- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 20 كانون1/ديسمبر 2016 20:28

في هذا اللقاء الذي كنت تحرص على حضوره كلما هاتفك ابو نيسان لاعلامك بالموعد وكنت تضع حضورك في اول اولوياتك.
تشاء الحياة ان نجتمع اليوم لاستذكارك، اصدقاؤك ورفاقك ينتظرون مني ان اتحدث عنك، امسكت القلم لاكتب ووجدتني لا اعرف من اين ابدأ فذكرياتي معك كثيرة وكأني عشت معك العمر كله. ولكنها الحقيقة فالعشرة سنوات التي عشتها معك تعادل ما سبق من عمري وما سيأتي فقد كانت عشرة سنوات مليئة بل ومتخمة بحلو الحياة، على الرغم من مرها ومعاناتنا وصراعنا مع مرضك اللعين، حيث كان التغلب على المرض والانتصار عليه هو محور معركتنا التي تعاهدنا على خوضها سوية وعلى الانتصار فيها وقد نجحنا في جولات كثيرة ولكنه المرض الذي ابى الا ان ينتصر في النهاية . خسرنا الجولة وخسرتك يا جلال ولكنني لم ولن اخسر ذكرياتنا التي ستبقى تنير لي درب حياتي.
ساتحدث للحضور الكرام عن الوجه الآخر لجلال، عن الزوج والاب والاخ والصديق والاهم من ذلك ساتحدث عن الانسان، فصفة الانسان فيك يا جلال لا تعادلها اية صفة اخرى، فالإنسان كان همك الاول والاخر، كنت تفكر في الاخرين اكثر مما تفكر في نفسك ، كانت هموم من يشتكي إليك همومك التي تؤرقك وتذهب بالنوم من عينيك، اتعرفون ايها الاصدقاء ان قلب جلال لم يكن يعرف الكره ابدا وكيف يكون له مكان وقلبه مليء بالحب وروحه ممتلئة بكل قيم الحياة الجميلة والتي لم تترك مكانا لأي شيء اخر.
داخلك قلب طفل صغير لا يعرف من الحياة الا حلوها ، فأنت ان احببت احببت بكل جوارحك وان اردت الحلم لا تحلم الا بما هو جميل ، داخلك نقي كما هي ابتسامتك، كنت عندما تبتسم يبتسم بداخلك ذلك الطفل البريء، لم ار في حياتي انسانا يعيش ابتسامته كما كان جلال. لم تكن تفارقك الابتسامة حتى في احلك الظروف وحتى عندما كنت على فراش المرض كنت امسك يدك لامدك بالقوة وارني اشعر بيدك تجيبني بضغطة واهنة انظر بعدها اليك لارى ابتسامتك تمدني بالتفاؤل والحياة.
كان قلبك يحمل للعراق حبا كبيرا لا يعادله اي حب اخر، وكان حبك يتجسد بطرق كثيرة ، فانت تستيقظ صباحا لتستمع لأخباره وتنام ممسكا بالصحيفة قارئا اخباره وتقضي مساءك تنتظر مواعيد نشرات اخبار العراق ، كان العراق في وجدانك لم تكن جلساتك مع الاصدقاء واقران العمل تخلو من حديث او تحليل او خبر يخص العراق. كنت تتغزل بشوارع وازقة الحلة وتتذكر طفولتك باستمتاع وولع لا يضاهيه الا ولعك وحبك بشوارع بغداد وازقتها فقد كانت العاقولية ودرابينها لديك لا يعادلها شارع الشانزلزيه في باريس، كنت تقول لي انك تعشق حتى سواقي الماء الجاري في درابينها، فيض عشقك هذا رأيته منعكسا على اخوتك واخواتك وحتى اولادك البعيدين كل البعد عن العراق، كنت ارى في اعين اولادك سعادة غامرة وانت تحدثهم بوله عن معشوقك العراق . ماذا علي ان اقول ايضا الحديث كثير يا جلال والذكريات اكثر، ااذكر حرصك على اداء عملك بكل تفان واخلاص، اذكر كيف كنت لا تنام ولا تدعني انام عندما تكلف بمهمة ، كنت تعيش العمل بكل جوارحك ، ااذكر حرصك على الوقت واحترامك له ، تعلمت منك يا جلال الشيء الكثير تعلمت منك حب العمل الاخلاص فيه واتقانه تعلمت احترام الوقت واحترام الاخرين، تعلمت منك حب الحياة، وحب الاهل والاولاد حب الذات والترفع عن الكره تعلمت منك ان اسمع ولا احكم على الاشياء من ظواهرها تعلمت ان استقصي مصدر الخبر ولا اعطي رأيا قبل ان استوثق مصدره.
كنت قد طلبت من جلال قبل فترة وجيزة من مرضه ان يتقاعد ويبدأ بالكتابة فقد كنت احب سلاسة قلمه وقوة ما يسطره على الورق، كان يقول لي وهو يبتسم تعلمي مني لأن هاي الدروس يندفع بيها فلوس، وهي بالفعل كذلك كنت اختلف معه في الراي ونتناقش ويحتد الجدل بيننا الى درجة الزعل ونقسم على ان لا نعود إلى الحديث في السياسة مرة اخرى الا ان "اللي بينا ما يخلينا" كما يقال فحب جلال للسياسة تجعله لا يستطيع ان يصبر اكثر من ساعات يعود بعدها الى سابق عهده، كنت امازحه احيانا واقول بزعل جلال كافي سياسة يمكن انت تحب السياسة والجريدة اكثر مني ، ينظر لي بحب ويقول هذا اكيد مو يمكن، كنت ابتسم في داخلي وانظر اليه باعجاب وحب واحسد نفسي عليه فقد كان رجل حياتي الذي لا يضاهيه احد.
احببت في جلال حبه وتعلقه باولاده واخوته واخواته واولادهم وبناتهم كان لكل واحد منهم مكانه في قلبه فقد كان قلبه يسع الجميع ، كان حبه الاطفال يعلو فوق كل حب كان يتعلق باي طفل يراه ويحلم باحفاد شاءت الاقدار ان يراهم لفترة قصيرة جدا. ساتوقف هنا كي لا اطيل عليكم ولو اني فعلت، الا ان عذري ان الذكريات كثيرة ولا تكفي جلسة واحدة لاستذكارة.
اخيرا ليس بوسعي الا ان اتقدم باسمي واسم عائلة جلال الحاضرة معنا اليوم "عبدالله وصلاح واحمد وعلي ومريم" والغائبة خارج الوطن "فارس وفريدة وامنة" بأسمى آيات الشكر والامتنان للاستاذ مفيد الجزائري وللجمعية العراقية لدعم الثقافة وللاصدقاء والرفاق الحضور لوفائهم ومشاعرهم النبيلة.
ارقد بسلام جلال فانت حاضر في قلبي وقلب اولادك واشقائك وشقيقاتك واصدقائك وتلامذتك ومحبيك وستبقى شمعة تنير لنا الدرب حتى نلتقي
والى ذلك الوقت سنبقى نحبك.
ـــــــــــــ
* عقيلة الفقيد جلال الماشطة