إضاءات أبعد من حدود قاعة الجواهري / حسام السراي

واضح إن عمل الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، يتطلب إعادة نظر شاملة تتوقف عند المرحلة السابقة بكثير من القدرة على مواجهة الذات؛ بألا يكتفي القائمون على أمر الاتحاد بسماع الأصوات التي تصغي وتصفق لهم دائماً، من باب هذا ما موجود وما ممكن فعله اليوم.
يبتدئ تفكيك شأن هذه المؤسسة وحالها ومستوى ما تقدمه من خطاب وأداء، عند السؤال عن إستراتيجيات عملها وهدفها والجمهور الذي تريد الوصول إليه.
ملامح مفتقرة
لم يستطع الاتحاد تعزيز حضوره ووجوده في المجتمع، بقي- في المجمل- أسير مبناه وفعالياته التي يحضرها جمهور محدد ترتفع وتنخفض نسبته ارتباطاً بقيمة الفعالية والمشاركين فيها، لكن اختراق الأسيجة الاجتماعية هذا ما أخفق فيه اتحادنا أيما إخفاق، وهو ما لم يتحقق حتى مع نقل بعض أنشطته إلى شارع المتنبي بين رواد يوم الجمعة أو إسهام أعضاء فيه بمسيرات وتظاهرات شعبية في بغداد وخارجها.
وربما السبب الأول والأخير لهذه النتيجة، غياب إستراتيجية واضحة في العمل، إذ لم يُجب الفاعلون هناك على تساؤل ملح: هل الاتحاد مؤسسة مثقفين فقط مساحة اشتغالها منحصرة في الوسط الثقافي، أم إنه مؤسسة مثقفين تريد أن تصدر خطابها المعرفي وبصماتها الإبداعية إلى المجتمع؟
كان هذا من أهم الملامح المفتقرة، إذ لا تنمية حقيقية أو احتضاناً للمواهب في ظل غياب الرؤية الإستراتيجية عن بال من قاد العمل، وإلا أين هو صوت الاتحاد في المدارس والجامعات وفي الأوساط الاجتماعية؟ لكنا- سمعنا افتراضاً- إن قيادة اتحادنا ذهبت إلى عشرة مجالس بلدية في بغداد واتفقت معها ووضعت فيها إعلانات عن ورش للكتابة الشعرية والسردية، ولكانت مثلاً نظمت بالتعاون مع جمعية التشكيليين العراقيين ورشة اسمها «رسم وكتابة» المستهدفون من هذه الفعالية أطفال مدارس تجمعهم في أحد المتنزهات وتدعو الفضائيات إلى توثيق ذلك، ان كل هذه الفعاليات التنموية غابت عن عقول الإدارة الحالية «المخضرمة».
دار باسم الأديب
مشكلة أخرى، كنا نتوقع أن تلتفت إليها مؤسستنا، هي أن بإمكانها تأسيس دار نشر تحمل اسم «الأديب العراقي» أو «الأديب»، لتحل واحدة من أكبر معضلات الكتاب، ونعني طباعة الكتاب العراقي وتسويقه وتوزيعه، عبر حصص ثابتة تصل العواصم العربية، وليكن في اجتماعات الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، من التي يحرص رئيس الاتحاد الناقد فاضل ثامر على تمثيل أدباء العراق فيها. هذا أيضاً كان من اخفاقات القيادة الحالية، التي لو استبدلت مهرجانات خمسة أعوام، بكل ما تستلزمه مالياً وتنظيمياً، بتأسيس دار نشر بعيدة عن يد الدولة، لكنا قد امتلكنا حق الحديث عن نقلة نوعية في العمل، ومن ذلك تتضح مفردات الأجندة والإستراتيجيات المتاحة الآن.
مسلك لانتزاع الحق
كان مؤسياً إلى أبعد حد أن نسمع لعشرات المرات من الناطق الرسمي باسم الاتحاد الصديق الشاعر إبراهيم الخياط، هذه العبارة الشهيرة: «ندعو الحكومة والرئاسات الثلاث إلى إنقاذ حياة الأديب الفلاني الذي يرقد على سرير المرض في مستشفى..»، في وقت أهمل الاتحاد مهمته الأساسية والتاريخية بعد نيسان 2003، أولاً في أن يعمل على صياغة قانون جديد له يناسب مرحلة ما بعد صدام، ومن ثم ينطلق ثانياً نحو تصحيح البيئة القانونية للثقافة العراقية التي ليس من المستحيل أن يكثف ضغطه من أجل إقرار قوانين لا تجعل الأدباء في محل الاستجداء الدائم من الدولة.
ومهم هنا أن نذكر إن كل المناشدات لجمع من الرؤساء والمسؤولين لم تثمر عن تحرك ايجابي، فخسرنا العشرات من أسمائنا؛ لأننا لم نستطع مواجهة عدم احترام الساسة الحاليين لقيمة الثقافة العراقيّة، بشيء من التحسب للمسلك الأوحد لانتزاع حق الأدباء، أي المسلك القانوني الذي تجاهلته الجهة النقابية المعنية بإدارة شؤونهم وأحوالهم وأنشطتهم.
ويبدو إن طبيعة علاقة الاتحاد بالدولة ومؤسساتها لا تستقر على حال، في ظل التقلبات التي نلحظها، ويمكن هنا العودة إلى الخطاب الناري الذي وجهه رئيس الاتحاد صوب محافظ بغداد 2010 ضمن حملة «بغداد لن تكون قندهار»، ثم بعد دعم الأخير لمهرجان الجواهري جرى استقباله في حديقة الاتحاد بساحة الأندلس، ليس هذا فقط، ومعه أفراد حمايته الذين صعدوا إلى أعلى المبنى وأسلحتهم تضبط الأمن الشخصي للمحافظ وهو يجلس بين الشعراء! أما حينما نحتاج إلى أن تكون هناك لجنة تتواصل مع الوزارات، مفوضون عنها ينسقون مع وزارة الخارجية بشأن دعوات الأدباء وتسهيل الحصول على تأشيرات دخول، ومفوضون آخرون يكلفون بالتحرك على وزارة النقل ودعوتها إلى الاهتمام بالمبدعين ممن يسافرون للحصول على جائزة أو تمثيل العراق في محفل ثقافي مهم، فلا نجد لذلك أي أثر.
مقر وفروع
ألا يجدر بنا أن نسأل عن دور المقر العام في التواصل مع فروعه في المحافظات، بابل بلا مقر ثابت، وكذلك كربلاء، ولدينا أدباء تتهدم بيوتهم في المحافظات التي سيطر أو ما زال يسيطر عليها «داعش»، والاتحاد لم يتخذ الموقف المطلوب إزاء ذلك، كما لم ينتبه الاتحاديون إلى طقس فعله الكويتيون يؤسس لتقاليد رفيعة، وهو استقبال الفائز بجائزة دولية في مطار البلاد، فعلوها مع سعود السنعوسي ولم نفعلها مع سنان أنطون في زيارته إلى بغداد ومع أحمد سعداوي لدى فوزه بجائزة البوكر، وقائمة طويلة أخرى من الأسماء.
حقيقة وسيرة مؤسفتان
دعنا نعود سريعاً إلى حقيقة مؤسفة هي تقدم سيرة النادي الاجتماعي للاتحاد على سير أخرى مضيئة تقبع خلف جدران قاعته التي تحمل اسم «الجواهري» الكبير، وهذا الزعم ننتزعه من تجارب سابقة ومواقف أبدتها أوساط اجتماعية بعيدة عن نخبة المثقفين والأدباء، فهذا الكيان الثقافي باسمه الكبير وامتداداته في تاريخ الثقافة العراقية المعاصرة، يُراد له أن يختصر في نادٍ اجتماعي وبضعة رواد يأتون إليه عند المساء، ألم يفعل ذلك- بمنطلقات أصولية عدائية- خصوم القيادة المخضرمة للاتحاد حالياً، ولن نتجنى على أحد بالقول إن هذه القيادة هي التي أسهمت في ترسيخ صورة مغلوطة عن بيت الأدباء العراقيين وحاضنتهم الأولى والأخيرة.
لم نسمع مثلاً تفاصيل مماثلة بتدنيها عن النادي الاجتماعي لنقابات الأطباء أو المهندسين أو المحامين، وحدهم الأدباء من تكرس عنهم هذا التصور، بأن لديهم نادياً يمكن لسائق سيارة حمل أن يجلس فيه ويشرب ما تشتهيه نفسه (مع الاحترام لجميع المهن والأشغال).