المثاقفة مصدر صناعي جديد على وزن (مفاعلة) من الفعل ثقف الذي يدل على معاني الحذق والفهم وسرعة التعلم ([1]) , اما المثاقفة Acculturation بوصفها مفهوما حديثا فتعني في الكتابات المعاصرة : ((الاخذ والعطاء الثقافي بين الذات والاخر المتعدد))([2]) , وعرفت ايضا بأنها ((عملية التطور الثقافي الذي يطرأ على مستويات المتون الادبية شعرية او نثرية بعدما تدخل جماعات من الناس او شعوب تنتمي الى ثقافتين مختلفتين ولغتين مختلفتين في اتصال وتفاعل يترتب عليهما حدوث تغيرات في الانماط الثقافية الاصلية السائدة في الجماعات كلها او بعضها))([3]). وبهذا فإن مصطلح المثاقفة يرادف مصطلحات اخرى مثل : التبادل الثقافي والتحول الثقافي وتداخل الحضارات .
وقد ظهر هذا المصطلح عام 1885 في حقل العلوم الانسانية في دراسة احد علماء الاجتماع الامريكيين عن الانساق الثقافية للمهاجرين الجدد في امريكا ([4]) .
وبهذا المفهوم فان للمثاقفة وجهين : ايجابي وسلبي, يتمثل الوجه الايجابي في التفاعل المتبادل بين طرفي المثاقفة كما هو الحال في علاقة ثقافتنا العربية إبّان عصور الازدهار الإسلامية حينما تفاعلت تفاعلا ايجابيا مع الثقافات اليونانية والهندية والفارسية فأخذت من تلك الثقافات ما كانت في حاجة اليه وأعطتها الكثير مما عندها ، فيما يتمثل الجانب السلبي للمثاقفة في المثاقفة القسرية التي تنطلق من منطلقات الهيمنة والتبعية ، أي تلك العملية التي تفتقد إلى التفاعل المتكافئ بين طرفي المثاقفة .
ونرى ان الثقافة الغربية المعاصرة ارتبطت بالقوة من أول أمرها ، لذلك فهي غير مستعدة في أكثر الأحوال ان تتنازل عن عرشها لتتبادل مع الآخر الضعيف ثقافته , وقد انسحب ذلك على المفكرين الغربيين أنفسهم الذين طالما تجاهلوا الثقافة العربية فربما لا نجد ((كاتبا او مثقفا او مفكرا أجنبيا يحيل على مرجع عربي او مفكر عربي فيما يكتبون الا في اقل القليل ومثال هذا المستعربة الألمانية ريناته ياكوبي مؤلفة كتاب (دراسات في شعرية القصيدة العربية )الذي لم ترجع فيه على أية دراسة عربية حديثه على كثرتها فيه))([5]) , وأمام هذه الوضعية المهيمنة وغياب الجانب التفاعلي انصرف النقاد العرب بالمقابل الى التركيز على السياقات الداخلية للنصوص الأجنبية مبتعدين عن السياقات الخارجية التي تتمثل في النسيج الفكري الخاص بالنظرية النقدية الغربية وتلك ((الاهداف المحددة جعلت النقاد العرب يعالجون النظرية الغربية بكثير من الوجل بخاصة عند شرحها وتقديمها اذ أصبحوا يخشون إضفاء أي تغيير عليها لكيلا تطالهم تهمة الإساءة في الفهم والتعسف في النقل))([6]) .
________________________________________
([1]) ينظر ، لسان العرب , ابن منظور: 1/492 .
([2]) العلاقة مع الغرب من منظور الدراسات الانسانية , مؤتمر كلية الاداب ,جامعة اليرموك 2007, عالم الكتب , اربد , الاردن , ط1 , 2009 : 335 .
([3]) عتبات القول , حبيب بو هرر , الاردن , ط1: 12 .
([4]) ينظر ، عتبات القول : 12 .
([5]) العلاقة مع الغرب من منظور الدراسات الانسانية : 338 ـ 339 .
([6]) المرجعيات في النقد والادب واللغة , ابحاث مؤتمر النقد الدولي الثالث جامعة اليرموك عام 2010 : 2/553 .