رواية "العرس".. الأمل والخيبة / يوسف علوان

"العرس" رواية قصيرة للكاتبة صبيحة شبر، صدرت عن المركز الثقافي للطباعة والنشر / بابل عام 2010 ، بحدود 64 صفحة من الحجم المتوسط. كتبت الرواية على شكل فصول متعددة غلب فيها تعدد ﺍﻷﺼﻭﺍﺕ ﺍﻟﺭﻭﺍﺌﻴﺔ؛ ضمائر المخاطب والغائب والمتكلم، ﻭﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻌﺩﺩ ﺠﺎﺀ لاغناء ﻤﻀﻤﻭﻥ ﺍﻟﺭﻭﺍﻴﺔ، ومحاولة الكاتبة لخلق ﺨﻁﺎﺏ ﺠﺩﻴﺩ مختلف، ﻗﺎﺌﻡ على تعدد الأصوات التي تقوم بسرد أحداث الرواية لتختلف عن اﻠﺨﻁﺎﺒﺎﺕ ﺍﻟﺴﺭﺩﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺤﺒﻜـﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺩﻴـﺔ، ﺤﻴﺙ يتغير الراوي في العديد من هذه المشاهد، ومن الواضح أن هذه الصيغة التي حاولت الكاتبة بها ﺃﻥ ﺘﻜﻭﻥ ﺤﺭﻴﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺭﻭﻱ، ﻓﻬﻲ تلجأ ﺇﻟﻰ الأنا في ﺍﻟﺨﻁﺎﺏ ﺒﺼﻔﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﺅﻟﻔﺔ والضحية ﻟﺘﻌﻠﻥ ﻋﻥ ﻭﺠﻭﺩﻫﺎ ﺍﻟﺤﻴﻭﻱ ﺩﺍﺨل ﺍﻟﺭﻭﺍﻴﺔ، وﻫﻲ ﺼﻴﻐﺔ ﻤﻬﻴﻤﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺭﻭﺍﻴﺔ.
ومن خلال فصول الرواية التي بلغت 16 فصلا، والتي في اغلب الأحيان لا يتجاوز الفصل الصفحتين أو أكثر بقليل.
تحدثت عن شخصية البطلة، الضحية، وعن البطل المخادع، وعن صديقتها سميرة التي أعجبت بها والتي هي نقيض لشخصيتها، فهي، أي سميرة، شخصية قوية تمتلك رغبة دائمة في قهر الصعاب التي تعترضها في حياتها بالضد من شخصية البطلة التي كانت ضعيفة.." اعماقك حزينة بائسة، لا أنيس، يخفف عنها وحشة الليالي الطويلة".
تتحدث الرواية عن ما عاشته المرأة العراقية خلال فترات سابقة، وما يفرض عليها المجتمع وتقاليده من تابوهات محظور ان تتحدث بها، برغم أنها من المشاكل التي تمس حياتها، غير ان المجتمع يفرض عليها السكوت وتحمل نتائج هذا الخلل الذي تكتشفه الشخصية النسائية في الرواية في ليلة العرس الأولى. لتصاب بصدمة كبيرة بعد ان تقف على حقيقة هذا الشخص الذي أحبته وتمردت على أهلها ومحبيها من اجل القبول به كزوج. برغم كل التحذير الذي قالوه لها. لكنها جرت خلفه، وتنكرت لكل الأحباب، الذين وضعوا تجاربهم الطويلة امامها، فقد أغريت بكلامه الذي يجيد قوله للفتيات، ليخدعهن به اللائي يعشن حالات اليأس والانتظار مثلها. وبعد ان ضاع منها كل شيء؛ أهل وأحباب متعاطفون معها، أسرة تحنو عليها، أصدقاء طالما نصحوها بالابتعاد عنه. وجدت نفسها وحيدة أمام مشكلة ليس لها من حل سوى السكوت عنها وتحمل نتيجة اختيارها وإصرارها على الزواج بهذا الشخص.
هكذا تبدأ الرواية من حيث انتهت. حيث تكشفت لها في أجمل لياليها التي انتظرتها - مثل باقي الفتيات- ليلة العرس انها خدعت بشخص غير سوي، شخص شاذ: "احب الغلمان، ويمكن ان تلعبي معي دور غلام جميل.. أريدك غلاماً جميلا يا امرأة، أنت رقيقة كالغلمان". الخيبة التي أحست أنها وقعت بها، ويبدو ان الكاتبة جعلت من هذه الثيمة في الرواية "عجز الحبيب في ليلة العرس"، مرتكزا دارت حوله منذ الفصل الأول الذي كشفت فيه عن درجة خيبتها وورطتها مع هذا الحبيب الذي حاربت العالم من أجل الاقتران به. فقد خصصت، لشخصية هذا الحبيب التي تكلمت عنه، اكثر من مكان في الرواية، فوصفته في الفصل الثاني "حياته فشل متواصل، وخيباته مستمرة". ثم وهو يتكلم بلسانه.. "خلقني الله ضعيفاً متخاذلاً، مقهورا، لا املك شروى نقير، كل ما ادخره من هذه الحياة، كلمات معسولة". ومع كل هذا قبلت به لأنها أيضاً تعيش مرارة الوحدة، وكانت تتألم لأنها: "لم يحببك رجل قوياً ساطعاً، وكنت تحلمين بان تتمتعي بشبابك الجميل، ورقتك المتناهية".
أنها محاولات لإقناع النفس للقبول بهذا الحبيب الذي تعرف عنه نقاط ضعفه وسطحية شخصيته! لكن الحاجة التي تحس بها لرجل مجرد رجل، هو الذي دفعها للقبول به، مع اعتراض الأهل والأصدقاء.
ومع الثيمة الرئيسة للرواية هناك ثيمة أخرى جانبية حاولت ان تشتغل عليها الكاتبة وهي محاولة حث احمد احد زملائها للزواج من صديقتها سميرة ونجاحها في ذلك المسعى. لكن هذا المسعى برغم نجاحها به وقبول الاثنين احمد وسميرة من التعرف على بعضهما ومن ثم زواجهما، لم يأت إلا بفشل آخر.
رغم ان الكاتبة تمتلك لغة جيدة في بقية إعمالها الأخرى؛ فقد أصدرت قبل صدور هذه الرواية المجموعات القصصية التالية: "التمثال" في الكويت عام 1976 و"امرأة سيئة السمعة" عام 2005 في مصر. و"لائحة الاتهام تطول " التي صدرت في الرباط عام 2007. و"التابوت" في مصر عام 2008. وعرف عنها امتلاكها للغة روائية جيدة. إلا ان رواية "العرس" لم تكن طباعتها او لغتها بالمستوى الذي عرفنا به الكاتبة في أعمالها السابقة. وهذا احد الأسباب التي جعل لغة هذه الرواية غريبة عن لغة الكاتبة. فقد كثرت الأخطاء الاملائية والنحوية في الكثير من صفحات هذه الرواية وذلك بسبب رداءة طباعة الرواية، كذلك هناك إرباك في فصول الرواية وتسلسلها. ومع احترامي لأعمال الكاتبة الأخرى أرى من الضروري على الكاتبة إعادة طباعة الرواية من جديد وبالشكل الذي يليق بمستواها الأدبي وبالخصوص من الناحية اللغوية. لأن الكاتبة هي من مدرسي اللغة العربية سابقاً ولذلك من الغريب ان تكون لغة الرواية بهذا المستوى.