الذين خطوا لأنفسهم طرقاً غير سالكة لسواهم. لأن الشاعر الآخر سوف لن يجد لنفسه موطئ قدم لمنافستهم في تجارة ابدعوا فيها. وبذلك هم ينتجون شعراً ولا ينتجون شعراء وإذا ما غامر أحد ما في السير على هداهم فسوف لن يتمكن في صناعة حالة من التفرد بل سيتحول إلى شاعر مستنسخ. لا يقول الشعر بنية وصوراً إلّا مكروراً معاداً إذا ما اعتبرنا أن المعاني مبذولة للجميع. إلّا أن الاستنتساخ سوف ينحسر ببنية القصيدة بالعمارة الهندسية لشكل النص. انتهت الملاحظة.
"كاظم الحجاج" بنّاء ماهر ومخيال ينتمي للفنطازيا أكثر من انتمائه للمواقع الملموسة لذلك سيجده القارئ بعيداً عن تكرار الآخر. إضافة إلى عدم تكرار منجزه. تكرار أشكال البنية النصية.
فالوحدات الجزيئية لقصائده ، وجغرافيات كتاباته الشعرية لا تنتمي إلى الـ ((copy)) الفعل/ الاستنساخ بل نجدها منتمية للاختلاف والمغايرة فنصوصه/ قصائده هذه لا تعمل على صناعة الظلال لتلقي بها على الآخرين لأنها لا تدعو إلى تكرار التجربة على المستوى الشكلي.
3
-كاظم الحجاج- في كتابه الشعري هذا شاعر غير مهادن وقصائده لا تنتمي للمواءمة مع قراءات وكتابات سابقة. وعلى القارئ أن يحسن إعادة تشكيل حساباته/ أن يعيد "فرمتة" حاسوبه الشخصي/ الذاكرة، لا أقول وفق ما يقرأ لأن هكذا توافق لا بدَّ له من أن ينتمي لشتى من الثوابت تلك التي تشكل حالة تناقض وتصادم مع الذي لا يشبه الأشياء التي تدور حوله ورغم اعترافه معلناً الكتابة "خارج الحدود/ داخل المتن".
إلّا أن القارئ لا بد له من أن يكون واقفاً خارج التلقي النمطي "خارج صيغة كما لو كان يقرأ الشعر للمرة الأولى أو كما لو كان يقرأ افتتاحية لجريدة ما أو كما لو كان يقوم بعمل سخرةٍ" ولأن الشاعر لا يجيد صناعة كما يجيد صناعة المتغير فما على القارئ سوى أن يكون كذلك.
فشخصيات القصائد. ووقائع السرد لا تشيران إلى ركون الشاعر إلى السوابق الكتابية بقدر ما تشير إلى اللواحق حيث تنتشر المغايرة والاختلاف.
ومن أكثر القصائد/ النصوص تبدو أن قصيدة "ستعود الريشة للطائر.. ومريم لنا" من أكثر القصائد الأوفر حظاً على امتلاك وتوظيف خصيصة القفز على الزمن والأحداث وتمزيق الواقعـة الواحدة ومشاغلة الكتابة بأخرى لا تشبهها.
لعبة الكتابة في هذا النص/ القصيدة استطاع الشاعر أن يجيد استخدامها لا ليمتحن قدرة المتلقي على الاستقبال ولا ليمتحن شاعريته بقدر ما هو امتحان قد يكون صعباً لامكانية النص الشعري في القدرة على استيعاب المتغير الشعري وتحويل تناقضات الحياة إلى خريطة عمل وإلى وسيلة تشبه البوصلة في تحديد مسارات الإنسان الذي يجيد استخدام معادلة التأثر والتأثير حيث يتحول الكائن البشري والكائن الشعري إلى مجموعة اختلافات مهمتها تنظيم حركية الأشياء أي عدم دفعها إلى التراتية بل المحافظة على تقويض ثوابت الأنظمة.
إن تحولات الطبيعة من زلازل وفيضانات من خسوف وكسوف من مدّ وجزر هي حالات تخليص الحياة من السكونية رغم الدمار الحاصل إذ أن المحاسن لا يمكن أن تكون نتاجاً نهائياً للحركة وبما إن الكثير من الحركات كثيراً ما تنتمي إلى اللافعل/ إلى الفوضى. فلا بد إذن لجنون الأشياء أن يحتل جزءاً من تكوينات الكون.
إن هذه السانومات هي محاولة غير عقلانية لإعادة تشكيل الحياة في أفعال لتحويل الماضي المادي والروحي إلى تربة خصبة لنمو وتكاثر المستقبل والموجودات التي تنتمي قد تكون مناصفة أو بنسب متفاوتة إلى العقلانية واللاعقلانية .
*
في قصيدته "ستعود الريشة للطائر .. ومريم لنا" يعمد الشاعر إلى صناعة التخلي عن نمطية النص ليبدأ الكتابة: بـ
1- خارج حدود النص.. داخل المتن
2- رؤوس أقلام حول نظرية اختراع القلم الأول
3- رؤوس ليس لأحد من الأقلام
4- فلاش باك
وعبر هكذا تقسيمات قد تنتمي إلى الأنساق النمطية يتحرك الشاعر عاملاً على خلخلة نمطية الأنساق/ التقسيمات. عبر ما تضم من اختلافات حين تتحول العنوانات لا إلى ثوابت تدل على ثوابت فحسب. بل إن ثريات كهذه سوف تضم تحت خيمتها المنفتحة ما يؤكد أن الشاعر قد حولها إلى نقطة دلالة قد لا تؤدي إلى ما نعنيه. بقدر ما تقود القارئ إلى القراءة بكل أطيافها القلقة . شخصيات النص "الافغاني العجوز وزوجته"
"الرجل المغرم بالكتابة"
"الصياد الذي يشحذ السهم"
"الصحفي"، "الطفلة العراقية مريم"
"الشاعر الذي ناح قصيدته الثانية"، "الطير الذي يغرف الهواء بمجذافيه".
هذه الشخصيات تحمل الكثير من الحراك وتحتمل الكثير من التحولات وبالتالي استطاعت أن تملأ فراغات النصوص في جميع التقسيمات الأربعة. فلم تستطع مناخات التقسيم هذه أن تستهلك قدرات الشخصيات، أو أن تحجم أبعادها لذلك كان كل منها الشخصيات اختراقاتها على مستوى الكتابة وعلى مستوى التوقع. وبالتالي لم تستطع شرنقة القصيدة أن تحد من طموحاتها في الوصول إلى ما خلف الحدود. أو إلى ما وراء الواقع.
وإذا ما كان عنوان .. خارج الحدود.. داخل المتن = شكل نصاً مدوراً يستند كلياً على فنية السرد. فإن "رؤوس أقلام حول نظرية صناعة القلم الأول" تتشكل من وحدات جزئية تعدادها ثمانية هي التكوينات التي تنتمي إلى هندسة القصيدة وبأجمعها. وليتشكل العنوان الثالث "رؤوس ليس لأحد من الأقلام"، من ثمانية عشرَ تكويناً وليتشكل الجزء الرابع "فلاش باك" من وحدات سردية تعتمد بالأساس على الحقلين الثاني والثالث، ومن أربعة مكونات. قد يحتل الشاعر "بسبب قربه من شخصية الشاعر الموجودة في "انتاج الشاعر قصيدته الثانية"، الحقل الأخير من الوحدة النصية الأخيرة.
إن هذه التكوينات والحقول، والبنى الهندسية والتي قد لا تشكل طرقاً سالكة للقارئ بل قد تشكل حالة امتحان فعلي لامتلاكه للقدرات القراءاتية التي من الممكن أن تؤهله لكي يشكل فعلاً قد يقف أو يتحرك بموازاة الفعل الشعري والذي يؤكد على وجوده وحضوره كاظم الحجاج.
***
اللاقانون في الشعر لا يمكن أن يعني الفوضى والارتباكات التي من الممكن أن تشكل بعض مفاصل النص الشعري. ليس لدى كاظم الحجاج بل ربما لدى سواه.
إذ أن اللاقانون في معناه الإبداعي هو القبض على الأشكال غير المطروقة والابتعاد عن القوانين المنتجة للشطب/ قوانين الأنماط الاستبدادية اللاقانون هو البحث عن الاستثناء الذي لن يكون بين يدي الشاعر قوة لاغية أو قوة طاردة "فقط" بل من الممكن وهذا ما هو مؤكد أن يكون قوة ولودة قوة لا تمثل الاستبدادية بقدر ما تمثل فعل الابداع والتخلي عن الطمأنينة والابتعاد عن الركون إلى الألفة رغم ما تحمل من فتنة وغواية.
ولأن السرد فيما ينتج الشاعر يشكل مرجعية/ سلطة فإن النص الأول وكما ابتدأ بمفصل السرد فإنه سوف يعمل على أن يكتب نهاية القصيدة - لا نهاية الحراك - بمفصل سردي.
لا لتكتمل حلقات النص، بل ليطلق الفعل الشعري كمنتج إبداعي من الممكن أن ينهض في فضاء الشاعر هذا الفعل الذي لا يمكن أن ينتمي للكائن الأزلي/ الجغرافي الذي هو الوطن.
"هذا الوطن المحسود
الوطن / التفاحة
يحميه الله .. من الدود".
4
ولأن السخرية قد تصل في واحد من مدياتها إلى فعل بكائي وكلاهما ينتمي إلى الفعل/ العملة التي يتداولها الإنسان فإن الشاعر قد يتخذ منها "سلاحاً"/ وسيلة لتضخيم الفيل من أجل أن يتحول إلى اضحوكة هذا التضخيم الذي قد لا يكون الفيل بحاجة له. بل ربما هو من حق سواه.
إلا أن من طبيعة سلطات الاستبداد أن تتحول إلى حالة من التدمير الموجه نحو الآخر. ولأن الالغاء/ الشطب حالة تشكل القاعدة فإن الشاعر قادر على صناعة الاستحضار استحضار الماضي "شخصيات ووقائع" بل باستطاعته عبر ما يسمى بالقناع أن يقول / ضمن حالة من حالات الخداع والاستغفال / تدفع بالآخر/ السلطة سلطة الحاكم إلى إلغاء حالة السؤال/ الاستجواب إلغاء حالة الاعتراف/ الاقرار لأن المتحدث يقف خارج الزمن. مرتدياً الشاعر ثياب الأثاري، ثياب المكتشف "وناقل الكفر ليس بكافر"، فالشاعر لا يتحمل أوزار سواه من مرتكبي الآثام والذنوب والخارجين على المألوف ومن أجل أن لا يتحول القارئ إلى متفرج/ لاعب سلبي. عليه أن يدخل لعبة القراءة عارفاً بما يخبئ الشاعر للنص وله من خدع وتمويهات ، ومصائد تبدو محنطة، ولكنها ما زالت تعمل وبطاقة قصوى.
لعبة الواقع المعيش والواقع الاسطورة. هي اللعبة التي يجب أن لا تتكرر فهناك نص وهناك هوامش، وما بين هذا وهذا تتحرك القراءة ما بين التحدي وحالة من الوجل.
"تعال إلى حانتي/ مالم يترجمه طه باقر من اللوح العاشر" نص موجه إلى أرباب اوروك/ خطاب مفترض. من قبل شخص مجهول بإمكان القارئ أن يعمل على تشكيل ملامحه. وأن يصنع له رابط مرجعية يتواءم معه أو يختلف عنه. نص ينطلق من خلال لسان الشاعر/ الساحر.
فالذي لا يفضحه النص، سوف يتشكل عبر الذخيرة المعرفية للإنسان القارئ الإنسان البعيد عن الربوبية. الإنسان / اللا آلهة. هذا الإنسان الذي يقف خارج السلطات وبمواجهتها هذا الإنسان الذي بحاجة إلى أرباب وآلهة تلك التي صنعته من طين.
أرباب يحسنون صناعة الفردوس للجميع للمذنب والمتعفف ولا يحسنون صناعة الجحيم.
أرباب يحسنون صناعة الصدق والإخلاص والمحبة والوفاء ولا يحسنون صناعة الكذب والخيانة والكره والبغاء إلى آلهة كما كان أسلافنا تقدم نفسها وجبة طعام لجائع ووقدة حطب لمقرور ليعيد تشكيلها حين تتيسر أموره.
"فكفى اوروك انساناً بلا أرجل أو عيون
وكفى خنازيها ضحايا
ولتسألهم أمك الحكيمةُ
لا يكونوا على القرى أقسى من شيوخها
وأبطش من عتاتها
ولا يكونوا آلهة شرور ورزايا".
ولأن اوروك هي الجغرافية التي لا بد منها والخارج منها قد لا يعود إليها فلا بدائل سوى إعادة صناعتها.
المكان هنا هو كل ما يمتلك الشاعر والقارئ قد يشكل رمزاً اسطورياً أو رمزاً واقعياً ، وإذا ما اعتبرنا مكاناً كهذا هو كائن اسطوري فهو يشكل حالة حياتية لا يمكن أن تقف خارج التغيير.
إن نص/ قصيدة "تعال إلى حانتي" نص يتشكل من خلال الوصايا. تلك التي تنهض من بين خطابات "ننسون" إلى إنسان أوروك. المهندس الذي شق طرقاتها وأقام أسوارها . الإنسان الذي لا بد له من أن يقف بمواجهة الفيضان/ الفناء وبمواجهة الاستبداد/ الموت.
إذ إن إعادة تشكيل الحياة لا يمكن أن تمر إلا من خلال إعادة تشكيل الجغرافيات ووحدات النص ، تعتمد هذه الخطابات الموجهة للآخر الذي يقف ما بين التردد والاقدام. ما بين الشجاعة والخوف. الا أن وقوفاً كهذا لا يمكن أن ينتمي إلى التراجع والخيانة فهناك اثنان وعشرون بنية نصية جزئية اتخذ الشاعر من الخط المتقطع وسيلة للعزل الشكلي . تتخلى أربعة مستطيلات هي حالات ايقاف لاسترسال القارئ. أربعة هوامش تعود للشاعر قد تقف خارج محتويات اللوح العاشر والتي لا يمكن أن يخرج من مفصل التعليق على ما يحدث خارج الكتابة وفي الواقع الآني. أربعة هوامش
1.هامش كهنوتي 2. هامش بحري 3. هامش للأطفال 4.هامش حربي إن - كاظم الحجاج - يتحدث عن حكمة الأم/ الأنثى / لا عن استبداد الأب/ الذكر وعلى القارئ أن يتعامل مع النص لا بشيء من قسوة القراءة بل بشيء من الحذر الذي يعتمد على شيء من المعرفة ، تلك التي قد تنتمي إلى الماضي الذي لا يمكن أن يخضع لعملية استهلاكية تحوله إلى رميم .
إن الشاعر يعمل على صناعة لوح بديل تعويضاً مما خرم من اللوح المنتمي إلى ملحمة كلكامش. إذا استطاع عبر حالة من الترجمة المفترضة أن يعيد صناعة الوصايا وفق مفهوم الشاعر لا وفق سليلة الآلهة .
وليتحول - كاظم الحجاج - إلى واحد من شخوص الماضي عبر عملية تبادل للأدوار وإلى باحث آثاري - اريكولوجي مرتدياً قناع طه باقر.
إن لوح - كاظم الحجاج - العاشر هو لوح الإنسان والجغرافية. حيث تتداخل الأزمنة والأمكنة وكذلك الآلهة وخلوقاتها حيث تظل الأنثى/ المرأة هي الفضاء الأكثر قدرة على صناعة الكائن البشري.
***
الشاعر في - تعال إلى حانتي - يمارس عملية الهجرة إلى الماضي لكي لا يقع في فضاء الهجرة إلى المجهول/ المستقبل الذي بات مفصلاً استبدادياً .
الهجرة وفق مفهوم الشاعر لا يمكن أن تكون حالة هروب أو تراجع بل هي مفصل ضغط على الواقع لكي يتسع لمرور جسده. فهو يعمل على دفع القارئ إلى معاينة ما حوله.
الشاعر في أول القصائد يقف خارج القصيدة متخذاً من شخصية الراوي السردية وسيلة للتماهي.
في ثاني القصائد يتخذ صيغة ضمير المتكلم، حيث يواجه آخر مخاطباً حيث يستحضر صيغة الزمن الماضي لينطلق منه. وعبر حديث قد يكون انتماؤه الشكلي لأحاديث الرهبان أو القساوسة أو السحرة وأنصاف الآلهة.
ورغم أن الإنسان يتشكل وفق منظور/ منطوق آلهة بلاد ما بين الرافدين يتشكل من جسد ثلثه بشري وثلثاه الباقيان ينتميان للآلهة. إلّا أن الثلث البشري هو الذي سوف ينتصر ليتخلى عن طغيان الآلهة. محتمياً بصفة الإنسان من أجل تشكيل المجتمعات الأرضية.
5
في ثالثة القصائد/ النصوص "سفر المرايا"
يتحدث الشاعر عبر تشكيل ثالث ، عبر البحث عن النفس/ الأنا
حيث تتشكل "الأنا" أنا الشاعر الباحث عن نفسه في وجوه الآخرين / المرايا.
المرايا هنا لم تكن حالة بصرية بقدر ما هي حالة استبصار . حالة حلم . حالة رؤيا. من الممكن أن تخلق حالة كشف لما وراء الصورة. فالمرايا لا تصنع الحقائق المفترضة بقدر ما تجيد صناعة الوهم/ الخديعة.
عند عتبة النص، يستخدم الشاعر صبغة الجمع المرايا. هذا الجمع الذي حين يتقابل سيولد حالة فزع شديد فهناك أعداد لا تعد من الصور المتناسخة وعبر مصدر للفزع كهذا يتحول الوهم إلى كرة ثلج هائلة مغرقة بالتدحرج، ليتقدم أمامها الإنسان منسحقاً تحت عجلة تكاثر الأخطاء. تكاثر الآخر/ الوهم الذي لا يريد سوى زيادة أعداد المصائد أمام طريدة واحدة.
حيث تنفرد الأشياء بالشاعر ليجد نفسه وحيداً من غير عصاه التي له فيها مآرب أخرى غير الهش على القصائد.
***
هل كان الشاعر يبحث على وجهه بين وجوه الآخرين ليظهر الآخر متخفياً بقناع الشاعر؟ أم أنها لعبة التخفي والظهور التي كثيراً ما تثير حفيظة الشعر ليتحول هو نفسه إلى لعبة. قد يقف القارئ أمامها مأخوذاً بفعالية كهذه اللعبة التي قد تؤدي بدورها إلى الضياع. كما أدت بصاحبه الشاعر من قبل .
***
بنية القصيدة في "سفر المرايا" تتشكل عبر الوحدات الصغيرة السطر والشطرين والأسطر الثلاثة.
حيث تشكل حالة التنجيم علامة للمدون النصي للقصيدة . هذا الشكل هو ما اتبعه الشاعر في القصيدة الأولى. مع الاستفادة من الخط المتقطع كعلامة فاصلة بين الوحدات. وهذا ما اتبعه الشاعر في النص الثاني. "تعالى إلى حانتي".
نجوم البدايات / نجوم النهايات ، خطوط متقطعة. وحدات نصية صغيرة تأتي على شكل دفعات . هذه الهندسات لم تفسح المجال للشاعر للاستفادة من مفصل السرد في صناعة القصيدة، ذات الأصوات/ القصيدة المركبة. القصيدة التي تعتمد كلياً على عنصر الصراعات.
***
في سفر المرايا يبدأ الشاعر حركته بجملةٍ من الاحتفاءات بالحياة والجغرافيا والبلاد. احتفاءات بالماضي، والشهيد، الاحتفاء بالوطن والجنوب الاحتفاء بالداخل . بالنفس / الذات حين تكون بعيدة عن تحولها وتحت ضغط "الفيولا" داء الفيل إلى عنصر تدمير. حين تكون قريبة من الناس والأرض.
وحين ينفرد الشاعر بالآخر الذي بين جوانحه، سيكون هذا الانفراد حالة نيابية عن كل المحتفى بهم. وسط فضاء كهذا تتداخل الأنا مع الآخر وتتداخل البلدان والجغرافيات .
حينها لم يعد أمام الشاعر سوى اللجوء إلى لغة الحياة لغة السرد ليتمكن من أن يتعرف على الآخر المتآخي معه سواء كان هذا الآخر إنساناً مهاجراً/ حالة حراك أو آلهة تتخلى عن ثوابتها لحظة اللقاء هذا لتنزل إلى الأرض متشبهة بذاك الإنسان.
ضمن فعل قد ينتمي إلى "التناص" يتحرك الشاعر، وبين يديه خيط "رفيع لا يرى" ولكن لن يكون واهناً. خيط يربط ما بين الواقع المندفع باستخفافه بالآخر والاسطورة.
ما بين "الآن" الذي يبدو ساكناً والزمن المغرق بالقدم.
ما بين سلطة الإنسان/ الذكر وسلطة الأم/ الآلهة المليئة بالجمال.
ما بين الداخل والخارج.
ما بين "اوروك"/ اليوتوبيا ، و"اوروك"/ الجحيم
ما بين النص المعاصر/ الشاعر والنص الموروث/ المترجم
كل هذا من أجل صناعة نص احيائي، نص تنويري/ معرفي قادر على صناعة الاحتجاج والمغايرة. إن استحضار الشاعر للأزمنة والأمكنة فعل لا يستكين، استحضار الالهة والأرباب، وقوة الأفعال المدمرة، التي أحالت "اوروك" إلى أثر بعد عين والأفعال الشعرية التي من الممكن أن تمنح الإنسان المعاصر سليل كلكامش وانكيدو، أن تمنحه قدرة المقاومة ليظل بعيداً عن استبعاد الذات الساكنة إن تداخل السلطات الثقافية "القصيدة" المكتوبة والنص المترجم افتراضاً هنا تداخل فتح أمام النص مديات واسعة للحراك السائد لقوة الكتابة الشعرية، ولقوة الترجمة من أجل تشكيل نص شعري قد لا يرى القارئ اختلافات ضمن تعدد الوحدات النصية. إلّا أن الشكل هنا جاء مغايراً للنماذج الكتابية السابقة. وذلك تبعاً للمحمولات المختلفة. إن الشاعر لا يكتفي بالاستثناء بكتابة نص "مترجم" يخرج من بطن الماضي بل يعمل وضمن حالة من المغايرة على إنتاج نصوص تنتمي إلى بطن الحاضر. حيث الهوامش "هامش كهنوتي/ هامش بحري/ هامش للأطفال/ هامش بحري" المستند إلى المعاصرة البينة من أجل أن لا يترك النص الآخر/ اللوح العاشر عائماً من غير عنصر التواصل مع حراك اللحظة . إنّه لحظة التعشيق ما بين الأسطورة والواقع المفترض.
6
قارئ ما يكتب الشاعر ، أو قارئ شاعر الـ "قصائد" الـ "طوال" سوف تترسخ في دواخله "حقيقة" أو "دوافع" مفادها أن هذه القصائد/ النصوص التي بين يديه لا يمكن استنساخها لا يمكن إنتاج ما يماثلها/ يشبهها.
أنها الإبداع الذي يأبي التكرار
لذلك فإن الفعل القراءاتي سوف لن يتوقف عند قراءة نهائية مفترضة بل إن هناك قراءات قد لا تحد، من الممكن أن توفرها هذه القصائد للقارئ الواحد أو لمجموعة القرّاء.
إنها توفر إحساساً لدى القارئ يوازي من إن القراءة العاشرة من الممكن أن تكون الأولى. وإن ما يقرأه يحسب لهذا القارئ كحالة اكتشاف أولية.
***
ومن أجل ان يخلق عنصر المفارقة/ عنصر الاختلاف فأن - كاظم الحجاج - يبدأ قصيدته / نصه الرابع "رسالة العين" باقتباس/ استشهاد "حديث نبوي" حيث تخلو النصوص الأخرى من هكذا "تقديم" أو "بداية" ضمن مكونات هذا النص يستخدم الشاعر بدل استخدامه للتنجيم كما في النصوص السابقة يستخدم الشكل الرباعي "المربعات الفارغة" عند بداية المقاطع/ الوحدات المكونة للقصيدة وكذلك يستخدم الخط المتقطع كعلامة لانتهاء الوحدة النصية وبداية الأخرى.
فهناك من الشكل الرباعي عشرة. ومن الخط المتقطع ثلاثة عشر. وليمنح النص علامة مختلفة تتمثل بصناعة الحوار ما بين الشاعر والكائن المنتمي إلى جنس "الجان".
في هذا النص يمد الشاعر يده إلى نص تراثي ديني - القرآن الكريم - مستفيداً من اعجازية قيمة الحرب من خلال ارتباطه مع سواه المتمثل بما يوفر القرآن الكريم من اختلاف "كاف، ها، ياء، عين".
***
-كاظم الحجاج - يرفض استنساخ منتجه الشعري، ويعمل على عدم الاتكاء على بنية هندسية لأكثر من قصيدة. رغم وجود بعض مفردات تشكيل النص الشعري في أكثر من كتابة. مع وجود الاختلافات في كل منها.
***
في "رسالة العين".
في النص هذا تتحرك مفاصل الجسد البشري بعيداً عن وظائفها النمطية . هكذا يحلو لها أن تتبادل الأدوار.
فالعين تصغي
وأليد تثرثر
و "المستور" يرى عورته في الآخر.
"عين العمى تصغي
والخرسان تثرثر بالأيدي
والمستور يرى عورته في الآخر
والأحول معذور. ان يبصر يوم الأحد
يومَ الاثنين"
"كاف، هاء، ياء، عين".
ومن أجل أن لا يذهب القارئ بعيداً في حقل الإيهام. سوف يرى أن الشاعر راح يصنع خروقاته في جسد النص الجميل. ولكي لا تتمادى القصيدة في غيّها / غوايتها. وتدفع بالقارئ إلى السقوط في اللامعقول. السقوط في الفنطازيا/ الوهم.
فعبر اثنين وعشرين مقطعاً/ وحدة تكوينية يتشكل النص. وعبر هذا التشكيل الهندسي/ المعماري يدمر الشاعر التراتبية أو التسلسل. سواء للقول أو للأحداث أو لحضور الشخصيات.
فهناك "الشاعر" وابو يزيد البسطامي، وآدم
"هناك المسيح، وكازانتزاكي، واورشليم
وجني سليمان، وبيت المقدس والجندي"
وهناك، "العين والتبت. والرب، والطفل، والرجل الأعمى"
هذه التأثيثات هي التي تمنح القصيدة خصوصيتها/ تفردها.
"فكاظم الحجاج" شاعر لا يتأزم، ولا يحاصر ذاته/ أناه عند الكتابة.
بل يبدو أن الكتابة في "ما لا يشبه الأشياء" هي عملية بناء فعل يقف خارج المتفق عليه. فما أن تدخل الكتابة في فعل العصيان حتى يدفع بها إلى جذر الشعر إلى أُسّه. حيث الذات التي هي أقرب الأشخاص من الشاعر إليه أو إلى مفصل السرد الذي يشكل أول مفاصل الشعر منذ أن استطاع الإنسان الأول أن يصنع الآلهة لتؤنسه. ولتطرد عنه وحشة العزلة وليتحرر الشعر من تحجيم القصيدة/ النص. ومن قبل حالة سكونية قد يكون انتماؤها لنمط سابق أو لنسق ثابت.
***
7
في آخر القصائد الطوال/ النصوص "نشيد النخلة".
يدخل الشاعر - كاظم الحجاج - ومعه القارئ فضاء الميثولوجيا.
حيث تتم اسطرة الواقع كما تمت هذه الحالة على السنة العامة وتحويل العملية الحياتية، وثبات الأفعال إلى ما يشبه الفنطازيات، حيث تنمو فضاءات التأويل وتحميل الكلمات بمحمولات مختلفة غير التي تنتمي إليها في هذه القصيدة بعض ما ينتمي إلى التفاسير، إلى صناعة الوظائف حيث يجد القارئ نفسه وحيداً وسط مفروزات الأشياء/ الكائنات، هذه المفروزات هي بعض الصفات أو بعض الحالات التي يشكلها/ يربطها الشاعر بأفعال تنتمي إلى اللاواقع . وذلك عبر الولوج إلى القصيدة من خلال ثغرات الواقع المعيش. الواقع الذي ما أن يدخل خيمة الميثولوجيات حتى يفقد اتصالاته بالأرض. وبقوة جذب الثوابت. ليبني أعشاشه في أماكن هلامية حيث لا تحجيم الأشياء ولا تحدد التصورات.
لا بدَّ للقارئ المتابع لعلاقات المجتمعات بما تصنع من موروثات تنتمي إلى الحس الشعبي . حيث تتحول الأشجار/ النخلة هنا. إلى كائنات تقترب من الإنسان. حيث الذكورة/ الفحولة. وحيث الأنوثة، والتلاقح واللذة والتناسل والإثارة الحس الجنسي.
كائنات الشاعر في هذه القصيدة كائنات حراك.
جغرافيات الشاعر. جغرافيات متحولة. لذلك لن تكون القصيدة واقفة في الجانب الغامض أو الثابت.
الوضوح الذي يظللها بشموسه. وضوح شديد الاقتراب من العينين وعلى القارئ أن يغمض عينيه، ويتعود الرؤية في العتمة عليه أن يجيد السير في حقل الغام مموه بالغرائز واللذائذ.
"جدي يتوضأ فوق الشتلة إذ يغرسها
وكان الإمام - كرم الله وجهه - يحب التمر"
"وكان الخليل بن احمد يضبط العروض
على هوسات الطواشين".
"تومان زنجي بصري، كان يقود اعلانات السينما".
"بنت الباشا ، دكله موسى، اجميعي شط الشيطان".
"كان أبو عثمان عمر بن بحر، يلقن حفيده المعتزلي البصري ان أعذب الشعر أكذبه".
"عدا التي افلتت منه - يقولون - فتداركها الأخفش".
"ساير، زهدي، ديري، بري، غطوان البرجي، جانا الغيم".
"درب ابو الخصيب"، "باب سليمان"، "الكوفة، بغداد".
"لا تتركوا ضيفنا يجوع
فمريم العذراء هزت جذع نخلتنا
وأطعمت يسوع".
إن انفعالات الشاعر عبر أزمنة النص وأمكنته المتحركة منها القدرة على صناعة الفتنة.
في هذه القصيدة تتحدد الوحدات النصية حجرات بنية القصيدة لا بايقاعاتها فحسب بل تعتمد على أساس اكتمال معنى الجملة/ السطر الشعري لذلك سيجد القارئ أن الوحدة النصية قد تتكون من
1 . سطر واحد - ثلاث كلمات. "لاتتركوا رضيعنا يجوع".
"ساعاتنا رقاصها ذكر".
2 . أو من ثلاثة سطور - واثنتا عشرة كلمة.
"البساتين ساكنة للمطر
وأنا أغرف الماء
كي يفقد البحر زرقته في يدي".
أو من مجموعة سطور وثلاث وأربعين كلمة
"يحدث أن يميل سعفة نخلة عذراء نحو محل قريب بعينه، ويبقى شعرها الأخضر على اتجاهه العنيد هذا، حتى موسم اللقاح فلاحو البصرة يسمونها "النخلة العاشقة" وهم لا يلقحونها إلّا من الفحل الذي مالت إليه ، أما إذا لقحت منه ولم تحمل فهم يقتلونها غسلاً للعار".
القارئ لهكذا نماذج سيجد أن شكل الكتابة يتحدد باكتمال المعنى وبأكتمال الجملة الشعرية.
***
إن الشكل الكتابي للنشيد والتي يتسلل من اثنين وأربعين وحدة نصية تفصل ما بين الواحدة والأخرى حالة تنجيم أو خطوط متقطعة.
إلّا أن السرد قد يشكل العلامة الفارقة لكتابة هذه القصيدة. حيث يتوفر الحس الميثولوجي المعتمد على تصورات بدائية لشعوب استطاعت عبر المرحلة الزراعية/ الاستقرار أن تبني حضاراتها متخلصة مما تنتجه مراحل تكوينات المجتمعات التي سبقت مرحلة تشكيل التجمعات السكانية/ المدن.
***
لوحة القصيدة/ فضاؤها الكتابي، لدى - كاظم الحجاج - فضاء محشد بأليات الكتابة "بياضاً وتدويناً" "اسماء وتواريخ، وقائع وأحداث، مدناً وأماكن كائنات بشرية ونباتية، لغة وتراكيب، الأنا والآخر الفراغات، الأقواس، التنقيط، التنجيم، الهوامش، أشكال هندسية"
وربما يشكل الواقع بكل تصانيفه "الثابت والمتحرك، الواضح والمتماهي، المعيش والغائب، الحاضر والماضي" المساحة ألأكبر. هذا الواقع الذي سوف يتخلى البعض عنّه، عن ثوابته لحظة كتابة القصيدة من قبل الشاعر وليتخلى ربما البعض الآخر من قبل القراءة. إذا ما تم اعتبار القراءة هي إعادة كتابة النص. فحين تتجمع الوقائع والأحداث والشخصيات، يبدأ عالم اللاواقع بالتشكيل كما لو كان واقعاً تحت سلطة قانون ما. هذا القانون هو قانون التجميع والتركيب والتشكيل الذي يظل من غير إطار إلى حين إحساس الشاعر بأنه قد قال كل ما لديه ضمن إحساسه الداخلي القائل بأن النهايات لا يمكن أن تقال.
فبعد خط النهايات الوهمي هذه لا يوجد سوى الفراغ سوى اللاشعر سوى موت النص.
لذلك يؤكد الشاعر عبر ما لايشبه الأشياء، إن خط الايهام هو خط الشروع بالقراءة والكتابة. هذا الخط الذي يظل يتجدد مع كل قراءة . والذي يعمل على محو كل خطوة سابقة. خط متحرك غير خاضع للمحو. أنه الظل الذي يسبق العداء/ القارئ عندما يكون الجسد أمام مصدر الضوء/ الشعر وإذا ما كانت الأشياء تمتلك حضورها عبر التنجيم والتحديد. عبر ما تترك خلفها من ملامح وعلامات، فإن الشاعر وما ينتجه من فنطازيات لا تحتمل فرضية الشبه بل أنها تدخل ضمن قانون الاختلاف الذي لا يمكن أن يتحول إلى نسق قاتل.
إن الضد الذي يبدو في لحظة ثبات دائمة هذا الضد الذي يقف خلف حالة من التوافق يكاد يشكل الكثير من كتابات - كاظم الحجاج - الكثير الذي لم يصرح به. خوفاً على القصيدة ذاتها من الشروحات والتفاسير التي تفقدها القدرة على الحراك.
إذ بدون طرف آخر لا يمكن للحراك أن يظهر بين طيات الحياة كمنتج للجمال والفتنة والحلم . الحياة المتحركة والواقع المعيش هما ما يشكل بنية النص لدى الشاعر.
إذ يتساوى لدى - كاظم الحجاج - الواقع واللاواقع. حيث يتشكل التداخل فيما بين الأشياء لينتج فضاء لا ينتمي للسوابق من الأشياء، حيث تتحول الموجودات إلى لا أشياء إلى فضاء مفتوح. لا يحتاج لسوى القارئ القادر على قراءة ما تترك الغيوم على صفحة السماء. وما يترك الشاعر وراءه من حركة الإيهام.