نقاد: خليل المعاضيدي.. لوركا العراق

في احتفالية الذكرى الـ 30 لإعدامه ببعقوبة
بعقوبة ـ ماتع:
تحت شعار "إعدام شاعر.. حياة"، أقام الحزب الشيوعي العراقي صباح السبت 20 كانون الاول 2014 فعالية ثقافية في الذكرى الـ 30 لإعدام الشاعر "خليل المعاضيدي"، على قاعة (بين الجسرين) في بعقوبة.
وجاءت الفعالية ضمن احتفالات الحزب الشيوعي العراقي بالذكرى الـ 80 لتأسيسه، وحضرها جمع من مثقفي ديالى والعراق وحشد من الحضور.
في مدخل القاعة، افتتح معرض تشكيلي تصدرت أعماله لوحة بورتريت للشهيد المعاضيدي، بينما عرضت صوره الشخصية الأخرى على شاشة كبيرة داخل القاعة.
بعد وقوف الحاضرين دقيقة صمت وحداد عرفانا ووفاء" واكراما للشاعر الشهيد ولشهداء الحزب والشعب والحرية والكلمة، رحب مدير الحفل الاعلامي كريم الدهلكي بالحاضرين فقال ان "مدينة بعقوبة تشعر بالفخر والاعتزاز وهي ترى هذا العدد من الادباء والمثقفين يحضرون لاستذكار ابنها البار الشهيد خليل المعاضيدي".
أولى الكلمات كانت للحزب الشيوعي العراقي فألقاها عضو مكتبه السياسي محمد جاسم اللبان، (نصّها في أدناه).
بعد ذلك ألقى رئيس اتحاد ادباء ديالى القاص صلاح زنكنه كلمة جاء فيها ان "الشعراء عشاق وان لم يهموا، وحدهم من يبتكر الجمال وسط الخراب، وحدهم من يصنع الوطن في عمق المنافي، وحدهم من الحنين يموتون مبكرين. هكذا كان خليل يعانق الحياة".
ثم جاء دور مؤسسة الشهداء، حيث ألقى كلمتها الحاج محمد مهدي، ومما جاء فيها: "شهداء تم اعدامهم من دون قرارات حكم او محاكمة او تحقيق، ومن دون اتباع الاصول والاعراف التي تليق بأدنى حد من حدود احترام حقوق الانسان، فالتحقيق كان يستخدم معهم ابشع انواع التعذيب..".
وقدم الفنان المعروف د.ميمون الخالدي قراءات ممسرحة لباقة من قصائد المعاضيدي فشدّ الحضور بإلقائه المذهل، تبعها عرض فيلم وثائقي عن الشهيد انتجته محلية ديالى، وأعده ناشطون شبيبة، بينهم الرفيقة ارينا قاسم التي أجرت لقاءات مع عدد من مجايلي المعاضيدي وأصدقائه وطلابه لتلقي ضوءا على حياته الزاخرة بالإبداع.
وارسل الكاتب المسرحي صباح الأنباري، من مغتربه كلمة قيّمة بحق المعاضيدي، قرأها نيابة عنه مدير الحفل.
وخلال سير الحفل كان الفنانان التشكيليان هادي البناء وعمر الحسك منهمكين بانجاز لوحة مشتركة استلهماها من حياة الشاعر الشهيد.
بعد ذلك اعتلت المنصة الشاعرة نضال القاضي لتدير ندوة حول شعر المعاضيدي، تحدث خلالها الناقد ناجح المعموري عن العنونة باعتبارها عتبة النص الاولى وعن مبتدأ استهلال النص، وأشار أن العنونة والابتداء يضعان المتلقي أمام عدد من الاشكالات واثارة الاسئلة وهذا ما ميّز "خليل البرتقال" كما شاء أن يسميه المعموري، وأعقبه الناقد علي الفواز الذي اخضع شعر المعاضيدي لأدوات مختبره النقدي وأضاف أن المعاضيدي هو نظير لوركا لما بينهما من تقارب في الوداعة والشاعرية والعمر والنهاية وفي شكل العدو وشراسته، وذكر أنهما حتى من مدينتين تتشابهان في جمالهما ونهريهما.
وكان للشاعر ألفريد سمعان كلمة، قال فيها: "عرفته شاعرا تقدميا ومناضلا يعرف كيف يكتب قصيدة تعطي املا للفقراء.. يعرف ان الشعر قضية وليس تهويمات..".
اما الشهادات عن المعاضيدي فكانت على التوالي، للشعراء حسين الرفاعي ورياض النعماني وظاهر شوكت وسعيد الشفتاوي، بينما كان مسك الختام مع قصيدة للشاعر ناظم السماوي جاء فيها:
فكرك..
خاف منه النذل والجلاد
جسدْ صفّوك..
بس فكر الشرف لليوم عايش بيك..
وفضلا عن المشاركين فقد حضر الادباء احمد خلف، جاسم عاصي، حسب الله يحيى، د.جمال العتابي، سعد محمد رحيم، عبد العزيز لازم، صباح محسن جاسم، مثنى كاظم صادق، د.خالد علي ياس، سميع داود، طه رشيد وابراهيم الخياط.
*****************
مجداً لك أيها الشاعر المناضل
كلمة الحزب الشيوعي العراقي التي ألقاها عضو مكتبه السياسي محمد جاسم اللبان في حفل استذكار الشاعر المعاضيدي ببعقوبة:
السلام عليكم أيها المبدعون يا أمل شعبنا وموضع حبه وتقديره..
السلام عليكم أيها الاحبة الحضور..
نحتفي اليوم بقامة سامقة من قامات النضال والثقافة والإبداع في عراقنا المترع بهؤلاء الحالمين بغد مشرق، ومستقبل سعيد لهذا الشعب المكتوي بنار التخلف والجهل والضحالة لحكامه الذين تعاقبوا على منبر السلطة فيه. انه الشاعر الكبير لوركا العراق "خليل المعاضيدي" الذي جسد مقولة التقاء الشعر بالحلم وان الشعر يرتفع على الحلم في القدرة على قراءة الغد واستشراف حركة المستقبل، بما يتمثل من حاضر ويستوعب من موجود الأمس، وهو في هذا المسعى يشكل قوة دافعة للتطور، ممهدة لهذا التطور مرهصة به احيانا.
كان مبدعاً بالفطرة، وهو العارف بأن الإبداع في جوهره لا يعني غير النقد، والطامح الى التغيير، والتشوق الى الحرية والحق والجمال، وفي هذا الطريق سار بشجاعة الحاملين أرواحهم على أكفهم، ونجح في نسج قلائد من خيوط الشموس، طرز بها اجياد الكادحين العراقيين، فكانت قصائده تلهبُ حماسهم وتدفع بهم الى ترسم خطاه في مقارعة الظلم والاستبداد وكلِّ ما من شأنه الحَط من قيمة الانسان باعتباره اثمن رأسمال في الوجود، بالاضافة الى تهذيب الذائقة الفنية واعتلائها ذرى جديدة، تصب وتمتح في آن واحد من نهر الثقافة التقدمية والإنسانية.
كان الشهيد مؤمناً كل الايمان بما قاله "جان بول سارتر" ذات مرة: "أيها المثقف.. أنت مسؤول حتى عن الجرائم التي لم تسمع بها" ولهذا السبب تحديداً أطفأ نظام الجريمة شمعة حياته، لأنه أبى ان يضيء، لأعداء الإنسان والحياة، وتوهموا شأن كل القتلة والمستبدين ان الليل الذي نسجوا عباءته الثقيلة بمساعدة الأجنبي، سيظل جاثماً على صدورنا الى الأبد. لكن "خليل" ابن بعقوبة النجيب كان لهم بالمرصاد شعراً ونضالاً وتأليباً على الطغاة، فما كان منهم إلا ان سفحوا دمه كما سفح زملاؤهم دم لوركا في مدريد، ونيرودا في شيلي وايلوار في باريس.
أنهم القتلةُ أنفسهُمْ، وان تعددت الوجوه والأقنعة.
"خليل المعاضيدي" الشاعر الشيوعي الذي احدث ضجة في صفوف شبيبة ديالى مطلع سبعينيات القرن الماضي في قصيدته "هلا قرأت البيان الشيوعي" وكان قد قرأها في جموع حاشدة في بساتين الهويدر وبهرز وعلى حدائق نقابة المعلمين، الأمر الذي أثار حفيظة وحقد السلطات آنذاك، فبيتوا له أمراً مدافاً بالخسة والنذالة التي تعودوا عليها وكانت ديدنهم طيلة حياتهم، وظلوا ينتظرون الفرصة لتنفيذه، فسنحت لهم يوم اعلنوا الحرب على كل الرافضين لتدمير الوطن وإفناء الشعب، تجسيداً لمقولة كبيرهم الذي عملهم السحر "سوف لن نترك العراق إلا ارضاً خالية من البشر" او بالتعبير المعاصر "ما ننطيها"، فانضم الى قافلة شهداء الوطن وديالى الأبطال (محمد صالح العبلي، خزعل السعدي، قيس الرحبي ابو ازهار، علي ياس ابو عفاف، دهش علوان دهش، مصطفى الديو، الحاج كامل كلاز، داخل أبو نهاد، ماجد هاشم الياسين، عدنان الحداد، كريم عيسى التتنجي، خالد جسّام، وحيد الجليلي، رزاق الجليلي، شاكر الخشالي ابو مصطفى، جاسم كسارة أبو كفاح، عبدالحميد التميمي أبو مهند، كريم خزعل الكرادي، وليد محمد المحامي، هشام هاتف ابو أمل، عدنان كفشي، محمود عبدالحسن الزبيدي، محمد عباس الزبيدي، فاضل عزيز، منير جبارة ابو يسار، عماد الأخرس، حسب الله، د.عبدالكريم الزهيري، نجاح حمدوش أبو ولاء وياسين أبو ظفار، والرفيقات الشهيدات أم صوفيا، كوثر مجيد، رجاء مجيد، سهيلة عبدالقادر، وغيرهم.
إنهم ابطالنا، ومفخرتنا، والمثل الأعلى الذي نحرص على اقتفاء اثره، التزاماً، وسلوكاً وتضحية، لنواصل مسيرة هؤلاء الأفذاذ، دون ان تثنينا أكداس الصعوبات والمشاكل العويصة التي تعصف بحياة شعبنا، بسبب هيمنة رجال الصدفة على مقدراته، والمرض الخطير والمعدي الذي جلبوه لشعبنا ونعني به المحاصصة الطائفية - الأثتية، ودون ان تفت في عضدنا حربُهم المعلنة وغير المعلنة على الثقافة والمثقفين والمبدعين في مختلف مجالات الحياة، لأنهم حملة مشعل التنوير والتثوير، التي تناقض ما آمنوا به من نهب وسلب، وتزييف لوعي الناس، مستغلين عواطفهم وسهوات التلاعب بهم، متوهمين في ذات الوقت ان التضليل والخداع والكذب، سيظل سائدا ما داموا قادرين على إعادة انتاجه وتزويقه، وبالتالي ازاحة من يهدد مصالحهم الأنانية، وتطلعاتهم الاجرامية متناسين أنهم ربما كانوا قادرين على قتل كل الازهار، لكنهم عاجزون تماماً عن منع قدوم الربيع كما يقول نيرودا العظيم، فربيع شعبنا قادم لا محالة شاء هؤلاء النصابون أم أبوا.
المجدُ .. كلّ المجدِ لشهيدنا الغالي الشاعر "خليل المعاضيدي" ولكل شهداء الشعب والوطن.