كان لعنونة مجموعة" البحث عن اللون" القصصية للقاص حسن البصام امتثالاً واضحاً لرؤية جيرار جنيت- كون العنونة هي النص الموازي للخطاب الأدبي، وكما في دالة كلمة البحث، وهي المطالب المتعددة اللون والموزعة على نصوص المجموعة، ومنه حضرت العنونة في خاصية ومواصفات كل قصة باستقلال المتن الحكائي لها وغير مستقل عن محور الثيمة العامة للمجموعة، وقد اعتمد القاص في تعبيره لغة شديدة البأس، كما في مواءمة ملائمة ملفوظات السرد الموازية والملبية لقوة الخطاب وجرأة انتقاء وتصوير المتن الحكائي في النصوص وماهية الهم الفكري لها، وفق مؤججات الفكر، إضافة لمحددات بنائه الفني وفق إعتبارات سردية ملائمة لنسبية خاصية طقوس كل نص، ومنها زمكانية وأطباع ومواصفات الشخوص والأحداث المحكية المنسجمة مع الإطار الفكري العام، وقد كان للأسطرة النسقية الكاتبة للمجموعة فعل جمالي في معتمد لغتها الشعرية الإيحائية البعيدةعن المباشرة والأطناب من جهة اُخرى، بمثلية الشرح والتسطح الإيضاحي المهلك لفن القص الادبي وخاصيته التعبيرية في ايصال خطابها، ومن خلال معتمد الإيجاز في المجازية اللغوية وإنتقائية الأحداث المرمزة بدلالتها، وكان لبعض التوضيح المختصر تعميق منضج لخطابها الفكري، وكما فاض مائز ا?سرد مقدماً في القصة المعنونة لذات المجموعة" البحث عن اللون" واللاحق في بقية القصص، وما لها من سبك واضح في تكوين ورسم وإحضار متعلقات المكمل الفني الجمالي العامل للتلقي القرائي الذي تؤكده ضرورات وميزات الكتابة والتأليف الأدبي ولكل اجناسه.
لم تشتغل المجموعة وفق الحوار المخفي، بل كان حواراً مكشوفاً أزال الكثير من الغطاءات الساترة للظواهر السلبية وكشفها والداعي لإلغائها او تعديلها كسلبيات مهلكة لطموح الانسان، ومن شجاعة المحكي وسرده الواضح، وكان إحضاراً واقعياً للاحداث والوقائع الدالة ذات العلاقة في تناولة الشديد الخطاب ،وهو يشاكس ويعارض السكوت المهلك لحياةالانسان اليومية كحقوق وواجبات، ومنه يحرك ويحذر من ذلك اللامرئي والخطر لهم واللاصق المجانب فيهم، ليشعروا ويشاهدوا الرداءات حد السلوكيات الاخلاقية المفروزة والخطرة وهي تعيش وتعتاش بهم ويتنفسوها?كممارسات يومية للمواطن، وهي من لزومات الحمولة الفكرية المضمنة والمؤنسنة للخطاب والمجانبة لمشروط جمالية الايصال الفني لفحوى الخطاب العام لمجموعة النصوص المتمحورة والحافظة له كحضور متواصل يبصم جسد جميع النصوص، إضافة لتلبية الإدهاش الملبي للتلقي ومن خلال عوامل الدلالة القابلة للتأويل، ولما ذهبت اليه الحداثة الجمالية لإشراك القارئ في كتابة النص ثانية وان خالف المؤلف وفق معتمد قرائتها للامرئي في إيحائية الكتابة الادبية ومنها المجاز والتشبيه والانزياح اللغوي، وهو المعتمد الأكثر حضوراً في السردية، لنجد في مكونات المجموعة الجديد المنبه وبقوة لإيصال منبهاته للوجودات الحياتية لملاصقة لنا، ولابد من تبيان ذلك الخطر المحذر منها، ليكون المحكي تنبه مؤثر وفق جمالية صانعة للتلقي القني وما بخلفه كمؤنسنات للخطاب الأدبي الفاعل والنافع.
كانت موضوعة اللون موضوعة واحدة امتدت وتعددت وتنوعت وفق التعدد القصصي للمجموعة،لتنضيج ماهية اللون كموضوعة في محكيات السرد و من تعدد حالات الاحداث والوقائع المسرودة وشخوصها.
ومنه كان المكون السردي تأكيداً لمنهجية الخطاب العام للمجموعة في نهجها للغرض"اللوكانشي"الواقعي النقدي المطالب للتغيير وبناء الانسان.
وقد اتسمت قصة "المعلم" مثلما النصوص الأخرى بشجاعة التصريح والمتمثل في رفض المعلم القديم والعتيد"عدنان كعكة" لأسلوب التعليم وسلوكية المعلم وكما في الحوارية هذه "استاذ عدنان...لماذا لا تعود الى الوظيفة، مثل أقرانك الذين سبوا العنب، اجاب بسؤال، ما الذي اختلف، السلة ام العنب؟، أجبته:السلة والعنب، قال: إذن اسب السلة والعنب".. كدليل على رداءة وجهي مفصلي التعليم، وكان عدنان ذلك المعلم الذي فصل من وظيفته في السابق، بسبب تعليقة على ربطة عنق الرئيس آنذاك. وهو المدير لمدرستين في آن واحد ويمتنع بشدة ان يبيع قلماً او دفتراً من اعدادها الكثيرة ليسد حاجة عائلته في زمن الحصار الصعب.
وكما مرور سردية "خارطة الذئاب" وهي معمول لمتخيل القاص لتوصيف الزمن الصعب للحياة العراقية وبحثهم عن التدبير المخلص، وهو بحث عن لون ذلك الحل المنقذ لعبورهم متأزم ايامهم وصعبها المتعب لها، وكما في محكي الشكوى للوضع الصعب في بدء القصة "من الممكن أن يكون البيت بلا أبواب... ذلك أن أكف الحروب أطبقت على أعناق المعوزين... فباعوا حليهم التي توارثها الكثير منهم، حلي موشاة بملامح أمهاتهم ..."، والمشابه المعمق كمونودراما لمشهد الحالة الحياتية للإنسان العراقي الحاكية عن الجوع الثقيل الوطأ في قصة "ثقب طري" ما حدث يا إمرأة استغفر الله ما الذي دعاك لتقبيل يدي- أتوسل إليك ان تجي لتأخذ الباب معي، لم استطع حمله بنفسي- أي باب؟ سألتها مستغرباً ارغب في بيع الباب الثالث لك ولكنه استعصى علي.. كانت مطرقة والتوسل يغسل وجهها".
ويمكن للمتلقي ان يقرأ هذه القصة كاستقراء مقارن بين الزمن الما قبل التغيير السياسي في البلد وما بعده من المرجو المنتظر في التغيير العراقي الكبير.
واخذ بنا النص الآخر"سقوط نخلة" امام التساؤل المفتوح في وصفيته "كان الجدل عقيماً، لمن توصل إلى أتفاق في الرأي ونحن نقف إزاء النخلة التي هوت ساقطة على الباب الرئيس لبيت الحاج عبدالله، وسط عاصفة مشبعة بالأتربة ..."هذه النخلة بدلالتها العراقية كشموخ يهوي الى الأسفل وقد شابك مخيال القاص وقع قتل الشاب سعد كهاوية اخرى وهو يلوح بحنانه العاشق.
ومن الوقع الغرائبي السلوك في حدث قصة"الرجل الملثم" والذي يشير فيه النص الى ظاهرة ترك الفرض الوظيفي في الدائرة لقضاء الفرض الخاص الديني خارج الدائرة ،ومنه ترك المراجعين المزدحمين امام مكتب الموظف المتدين الذي ترك العمل لغرض فرضه الديني، ومنه ذلك المدير المحاط بهالة المقدسين المتقربين المتزلفين وتركهم للدائرة والذهاب الى ذلك الجامع غير عابئين بالآخرين المنتظرين لقضاء شغلهم، وما أدى طفح الكيل الى تلك السلوكية المعنفة للمدير المبجل بالضرب من احد المراجعين.
وفي قصة"إعتراف رجل خارج المستطيل" نرى ذلك الشخص المتمرد في تساؤلاته المحتجة بشدة ومن خلال تهشيمه لذلك المستطيل المقرر لحبسه فيه، وهو مستطيل لدلالة ارادها مخيال القاص هنا وفق المرفوضات المحيطة العامة في حياته، كما هي بناءات وتكوينات سردية "قصة الصيف" لماهية رجل جامع القمامة وما يريده القاص في فراغه مما ارادته المرأة والتي اندفعت بقوة الى الخارج وهي مذعورة في هروبها الى الشارع كدلالة عن خواء الأتي وعدم تحقيقة للحلم الطبيعي المنتظر.
وترسم لنا قصة - الهاتف- ذلك الرجل المجنون الذي يبحث عن شخص ليكلمه عبر هاتف دائرة البريد والهاتف، ليضع القاص مأمورة البدالة ومن خلال تدبير تضامني لها كصوت نسائي يفرح المجنون بمؤنثه المشتهى، ليخرج بعدها مسرعاً بسعادته بعد بحثه وسماعه الصوت المؤنس واللذيذ له.
وتمر قصة قصة لم تكتمل- لتتناول حالة معينة نمذجها القاص عن البحث عن المال ومن خلال ترك ابناء لوالدتهم وهي تصارع الموت في احدى المستشفيات الخاصة ويعودا بعد ايام للسؤال عنها لغرض الحصول عن الورث المالي، والتي تضعنا إزاء سايكولوجية طمعية خالية من العرف الطبيعي والاجتماعي.
ويمكن القول هنا لقد وفق القاص في مخياله المنمذج للشخوص الباحثة والمتسائلة والمتجرئة بإحتجاجها كسلوكيات وفق مفهوم رد الغعل - الفيد باك لتراكمات الجوع بمعناه الانساني العام وانسياقه مع الخطاب المسرود ومنها المسكوت عنه كمعاناة طويلة تتسربل من قامة الناس المتعبين.. وامتثل القاص في مجموعته هذه لوجوبية فن القصة عند الكاتب الإنجليزي "هـ. تشارلتون" وامتثل القاص هنا للزومية الجمالية في فن القصة حيث اللغة الشعرية بمثلية تداخل شعري مع النسق الكتابي للسرد، وبمثلية رغبة تماهي أجناس الأدب المؤدي للتلاقح اللغوي بينها وبما يوفر قيم الجمال التعبيري للسرود النثرية.