د. صالح ياسر يتناول في ندوة جماهيرية باستوكهولم ..مستجدات الوضع السياسي والانتخابات البرلمانية القادمة في العراق

 

طريق الشعب - خاص
بحضور جمهور واسع من ابناء وبنات الجالية العراقية، استضاف نادي 14 تموز الديمقراطي العراقي في ستوكهولم ورابطة المرأة العراقية في ستوكهولم الدكتور صالح ياسر عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في ندوة سياسية جماهيرية عامة حول "آخر تطورات الوضع السياسي والانتخابات البرلمانية القادمة في العراق"، وذلك يوم الجمعة المصادف 31 كانون الثاني 2014 وعلى قاعة النادي في آلفيك في العاصمة السويدية ستوكهولم.
في بداية الندوة رحب الأستاذ حكمت حسين سكرتير النادي، بالحضور الكرام، وبالدكتور حكمت جبو، الوزير المفوض في سفارة جمهورية العراق في ستوكهولم، وبالأستاذ المحاضر الدكتور صالح ياسر. وبعدها قدم ورحب الدكتور طالب النداف رئيس النادي، بالضيف المحاضر، ذاكرا سيرته الذاتية بشكل مختصر. وبعد ان شكر النادي والرابطة على هذه الاستضافة، قدم الدكتور صالح ياسر عرضا تحليليا مركزا فيه على تطورات الاوضاع السياسية في البلاد والانتخابات البرلمانية القادمة والمهمات المنتصبة امام قوى التحالف المدني الديمقراطي.
ففيما يتعلق بالوضع السياسي الراهن في العراق اشار المحاضر الى ان هذا الوضع معقد، بل بالغ التعقيد ومفتوح على احتمالات عدة، متحدثا عن سماته الاساسية في الفترة الراهنة. وأشار في البداية الى ان البلاد تمر في ازمة عميقة مؤكدا على ضرورة وضع هذه الازمة في سياقها الصحيح بالعودة الى عام 2003 وسقوط النظام الدكتاتوري والأسس التي قامت عليها العملية السياسية، بالاستناد الى نظام المحاصصات الطائفية - الاثنية. فهذه المحاصصة، والطائفية السياسية، التي جرى تكريسها في عملية اعادة بناء الدولة العراقية الجديدة، هي أساس المشكلة وجذرها الرئيسي. وأكد استمرار تعمق الأزمة حيث لم تعد مجرد ازمة حكومة او ازمة علاقات بين المتحاصصين فقط. بل هي ازمة متعددة الصعد: اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وأمنية ... الخ. وبهذا المعنى نحن امام ازمة نظام المحاصصات الطائفية – الاثنية الذي قاد البلاد الى ما هي عليه اليوم، وتشكل الازمة السياسية احدى تمظهرات ازمة النظام وليست الوحيدة. وأكد المحاضر ان كل القوى المشاركة في السلطة، والتي تقاسمت وتتقاسم الحكم اليوم، مسؤولة عما آلت إليه الأوضاع، مضيفا ان حجم مسؤوليتها يتناسب مع أهمية الموقع الذي تحتله في الدولة والسلطة.
وبشأن الوضع الامني أكد المحاضر على ان تفاقم الازمة البنيوية وعدم التوصل الى حلول عقلانية للمشكلات التي تواجه البلاد وجد انعكاساته على الملف الامني وزاده توترا واشتعالا، مستعرضا معالم الوضع الامني وعناصره الجديدة. فقد شهدت البلاد في الاسابيع الماضية تطورات خطيرة وتداعيات مثيرة للقلق، تمثلت في اقدام قوى الارهاب على عمليات نوعية. وبين المحاضر ان ما يحصل عشية انطلاق الحملة الانتخابية ليس عمليات ارهابية متفرقة، بل نحن امام مخطط تصعيدي وتكتيكات جديدة وما يميزها ان زمام المبادرة بيد الإرهاب والذي لا يخفى هدفه المتمثل في تأجيج المشاعر الطائفية والاثنية ودفع البلاد مجددا الى أتون حرب طائفية تذكرنا بالأيام السوداء خلال عامي 2006 و 2007.
ثم توقف الدكتور صالح ياسر عند ما جرى من حراك وتفاقم للإحداث في بعض المحافظات وتداعياتها. واستعرض المحاضر موقف الحزب من هذا الحراك، مشيرا الى تأكيده منذ البداية على ضرورة التمييز بين المطالب المشروعة وغير المشروعة، حيث ايدنا المطالب المشروعة وطالبنا بالاستجابة العاجلة لها، وحذرنا من التعامل العسكري الأمني المجرد مع هذا الحراك. ومنذ البداية ايضا نبهنا الى ان التباطؤ والتلكؤ في تحقيق مطالب المتظاهرين المشروعة سيفسح المجال للإرهابيين والمتطرفين في تزعم هذه المرحلة وبالتالي تصعيد التوتر وصولا الى الصدام المسلح وبالتالي تضاءل فرص التوصل الى حلول سلمية. وها هي احداث الانبار الأخيرة تأتي لتأكيد صحة رؤية الحزب لمسار تلك الاحداث وتطوراتها. وبعدها قدم المحاضر لوحة تفصيلية لما يجري هناك والقوى المنخرطة في الصراع، وطبيعة المخطط عموما، رابطا بين " تمدد " (داعش) ونقل بعض من نشاطها للعراق وبين ما يجري في سوريا من صدامات بينها وبين المعارضين الآخرين ودعم (داعش) للمسلحين في العراق، اضافة الى رهانات بعض القوى الاقليمية. وارجع تعاظم نشاط المجاميع الإرهابية، وتمكنها من بناء قواعدها البشرية واللوجستية، وبالتالي صعوبة مواجهتها والقضاء عليها، الى أسبابٌ عديدة، من بينها بل وأبرزها هو انشغال القوى المتنفذة بالصراعات السياسية على المصالح والنفوذ والثروة. وأضاف ان تطورات الاحداث المتسارعة حاليا في محافظة الرمادي عموما والفلوجة خصوصا تركت تداعياتها على المشهد السياسي العراقي وهو المتوتر والمعقد اصلا ودفعت بالتالي الى تباينات واضحة في مواقف مختلف الاطراف من تلك الاحداث وعمقت التناقضات سواء فيما بين الكتل المتصارعة من جهة، وداخل تلك الكتل من جهة اخرى. وخلص الى ان هذا التشظي في مواقف القوى السياسية سيترك تأثيره على تطورات الاحداث في البلد وهي المتوترة اصلا.
واختم د. صالح ياسر حديثه حول هذه النقطة مشيرا الى ان موقف الحزب الشيوعي العراقي من الارهاب ليس محايدا ولا يمكن ان يكون كذلك ابدا ذلك لان قوى الارهاب مهما تباينت في بعض التفاصيل فهي حاملة لمشروع ظلامي استبدادي ديكتاتوري. وفي ضوء ذلك نحن داعمون لكل جهد يستهدف الارهاب. وبالمقابل أكد على ان الاكتفاء بالجهد العسكري لمكافحة الارهاب وقواه، على أهميته، غير كاف بل ينبغي ان يقترن باتخاذ جملة من التدابير الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإعلامية والثقافية، والابتعاد عن كل ما يؤجج روح الانتقام والمشاعر الطائفية انطلاقا من إيماننا بمشروع بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية. واختتم القول بان احد المفاتيح الاساسية للقضاء على الارهاب وتجفيف منابعه وقص اجنحة تأثيره هو تلبية مطالب الناس .. فعدم تلبيتها يعني توفير الفرصة لقوى الارهاب للانتعاش.
ومن جهة اخرى اشار د.صالح ياسر الى انه ورغم عمق الازمة البنيوية وتعدد مستوياتها، ورغم تفاقم الاوضاع الامنية وتصاعد نشاط القوى الارهابية نرى ان السلطة تعتمد ممارسات وتطبق سياسات تزيد المشهد السياسي اشتعالا وتفاقم حالة الاستعصاء المزمنة. وأشار الى مثاليين حديثين شهدناهما خلال الايام الاخيرة تمثلا في الاعلان عن تشكيل محافظات جديدة وقضية "البترودولار"، وهما حدثان بي نّ مسار الاحداث ان تلك القرارات بشأنهما كانت متعجلة ولم تأخذ بالاعتبار الظروف الملموسة ولا ترتيب الاولويات.
وبعد استعراضه المكثف لسمات الوضع السياسي وما يحمله من تعقيد وتشابك ومخاطر وآفاق مفتوحة على مختلف الاحتمالات، اشار د.صالح ياسر الى انه من حق المرء ان يتساءل عن الجذور والأسباب الحقيقية لكل ما جرى ويجري منذ 9/4/2003 وعبر كل التجارب الانتخابية ، ولماذا أعطت التطورات السياسية التي عرفتها البلاد منذ والاستشارية، ديمقراطية ناقصة، مشوهة، مبتورة؟ هل يكمن الامر في " عدم خبرة " القوى المتنفذة ام بعوامل نفسية تتعلق بمزاج من هم على راس السلطة . . ا م بماذا ؟ وما هو السبب (أو الأسباب) الذي جعل التشكيلات السائدة في بلادنا، تعاني من ازمات وحالات استعصاء تتناسل على الدوام وعاجزة تاريخيا عن مواجهة مسألة الديمقراطية وبناء دولة مدنية ديمقراطية؟
وفي معرض الاجابة على هذه الاسئلة والأسباب لخص المحاضر الامر بقضيتين:
• الاولى تتعلق بطبيعة وبنية نظام الحكم في العراق والتوازنات التي تحكمه والتي تجعل من السلطة غير قابلة للتداول بالمعنى الديمقراطي الصحيح. جذر المشكلة هنا هو ان الديمقراطية تقوم اساسا على فكرة المواطنة في حين ان النظام السياسي بعد 2003 بني على اساس الهويات الفرعية.
• والثانية تتعلق بطبيعة الاقتصاد باعتباره اقتصادا ريعيا ومتخلفا وأحادي الجانب.
وهنا توقف د. صالح ياسر عند النقطة الثانية شارحا بإفاضة طبيعة الاقتصاد الريعي وسماته الاساسية. كما تحدث عن الاثار والتداعيات والأبعاد الاقتصادية – الاجتماعية للاقتصاد الريعي في العراق. واستنتج في ختام حديثه حول هذه النقطة ان الثروة النفطية في بلادنا (كما في بقية البلدان النفطية) توفر نقيضا لتطور الديمقراطية ومصدرا اساسيا لتفشي الاستبداد، بفعل قدرة الدولة (المجتمع السياسي) على اختطاف وإخضاع المجتمع المدني بوسائل متنوعة، تحدث عنها بالتفصيل.

وأشار الى القوى التي استفادت من الطبيعة الريعية للاقتصاد العراقي. فقد نما ف ي إطا ر ذل ك فئة بيروقراطية مترسملة متموضعة في "الشرائح" البيروقراطية الحكومية والسياسية والعسكرية والأمنية العليا. كما تنامى دور البورجوازية الطفيلية. وخلال هذه الفترة نشأ التحالف غير "المرئي" بين " النخبة " البيروقراطية وبين الفئة الطفيلية في إطار ديناميات العلاقة الزبائنية بينهما. هذا اضافة الى تعاظم دور الكومبرادور ، لنصبح اما م تحالف ثلاثي الأبعاد: طفيلي-بيروقراطي-كومبرادوري. وبالمقابل تدعمت، وان بمستويات متفاوتة، مواقع المؤسسة الامنية والعسكرية وكبار المسؤولين فيها. ونبه المحاضر هنا الى حدوث " تلاحم متين " بين جناحي البيروقراطية، المدني والعسكري، وسيكون لذلك تأثير كبير بل وحاسم على اتجاهات التطور التي ستشهدها البلاد خلال الفترة التالية. اذ وكما اكدت التجربة فان تنامي الطابع الريعي للاقتصاد نتيجة تدفق الريوع النفطية الهائلة سيترافق مع تنامي النزعات التسلطية ، في ظل ضعف وهشاشة المؤسسات الديمقراطية.
وفي النقطة الثانية من حديثه، توقف د.صالح ياسر عند الانتخابات البرلمانية القادمة والمهمات المنتصبة امام القوى المدنية والديمقراطية مشيرا، في البداية، الى ان الفترة الاخيرة وعشية التحضير للانتخابات لوحظ تفاقم الخلافات والتقاطعات بين الكتل المتنفذة بل حتى داخل الكتلة الواحدة، وتمثل ذلك في الحراك الواسع، افقيا وعموديا، والذي شمل معظم الكتل الكبرى، وأدى الى بروز استقطابات في داخلها، وأفضى هذا الى انشطارات وخروج بعض القوى منها، كما تصاعدت الخلافات فيما بينها، اضافة الى اعتماد البعض تكتيك الابقاء على الكتلة الكبيرة مع تأسيس تشكيلات صغيرة ذات "طابع مدني" بهدف التأثير على الناخبين لاجتذابهم لصالح تلك التشكيلات وعدم التصويت للقوى المدنية الحقيقية.
لهذا وفي ضوء هذه اللوحة السياسية الاجتماعية المعقدة بفعل جملة العناصر والسمات التي جرت الإشارة إليها أعلاه، وبفعل ما جرّه المشروع الطائفي على البلاد من أزمات، اشار المحاضر الى ان هناك تطلع يشق طريقه وسط قطاعات متنامية من الناس، يؤكد انشداده إلى إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية اتحادية ومدنية عصرية. وعلى هذا الطريق، وبعد مشاورات واسعة، أعلن عن اقامة تحالف مدني واسع هو التحالف المدني الديمقراطي، ما عدا محافظة البصرة (الائتلاف البديل المدني المستقل)، والنجف باسم " تحالف النجف الديمقراطي".
وشرح د. صالح ياسر مضمون ومفردات هذا التحالف مبينا انه تحالف عابر للطوائف والاثنيات يراهن على الوطنية العراقية، ويضم انصار الدولة المدنية (أي تلك الدولة التي ترتكز الى فكرة المواطنة، دولة مواطنين احرار وليست دولة رعايا، بمعنى عدم التمييز بين الناس على اساس الدين او المذهب او الجندر او الطائفة او الوضع الاقتصادي – الاجتماعي .. الخ)، وأنصار الديمقراطية، بشقيها السياسي، والاجتماعي – العدالة الاجتماعية. وأكد المحاضر على ان هذا التحالف ضروري، وتكمن ضرورته بكونه ناجم عن السعي لخلق توازن سياسي جديد يساعد على كسر التوازن الحالي القائم على الاستقطاب الطائفي بتقديم بديل وطني وديمقراطي في الوقت نفسه.
وفي هذه المرحلة ولحين انطلاق الحملة الانتخابية رسميا بالموعد الذي ستحدده المفوضية العليا للانتخابات أكد د. صالح ياسر على ضرورة التخطيط لفعاليات ونشاطات في اوساط الجاليات العراقية في الخارج، تصب في نهاية المطاف بالدعاية لقوائمنا والترويج لمرشحينا وخصوصا بعد ان تم الانتهاء من تشكيل القوائم وتقديمها لمفوضية الانتخابات. وهنا لابد من الاشارة الى انه لا يمكن تحقيق نجاحات على هذا الصعيد دون التخطيط السليم وتوظيف كافة القدرات والإمكانيات، ورص الصفوف، وان تكون مصلحة التحالف المدني الديمقراطي ودوره ومكانته وسمعته وضمان تمثيله في مجلس النواب القادم اولوية الاولويات في النشاط سواء داخل الوطن او خارجه على حد سواء.
ولخص د. صالح ياسر حديثه حول هذه النقطة بالقول ان انجاز المهمات اعلاه يستلزم جملة اجراءات من بينها:
- التعاون والتنسيق بين قوى (التحالف المدني الديمقراطي)، من خلال بناء علاقات مرنة وواسعة على المستوى
القاعدي.
- القيام بأوسع نشاط جماهيري، انطلاقا من حقيقة ان لا فاعلية لأي توجهات، إذا لم نحولها الى نشاط جماهيري
واسع، ذي شعارات ومطالب واضحة وملموسة.
- الاسهام الفعال في تطوير وتعزيز نشاط قوى وشخصيات التيار المدني الديمقراطي، والسعي لجعل التيار قوة فعالة وحيوية من قوى شعبنا الوطنية الأساسية، مع مواصلة تحسين وتطوير العلاقات الوطنية مع مختلف القوى والأحزاب اليسارية والوطنية، التي تشاركنا النظر الى مصالح الشعب والوطن باعتبارها الاولوية الأولى والتي لا تعلوها أية مصالح.
بعد الاستراحة وتقديم المعجنات والحلوى، قدم الحضور العديد من الأسئلة والاستفسارات والمداخلات. ومن جهة الدكتور حكمت جبو، قدم مداخلة واجاب على الاستفسارات التي طرحها بعض الحاضرين حول الانتخابات البرلمانية القادمة والاستعدادات لها ودور السفارات العراقية في الخارج في هذه العملية. وبعدها أجاب د. صالح ياسر مشكورا على استفساراتهم بتقديم بعض التوضيحات التفصيلية. وفي الختام تم شكر الاستاذ المحاضر وتكريمه بباقة من الزهور.