الشاعر صلاح عواد.. وشليل العوز / لفته عبد النبي الخزرجي

الشاعر صلاح عواد، هذا الشاعر الممتلئ حيوية وشبابا والمترع بلغة شعرية جعلته متميزا عن أقرانه،، بمفرداته التي يختارها بطراوة، ويستقطبها بنفس شعري رفيع ثم يسكبها في قواف ينشدها شعرا متألقا، تحصد المزيد من المعجبين والأيادي التي ترتفع مصفقة لهذا المبدع الذي مازال جرحه معلقا في نخيل الفرات، ينزف عطرا وأريجا ومفردات تلامس شغاف القلب وتمتص رحيق السواقي.
إنه يكتب رسالة إلى أمه:
بعدني اغفه على صوتچ من تلو ليلي.... دلو ليلي
تره جرحي چبير وشايله أبحيلي.......
ولأنه يعشق العناد والتحدي.. ويتصدى لجروح الواقع، ولا يبني قصورا في خيال الأمنيات.. ولأنه معلق في سعفات النخيل والتي كانت وما زالت ترافقه في مسيرته منذ أن تفتحت عيناه في ربوع مدينته، الحلة، التي تمتد بمحاذاة مجرى الفرات، وهو يغرف من هذا المعين الذي لا ينضب، ويعوم في بحيرة الشعر التي تمتد على مساحة الوطن من شماله إلى جنوبه، ويترنم بآهات المحرومين والمعذبين والمهمشين، ويتابع بشغف ومودة دموع اليتامى والأرامل، ويمسح نزيف الجروح ليضمدها، ويغرس صبره في تخوم الوطن:
ما يردوك تعله ولا تحـط اجناح
وعلى أمتون الورق ما توگف أحروفك
على اچتافـك رفعت الكون لمن طاح
موش انته التميـل وتنلوي اچتوفك
شد گاع الصبر وامشي أعله چف الماي
تلگه اتطوف دنيا بكعبـة اجروفك
هذا التناغم المعبأ بمصداقية الحرف، والموشح بالانشداد لسارية الوطن، والمتماسك مع طموح ورغبة عارمة في البقاء في الأرض التي احتضنته صغيرا وشهدت بساتينها وأنهارها ونخيلها مرابع صباه، وتشبعت أنفاسه بحب الأرض وعبق النخيل وخرير السواقي، وهذه الترانيم التي تحكي حب الشاعر وعشقه لصباخ الأرض وبيت الطين وتراب العراق:
أحب صبخايتي وعاشگني بيت الطين
وعلى أتراب العـراق أتعودت ريتي
الرئة التي تتنفس هواءها من ماء دجلة ونخيل الفرات، وتعشق نسمات الفجر وهي تدغدغ أحلام الصبايا، وترسم فوق جبين الأرض قوافي الإبداع والتألق، لاشك لن ترضى غير الوطن دارا، ولن تقبل بغير هواء الرافدين، تعبه في مساماتها، وتنتعش بزفراته، وتسمو بعطره وأريجه.
في ديوانه الموسوم (جرح النخل)، نقرأ في الإهداء:
للعـراق الشايل اجروح اليتامه
للزرع بينـه رغم حزنه ابتسامه
البيرغ أمي لشدته إحزام الصبرهه
ألوالدي الضحه النفس لجل ألكرامه
وفي المقدمة كان الشاعر حامد كعيد، حاضرا في التنقيب عن لمسات الحزن التي ترافق الشاعر في مسيرته وهو يحث الخطى، ليغادر مؤانيء الحزن والانتظار(1)0
ورغم أن اللغة الشعرية التي يتمسك بها الشاعر صلاح عواد، جعلته من المتميزين في منهجه ونظمه ومسيرته، إلا أن مسحة الحزن التي ترافقه، لا تشكل انتقاصا او مثلبة في منجزه الشعري وإبداعه ومواكبته للحركة الشعرية، سواء على مستوى محافظة بابل أو من خلال تفاعله وتواصله ومشاركته مع شعراء شعبيين في مهرجانات صدحت فيها حناجر الشعراء، فكان صلاح عواد مغردا ومترنما ومنشدا لمفرداته التي تفوح بعطر الملح:
عجيبة النار تجفل من يمرها
وحلت لنذال أريدن من يمرها
يتيمة الروح ظلت من يمرها
بس چف الملح سير عليه
عن صلاح عواد يقول الشاعر حامد كعيد في مقدمته التي كتبها لديوانه (ولا غرابة أن تجد مسحة الحزن واضحة جلية في قصائد صلاح عواد، ولا ينفرد في هذه الظاهرة وحده، فكثيرون هم متبعي هذه المدرسة،وجيل أدمن على الحرب والعوز والحرمان، لابد أن يبرز ذلك في قصائده)2.
أما الشاعر عبد الرزاق كميل، فإنه يرى في صلاح عواد (متألقا كألق الربيع يكتب من القلب والعاطفة والإنسانية الجياشة)3.
ديوان الشاعر صلاح عواد، يضم في دفتيه، إحدى وعشرون قصيدة، وفي الختام كانت الابوذية حاضرة أيضا.
المصايب بالسره اصطفن وجنه
ودمعي ما رضه ايفارگ وجنه
أخبرك نار مـا تحصل وجنه
جفن وأثنينهن شـحن عليه
القصائد التي احتواها ديوان " جرح النخل":
(باب العواصف، شمس الغور بت، رسالة إلى أمي،گاع الصبر، خيط الفجر، سچة وهم، وشليل العوز، لا ترحل، جرح النخل، يا موت أستحي، عوز الفرح، علة الماعون، وساد الصبر، أتراب البيت، ضفيرة عيد، ثوب الگاع، موسم حصادي، ريل الهجر، چف اليتامى، عباة الليل، صندوگ الأسرار).
هذه القصائد التي أودعها الشاعر صلاح عواد في ديوانه "جرح النخل" طرزتها موهبته الشعرية، وبراعته، وتمكنت منها ريادته في النظم والإبداع، واستوطنت فيها قدرته على الغوص في المفردات وتوظيفها، فكان ان وضع شعره في خدمة الإنسان وتبيان ما يتعرض له من معاناة وحرمان وعوز وامتهان.
في قصيدته "كاع الصبر" يخاطب الوطن، خطاب العشق والانتماء والهوية:
من گد ما نحبك ما نفرط بيك
فك حلگ التراب وعاين ألجوفك
تلگه شما زرعنه وخضرينه أرجال
طاحت روسها وما گدرت اتعوفك
ما يردوك تعله وتعله مـا يردوك
يردون ألغمدها اتحـدر سـيوفك
ويكرهونك عراق من الصفات ألبيك
چي شالت حسين وضمته اجفوفك
أما قصيدته "شليل العوز" والمهداة الى الشهيد ومؤسس الجمهورية العراقية،و التي أرادها معيارا لنزاهة الحاكم ومصداقيته ومن ثم عقد مقارنه بين الزعيم عبد الكريم قاسم وما يمارسه السياسيون في ظل الفساد والتزوير ونهب المال العام وغيرها من الأمور التي باتت تشكل سياقات منحرفة عن الحكم الرشيد.
لو مثلك قيادي أيشيل هم الناس
ويلم كسر الزمان ألفات ويجبره
چا شط الحزن ما داس فج الگاع
لف جرفه بعباته وغير المجرى
بس امنين أجيبك يا گمر مطعون
وأدري أبحضن دجلة اندفنت الگمره
وفي قصيدته التي اخذ الديوان عنوانه منها " جرح النخل ":
لأن إبن الوطن عايش غريب الدار
لا شبر اليملكه ولا له طابوگه
رابي وي الهضم وأرضع ثدايه الخوف
وأتنفس هواي ابريه مخنوگه
وأدگ باب الفرح مليت أدگ الباب
كف عمري وخلص والباب مطبوگه
الشاعر صلاح عواد، بدأ مشواره الشعري في منتصف العقد التاسع من القرن الماضي، وهو عضو جمعية البيت العراقي للشعر الشعبي في بابل، وناشط في حضوره في المحافل الثقافية والمهرجانات الشعرية. كما انه رئيس رابطة الشعراء الشعبيين في السدة، وعضو رابطة الشعراء الشعبيين في المحا ويل.
ورغم أننا قد أعطينا الشاعر فرصة الإبحار في مرافئ الحزن، وأبحرنا معه في تلك الموانئ التي حلقت فيها قوافي الشاعر وأناشيده، لكن ان يتحول الحزن إلى تشاؤم صريح وابتعاد عن الأمل الذي نستشعره في ظلمة دربنا، ولن تغيب عنا نظرة التفاؤل والأمل حتى في أحلك الظروف وأشدها قتامه، فإن هذا يجعلنا ندعو هذه القامة الشعرية، وهذا الصوت الشعري المتألق، لإعادة النظر في مفردات التشاؤم ومحاولة مغادرتها، رغم أننا ندرك جيدا ان اختيار الشاعر مساره ومنهجه ومفرداته، أمور تتعلق بشخصية الشاعر وتفاعله مع الأحداث والوعي والمستوى الثقافي والمعرفي، ونحن لا نشك أبدا، في معطيات الشاعر صلاح عواد، وتمسكه الواضح بمدرسته الشعرية التي لا تتعارض مع حركة التطور التي أسهمت فيها قامات شعرية فتحت الطريق رحبا أمام الشعراء لينهلوا من معين الأمل والتفاؤل والانفتاح على الجديد، وهذا ما أكده الشاعر حامد كعيد في المقدمة التي كتبها لديوان الشاعر، حيث يذكر (أن قادم الأيام كفيل بأن يرينا نصوصا للشاعر صلاح عواد يفوح منها عطر الأمل والتطلع الى مستقبل جميل سيؤول اليه الوطن والناس سوية).
(1،2،3) من مقدمة الديوان.