- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الخميس, 06 آب/أغسطس 2015 17:46

في مهمة جديدة استيقظت وانتبهت الى صوت نورسي جميل وحزين بعث بي الأمل بعد ان فقد الشعر الكثير من مهامه وكعهدي به أدرت عقارب ساعتي الى زمن كان الوعي فيه سائداً وخاصة في سبعينيات القرن الماضي توجهت الى الاستماع والاستمتاع والقراءة لوجه كنت آلفه في مقهى الزهاوي وبتمثله بالفتى الشاعر والانسان الوديع الهادئ الطبع الاصيل (سامي عبدالمنعم).
وربما لا يتذكرني لكني هنا اليوم اكتب عن الشعر وعنه في رؤية انطباعية وتذوقية أجد فيها متعة جمالية حسية صادقة تبحث عن مهمة كنا نبتغيها بالاجماع وهو النظر الى الابداع والتجديد والمعاصرة والمشاركة وبقيت تلك الملاحظات تخلد في ذاكرتي ضمن كوكبة آلت على نفسها الا ان تحمل مشعل الحرية والثورة والثقافة معاً لتضيء الاماكن المعتمة او المتخلفة وكان منهم الشاعر المتحدث عنه والمنحدر من قلعة سكر الناصرية ومن بعدها المنفى الذي اختاره قسراً وبعد ترحال طويل استقر به المطاف في المانيا، وما زلت اتابع نتاجه من خلال تواصله ونشم نفائحه الشعرية دون بهرجة او خيال لا يليق للبعض من المتلقين مع الاحتفاض باصالته والشاعر في غربته لم تأخذ منه ما اشتهيت وبقي الوطن.. الحب.. والجمال.. والطيبة. واصدقاؤه وقلعة سكر هاجسه الاول والاخير. انه الرجل السومري الانيق الذي يحمل في جعبته عوالم الشعر وخاصة رواد الحركة الشعرية من امثال الشاعر الكبير مظفر النواب وشاكر السماوي وعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الكاطع وناظم السماوي وعزيز السماوي وزهير الدجيلي وكاظم الركابي وابو سرحان وريسان الخزعلي ورحيم الغالبي واسماء اخرى يعرفها الجميع اخذت على عاتقها مهمة التجديد والابداع والمعاصرة.
وكان لزاماً عليّ بعد هذا ان اكتب عن هذا الشاعر الفتى المعافى بحب وطنه وناسه وعراقيته ومن خلال ترحالي في اصداره الجديد (نوارس) والذي احتوى اكثر من ثلاثين قصيدة شعبية كنا بحاجة اليها والى الاستمتاع بها لما تحمله من جوانب حسية وحنينية صميمية واثبات ما هو اصلح ان يكون وبالشكل المتعارف عليه والاحتفاظ باللون الجمالي المتهيكل والمنفتح مع التوجه اخيراً بنبضات الشاعر الكبير عزيز السماوي في اخر الصفحات واذ يحافظ على وحدة موضوع النص الرافضة للصيحات التي تنقص من قيمة الانسان فهو والليل يتقاسمان هموم ومعترك الحياة وإذ يتعاشر معه او يخاصمه معناه هنالك علاقة لا مفر منها.
" ولك يا ليل يمگصر المسافات... عليش اتكثر الطعنات بيّه!؟
جبتلك من ظلام ايامي ضويات... او نثرت إسنين عمري واهليه
إشمالك ما تجيني ابليل يا ليل... واتشوف الهموم الليّ عليّه"
واذ يتعظ الشاعر من الزمن المر حيث احساسه كان واضحاً من قوله:
" مرات الكديش ايسابگ الخيل... والمهرة الاصيلة ايفوته مشوار
والدخان اذا يصعد مسافات.. مو معناها يكسر قيمة النار
الذهب ينوزن بالحب والمثاقيل... او باقي المال يتوزن بلطغار "وحدة وزنية"
بس بالتالي يبقه الزين عالراس... ويظل الردي متگبع ابعار"
واذ تنحدر به آهات التعب تكون اوتاره غير منقطعه رغم احساسه بها مرغماً. كما هو في قصيدة "وتر مگطع" والتي يقول مطلعها:
" ما ظل ابعمري وتر.. متگطعه أوتاري
چا بيش أغني بعد.. بيش اكتب اشعاري
طفوا بگلبي الضوه... وأمسيت وحشة حزن
لا روحي تنسه المضه او لا انته گلبك يحن.."
هكذا هو حال رغبته في الظهور الينا لكنه بدا أنيساً في حزنه الشفاف الذي كتبه شعراً صافياً. انه الشاعر سامي عبدالمنعم، ففي قصيدة "مسافة نهر" قد رتل صفوته واجاد فيها معتمداً على منلوج داخلي استفز فيه الصبر وطاول جراحاته متعمداً في الوصول الينا بلغة جمالية رومانسية أجد فيها موسيقى والفعل فيها عافية.
" طولك مسافة نهر... او طولي اشگصر دربه!
يلصرت بيّه درب ضيعني ابدربه
غالي انته سوگك ذهب... او سوگي "إخشالة صفر".. ما واحد يگلبه
ساكن ابروحي الحزن محبوس حدر الضلع... وبريتي يتنفس"
ان المهمة الشعرية التي ارشفها ومن خلال ذاته أحسسنا بها انه صاحب تجربة غنية وثرة يمكن ان تشكل وتصف وحدة غنائنا المتشابك معه في بعث الروح في عالم الشعر الجميل. فالكلام عن نفسه حصيلة وجع ألم بنا جميعاً دون استثناء مع انتمائه الى جيل تعافى منه شعراً. ومن امثال الشاعر طارق ياسين.. والشاعر شاكر السماوي.. مع خروجه من عالمها مبكراً. ثم الانتماء ثانية.
" امغيمه روحك
مدري وين اتريد تمطر
چلچل الليل او رچه اهمومه عليك
بعد ما واحد يجيك
تحفر ابوحدك ساجيه ابوجه العطش
او يرجع الصوت بأذاني... ايگلي لازم تستريح
- گتله أدري..
بس تعال... اشلون اسكت عزف گلبي!؟
او منهو يگدر ايسكت ابروحي الاغاني"
انه في الغربة يكتب الشعر الذي ندركه وبهمس نايلي نشتاق اليه لدعينا اليه مبكراً كونه يعد الاصلح في التعبير والغناء كما هو في قصيدة "وشالة عمر".
" ليل والدنيه مطر واتنثث على الشباچ..
ريحة الغربة تهشم بالعمر..
وانته وحدك تنتظر..
گاعد لوحدك.. او كاس ايجيب كاس
او ليل يعبر ليل والمزنه حزن"
ان صحة النوم التي يشتهيها كانت بمثابة الصحوة التي استوحى منها عالماً يحلم به وعلى "گد النوم" كانت حصيلة واضحة.
" لنها روحي ابگلب وياي تمشي!
اشما اصبر اعيوني تاخذني البواچي.. وأيست:
مثل برحيه والملگح نساني.. او شيصت.. وانته كل ساعه تهزني
اتريدني من المامش انكثلك رطب
ابلا ربيع او خضرت روحي دفو
وهنا الشاعر سامر عبدالمنعم يكون قد أفلت من شكل قصائده واتجه بمنحى هادئ يصطف مع توجه المبدعين من امثال الشاعر الكبير عزيز السماوي الذي انحنى اليه كثيراً لامتزاج دمه معاً وبروح كبيرة تعالى الشعر فيها اولاً وصدح فيه عالياً وباقتدار. وكان واضحاً في "خلك درويش".
" اصابيعك اتوج اشموع بالظلمه قصائد
او قميصك.. يصد چف الريح وايعاند
صهيل اچفوفك.. ايطرز هوى الليل
نهر عاش العمر كله "عزيز"... او عالزمن شاهد"
انها قصيدة جميلة في وعيها وانتماءها.. وتأثرها
" چذاب الزمن چذاب
ما صدگ ابضحكته او لا أرضه العتاب
كل يوم ياخذ غفل من عندي أحباب
هيبة "عزيز" اشلون تندفن بتراب!
نهر الفرات انهظم والبصره "والسياب"
او نخل السماوه بچه.. ابحرگة دمع وعتاب
وامي كتلها الصبر.. واعيونها إعله الدرب.. وامشرعه الابواب
خوّان هذا الزمن خوّان..
مثل النذل لو صار سياف.."!
وهذا لا يعني تخوفه من الزمن وانما في غصته شيء اراد ان يحيا به في وطن يستعد معه للموزمات ويتفرد بصرائح عباراته التي أهلته جوازاً للعبور فينا شاعراً جميلاً.
" لا تنهظم يا وطن للنايبات استعد
لا اتگول راحوا هَلّك لا تظن عنك نصد
المحب من يعتني ما ايهمه طول البعد
دگ جرحك اويه الصبر او عض سنك أعله الچبد
انته مسيح العصر.. شايل صليب المجد"
وفي خلاصة قولي عن هذه المجموعة الشعرية الجميلة ("نوارس" انها انعشت الذاكرة وانتشت وصفقت لمبدعها الشاعر سامي عبدالمنعم وهو ينأى بمنجزه صوب معاصرة الحداثة والتوجه الشعري الصحيح وكنت ايها المبدع اصيلاً ومعطاءً وان يكن عمرك طويلاً كما قرأتك سابقاً وفي قصيدتك "عمر تفكه" في السبعينيات.. تحية لعذوبتك وانتمائك وصميميتك مع اعتزازي بك قادراً على صياغة الشعر الجميل ومحاوراً في تأملاتك ارواحنا تشدو بك وبغيرك من المبدعين طرباً وانتشاءً.