بغداد ـ ثقافات:دعا اتحاد أدباء العراق أعضاءه للتطوع وحمل السلاح دفاعا عن الوطن ضد ما وصفها "الهجمة الظلامية البربرية الارهابية التي تقودها تنظيمات القاعدة ممثلة بأشرس فصائلها وأشدها دموية ونعني بها (داعش) والقوى والشرائح التي رضيت ان تسير في ركابها من ممثلي الاسلام السياسي وايتام بقايا وجلادي نظام حزب البعث المقبور الذين يعتقدون واهمين بانهم قادرون على ان يعودوا بتحالفهم هذا، مرة اخرى، الى واجهة السلطة".
أعلن ذلك الناطق الاعلامي للاتحاد الشاعر ابراهيم الخياط، وأضاف: (اجتمع المجلس المركزي للاتحاد الذي هو بمثابة "البرلمان الادبي العراقي"، صباح الجمعة 4 تموز 2014 بمقره في ساحة الاندلس، وأصدر بيانا حول الازمة السياسية والامنية في العراق).
وأوضح الخياط أن البيان شخّص: "أن المهمة الراهنة مزدوجة فهي عسكرية وسياسية في ان واحد، وينبغي عدم التفريط بأي جانب منهما. وهناك ايضا في الجانب الاخر بعض الاطراف السياسية والجهات الاعلامية والاستخباراتية، الاقليمية والعربية والاجنبية التي تحاول ان توحي بان الهجمة الظلامية هذه هي ثورة شعبية وعشائرية لطائفة اجتماعية معينة تعاني من التمييز الطائفي. وهذا مجرد وهم وخلط مقصود للاوراق."
وختم الناطق الاعلامي للاتحاد كلامه أن البيان خاطب أعضاءه بالتأكيد: "لنهجر جميعا الابراج العاجية العالية وان نكون جزءا من النسيج الاجتماعي العراقي الفسيفسائي مقاتلين ومتطوعين عن ترابنا ووجودنا واستقلالنا لاننا ضمير الشعب وصوته التنويري والرمزي وخط دفاعه الأخير."
وفي أدناه نصّ البيان:
اتحاد الأدباء يدعو الى تعزيز الوحدة الوطنية
ودعم قواتنا المسلحة لدحر الهجمة الإرهابية
يمر عراقنا الحبيب هذه الأيام بفترة مفصلية عصيبة من تاريخه ووجوده وصيرورته تضعنا جميعا أمام شعار "أن نكون أو لا نكون" وذلك بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه وطننا العراقي وتهجم عليه مرة واحدة وتهدد استقلاله وكيانه ووجوده وتاريخه وثقافته ووحدة ترابه وقومياته ومكوناته المتآخية.
وهذه الفترة تلقي على الجميع سياسيين ومثقفين ورجال دين وأكاديميين وإعلاميين ورجال قبائل وعمالا وفلاحين وكسبة ومن جميع الأطياف والطبقات والأديان والطوائف والمشارب مسؤوليات جسيمة يجب ان ينهضوا بها بنكران ذات وروح عالية بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية للعبور بالوطن الى شاطئ الأمان وتجاوز كل المعوقات والفخاخ بتبصر وحكمة وشجاعة قبل فوات الاوان.
وفي هذه الفترة بالذات لا يحق لاية قوة سياسية ان تستقوي على الدولة العراقية بالقوى الاقليمية والاجنبية كما لا يحق لأية جهة ان تنفرد لوحدها مستغلة ظروف البلد الحرجة والدقيقة لفرض شروطها بإصدار قرارات انفرادية هذا ليس اوانها وتعدها امرا واقعا، كما لا يحق لاية جهة او فئة او طائفة ان تركب موجة الشحن الطائفي او القومي او التطرف الديني للحصول على مكاسب آنية تعتقد انها مشروعة على حساب ما نحتاجه من وحدة وطنية حقيقية تذوب فيها الفوارق القومية والطائفية والدينية تحت راية الوطن المهدد بوجوده.
ان المجتمع العراقي يمتلك من المقومات والاسس والعوامل الموضوعية والذاتية والبشرية والمادية والفكرية التي تؤهله لاعادة ترتيب البيت الداخلي العراقي على اسس سليمة كفيلة بتأمين الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي.
لا شك ان عوامل الضعف التي نمر بها ليست شيئا عرضيا او طارئا. بل تعود الى تراكمات تاريخية أسس لها النظام الدكتاتوري الصدامي من تكريس لروح الطائفية وانتهاك فض للحريات ولحقوق الانسان وبناء دولة بوليسية عسكرتارية تهيمن عليها سياسة الحزب الواحد وتهمش دور الرأي العام وتتجاهل تحقيق المساواة بين مكونات الشعب العراقي.
كما تعود عوامل الضعف هذه لسياسة الاحتلال الاجنبي التي دمرت البنية التحتية للدولة وألغت مؤسساتها العسكرية والامنية وفرضت دون فهم لخصوصيات المجتمع العراقي انماطا سياسية وادارية تخيلت انها قادرة على بناء مجتمع ديمقراطي سليم من خلال الركون الى قوى وارادات متناقضة ومتصارعة ومتعادية ومختلفة تحت سقف واحد اغلبها لا يؤمن بالمشروع الديمقراطي والدولة المدنية ولا تؤمن بالحوار مع الاخر وحق الاختلاف. بل ان بعضها يجاهر علنا بالعداء لمفهوم الديمقراطية ذاته وطلب منها بناء دولة ديمقراطية حديثة، كما اعيد تشكيل الجيش العراقي على وفق وصفة جاهزة على اساس الانتساب الطوعي واهمال قاعدة التجنيد الالزامي وبالتالي فان هذا التشكيل العشوائي المتسرع خلق دولة هشة غير قادرة على الصمود في مواجهة التحديات المصيرية الكبرى كالتي نواجهها اليوم. وفضلا عما تقدم، فان الدولة الوطنية العراقية لم تنجح خلال هذه السنوات وحتى بعد خروج قوات الاحتلال الاجنبي من توفير ضمانات الوحدة الوطنية وتجنب كل عوامل الفرقة والتمزق. وغابت عنها السياسات الإستراتيجية بعيدة الامد واكتفت بتنفيذ خطط آنية قصيرة الامد حالت دون ادراكها لحجم التحديات التي يضمرها الواقع الاجتماعي نتيجة هذه التراكمات والتداعيات غير المرئية. وظلت الكثير من القوى السياسية منشغلة بمشروعات قومية او طائفية او فئوية او حزبية او دينية ولم تحسم امرها بشكل جدي في ضرورة بناء الدولة المدنية الديمقراطية بوجهها السياسي والاجتماعي دونما اكتفاء بالآليات الشكلية الديمقراطية المتمثلة في الحصول على اعداد معينة من أصوات الناخبين بل ان بعض القوى السياسية الشيعية والسنية منها على حد سواء ظلت تخطط سرا وعلانية لإقامة نمط من الدولة الأوتوقراطية التي تستنسخ نماذج لم يثبت نجاحها في مواطنها الاصلية.
كل هذه العوامل ادت الى غياب وحدة الارادة والقرار لدى القوى السياسية والاجتماعية والقومية والوطنية، وبالتالي أدت الى تمزق الموقف الوطني الواحد وتشرذمه مما اثر على عملية اعادة بناء الدولة الوطنية واستكمال شروط سيادتها ومنعتها وتمكينها من انجاز مهمات التنمية البشرية ومواجهة كل التحديات الممكنة. ان المخاطر الاساسية التي تواجهنا اليوم تتمثل في الاسراع باحتواء الهجمة الظلامية البربرية الارهابية التي تقودها تنظيمات القاعدة ممثلة بأشرس فصائلها وأشدها دموية ونعني بها (داعش) والقوى والشرائح التي رضيت ان تسير في ركابها من ممثلي الاسلام السياسي وايتام بقايا وجلادي نظام حزب البعث المقبور الذين يعتقدون واهمين بانهم قادرون على ان يعودوا بتحالفهم هذا، مرة اخرى، الى واجهة السلطة متجاهلين بان "داعش" لا ترتضي بالمكاسب الجزئية ولا تؤمن الا بالولاء لزعيمها وبالتمدد الجغرافي في جميع البلدان المجاورة.
ولا شك ان تحقيق هذه المهمة يتطلب استنهاض قوى الشعب العراقي الحية وضمان تحقيق وحدة القوى السياسية والاجتماعية والنقابية العراقية على أسس جديدة لدعم قواتنا المسلحة البطلة ماديا ومعنويا وبشريا ولوجستيا لدحر الغزاة وافشال مخططاتهم الخبيثة والحفاظ على وحدة التراب الوطني العراقي واعادة هيبة الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية ورموزها الوطنية، وعدم اطلاق الميليشيات التي تنتعش في ظل هذه الظروف، وحصر السلاح بيد الدولة.
وفي معركة صعبة كالتي تواجهنا اليوم فقد تختلط الاوراق عفوا او بصورة مقصودة. اذ يتعين علينا التمييز بين القوى الظلامية الغازية المتمثلة بداعش وبين القوى والشرائح السياسية المعارضة التي تمتلك وجهات نظر مشروعة تجاه الواقع السياسي من خلال اقامة جسور معها والاستجابة الى مطالبها وزجها بالعملية السياسية وعزلها بالكامل عن القوى الظلامية الغازية. ومعنى هذا أن المهمة الراهنة مزدوجة فهي عسكرية وسياسية في ان واحد، وينبغي عدم التفريط باي جانب منهما. وهناك ايضا في الجانب الاخر بعض الاطراف السياسية والجهات الاعلامية والاستخباراتية، الاقليمية والعربية والاجنبية التي تحاول ان توحي بان الهجمة الظلامية هذه هي ثورة شعبية وعشائرية لطائفة اجتماعية معينة تعاني من التمييز الطائفي. وهذا مجرد وهم وخلط مقصود للاوراق.
فجوهر الهجمة يهدف الى تحقيق اجندة سرية خطيرة تتمثل في اقامة ما تسمى بدولة الخلافة الاسلامية التي تم الاعلان عنها فعلا وهي تحلم بالتحول الى امبراطورية تبتلع البلدان المجاورة من خلال فرض لون من التطبيق القسري الدموي لأسلمة المجتمع التي يتبرأ منها الاسلام الحنيف حيث رفضت جميع المرجعيات الاسلامية مثل الازهر الشريف والنجف الاشرف والحركات الاسلامية المعتدلة في العالمين الاسلامي والعربي المشروع التكفيري الارهابي الدموي الذي تمثله "داعش".
ولاننا اليوم امام استحقاقات دستورية وتشريعية عاجلة لا بد لنا من الالتزام بها لكي نكون قادرين على وضع خارطة طريق لحل الأزمة العراقية وفي مقدمتها الاسراع في استكمال شروط العملية الديمقراطية والسياسية المتمثلة في الاسراع بانتخاب الرئاسات الثلاث ومباشرة مجلس النواب مهامه بوصفه يمثل الاطار القانوني والدستوري لوحدة مكونات الشعب العراقي الاساسية والتغاضي عن نزعة الركض وراء المصالح الطائفية والحزبية والقومية وذلك للدفع بعجلة الدولة العراقية على الطريق الصحيح. ولذا فنحن نناشد جميع القوى السياسية والكتل الانتخابية بعدم المماطلة في حل الاشكاليات المتعلقة بعمل الدورة الجديدة لمجلس النواب التي يعلق عليها المواطن العادي امالاً كبيرة بحل مشكلات الموازنة المتاخرة، وصرف الرواتب المؤجلة واطلاق الدرجات الوظيفية المعلقة، باطلاق الميزانية والشروع بعمليات التنمية والبناء والإعمار وتسليح القوات الأمنية وتطوير البنى التحتية والطاقة والخدمات والتخفيف من آفات الفقر والبطالة والمرض والتخلف الاجتماعي.
كما نطالب جميع القوى السياسية بوضع خارطة طريق جديدة تسير بالبلاد الى شاطئ الامان والتقدم من خلال استكمال المؤسسات الدستورية واحترام مسألة الفصل بين السلطات الثلاث ومحاربة الفساد ودراسة الاشكال الخاصة بادارة الحكم ومنها مسالة بناء الاقاليم اذا كان ذلك ضروريا ودستوريا ويلبي حاجات المواطنين كما نطالب بالاسراع باقرار التشريعات والقوانين المعطلة ومنها قانون الاحزاب وقانون النفط والغاز وبعض التشريعات الخاصة بالأدباء والفنانين والمثقفين الذين تم تجاهلهم وتهميش دورهم وهم يطالبون بان يلعبوا دورا اكبر في الحياة السياسية والثقافية وان تخرج وزارة الثقافة من آلية المحاصصة الطائفية المقيتة، وأن تكون علاقاتنا الخارجية بالدول على أساس المصالح والمنافع المشتركة والاحترام المتبادل.
كما نطالب الاخوة الكرد بضرورة مراعاة الظروف االعصيبة التي يمر فيها العراق، وطن الجميع، وعدم اصدار قرارات او بيانات انفرادية تساعد على الفرقة وتمزق البلاد، والعودة الى الآليات الدستورية والقانونية التي حددها دستور جمهوية العراق لعام 2005 ومنها المادة 140 الخاصة بقضية المناطق المتنازع عليها، وتمكين الدولة العراقية والقوات المسلحة من استعادة كل شبر دنسته عصابات التكفير والارهاب.
وبصراحة اكبر، نحن نريد ان يكون للكرد دور وطني وايجابي في حل المشكلة، كما يحزّ في نفوسنا ان نجد من يزعم بان القيادات الكردية لعبت دورا خفيا فيما آل اليه الوضع الامني وانها تخطط لان تكون الرابح الاكبر ان لم يكن الوحيد من الازمة الراهنة على حساب الشعب العراقي ومحنته.
وبدورنا نهيب بجميع الادباء والفنانين والاعلاميين والاكادميين والمفكرين العراقيين الى ان يرتقوا الى مستوى المواجهة وان يضعوا طاقاتهم في خدمة الحشد الوطني المشترك لطرد الغزاة والارهابين، وان يدافعوا عن وحدة الشعب العراقي وتماسكه ويدينوا السياسات الخرقاء اللاانسانية التي بدأت باعتمادها عصابات داعش ومن سار معها والمتمثلة في ارتكاب جرائم ترقى الى مستوى التصفية العرقية (الجينوسايد) عرضت مصير ووجود مكونات مهمة من الشعب العراقي الى الخطر مثل المسيحيين والتركمان والشبك والايزيديين فضلا عن العرب، كما قامت العصابات التكفيرية بامتهان المرأة وانتهاك مكانتها الاجتماعية، وتدمير الإرث الثقافي والعمراني من خلال هدم النصب التاريخية ومنها نصب الشاعر العباسي "أبو تمام" والشاعر والفنان الملا عثمان الموصلي فضلا عن هدم الكنائس والمساجد والمراقد الدينية المختلفة ونبش قبور الانبياء والعلماء والمفكرين وتحطيم او سرقة الاثار والمخطوطات العراقية التي تمثل ارثا حضاريا وجزءا من الذاكرة التاريخية لشعب مابين النهرين.
وبدورنا فقد كنا نحن في الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق في طليعة المثقفين العراقيين الذين وقفوا منذ اللحظة الاولى ضد هذه الهجمة البربرية ودعونا جميع ادبائنا في المحافظات بان ينهضوا بدورهم في دعم قواتنا المسلحة البطلة في تصديها الشجاع لمشاريع تقسيم الوطن وسرقته، وحث الحكومة على احاطة مشكلة المهجرين بالعناية الفائقة لاسيما أسر الادباء في المناطق الساخنة، وقد اقمنا، خلال ذلك، العشرات من الندوات واللقاءات والاعتصامات للتنديد بهذه الهجمة الظلامية واستنهاض همم المواطن العراقي واعلنا استعدادنا للتطوع وحمل السلاح دفاعا عن الوطن، ونجحنا في اقناع الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب باصدار قرارات تدين العنف والارهاب الذي تمارسه القوى التكفيرية ضد الشعب العراقي، لكننا نشعر اليوم بان ذلك لا يكفي واننا بحاجة الى تطوير اساليب المواجهة التي يقوم بها الادباء والمثقفون العراقيون ليكونوا في طليعة قوى التحدي والمواجهة وان يسهموا في تقديم برامج وخطط تنويرية ومستقبلية تساعد رجل الدولة في تلمس طريق المستقبل واعادة بناء الدولة العراقية واجهزتها ومؤسساتها المدنية والعسكرية.
لقد آن الاوان لنهجر جميعا الابراج العاجية العالية وان نكون جزءا من النسيج الاجتماعي العراقي الفسيفسائي مقاتلين ومتطوعين عن ترابنا ووجودنا واستقلالنا لاننا ضمير الشعب وصوته التنويري والرمزي وخط دفاعه الأخير.
المجلس المركزي والمكتب التنفيذي
للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق
الجمعة 4 تموز 2014