بعد ان وصل المخاض إلى أوجه حول الفصل او الدمج بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس، اعلن الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي يوم الجمعة الماضي عن اتفاق الاحزاب السياسية على الفصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية مشيرا الى ان التوصل الى ايهما الاسبق لم يحسم لحد الآن وان القيادات الحزبية اتفقت على العودة الى كوادرها للتشاور على ان تعقد هذا الاسبوع جلسة نهائية لتقرير المواعيد الانتخابية.
وحددت الهيئة المستقلة للانتخابات يوم 23 من الشهر الجاري كموعد رسمي لانطلاق تسجيل الناخبين ما يلزم الاطراف السياسية تحديد تاريخ الانتخابات قبل ذلك بمصادقة المجلس الوطني التأسيسي على تاريخ الانتخابات .
وكان من شأن الخلافات السياسية بين الاحزاب المشاركة في الانتخابات و التجاذبات التي وصلت اوجها بين من يريد التزامن ومن يرجح الفصل، عرقلة العملية الانتخابية و تأخير موعدها والخروج عن المسار الصحيح نحو صناديق الاقتراع .
فقد كان حزب النهضة الذي يمثل الاغلبية في البرلمان يفضل التزامن في الانتخابات مقدما عدة تبريرات منها تمديد المدة الانتخابية واحتمالية تأثيره على الوضع الامني والتكلفة الباهظة في حال الفصل، في حين ترى الاحزاب الاخرى وعلى رأسها حركة نداء تونس المنافس الاكبر لحركة النهضة ان الفصل بينهما يوفر رؤى اكثر شمولا في خلق مدة زمنية كأن تكون اسبوعين او ثلاث اسابيع تتيح للمواطن التونسي الفهم والوضوح لاجراء عملية التصويت بشكل ادق وضوحا و شفافية .
ويعد التصديق على القانون الانتخابي في شهر ايار الماضي و اسقاط المادة 167 من القانون الانتخابي المثيرة للجدل والمتعلقة بعزل الرموز السياسية للنظام السابق خطوة مهمة نحو الانفراج السياسي للبلاد الا ان لغة التخاطب السياسية وضعت عدة عقبات امام سير البلاد نحو آفاق اوسع للخروج من عنق الزجاجة .
من جانب آخر اكد خبراء القانون في تونس ان اجراء الانتخابات الرئاسية قبل التشريعية نص عليه الدستور الجديد وعكس ذلك يعد خرقا للدستور باعتبار ان هناك اجراءات تنفذ لتشكيل الحكومة بعد اسبوع من اعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية ، و اشاروا الى انه الخيار الافضل لتونس ، فالشعب التونسي ينتظر التغير على مستوى رئيس الجمهورية ، وان انتخاب رئيس جمهورية جديد سيكون له وقع ايجابي على عموم الشعب بعد فترة طويلة برز خلالها فقدان الدولة التونسية لرئيس تتوفر فيه المؤهلات والصفات المطلوبة ، من ناحية اخرى فان البدء بالانتخابات الرئاسية يوفر للناخبين صورة واضحة للمشهد السياسي الذي ستقبل عليه البلاد من خلال الشخصيات التي ستتنافس على منصب رئيس الجمهورية .
ويرى المحللون والخبراء في القانون ان المرور الى الانتخابات التشريعية بعد ان ينتخب رئيس الجمهورية بصورة مباشرة من الشعب له مردود ايجابي في عملية التصويت للانتخابات التشريعية التي تجعل المشهد السياسي امام الناخب اكثر وضوحا واقل تعقيدا ، و المؤمل ان يفضي الى تركيبة سياسية للبرلمان المقبل افضل مما حصل مع المجلس التأسيسي الوطني الذي يبقى نموذجا سيئا لم يحقق ما كان يصبو اليه الناخبون عام 2011 ، بينما جاء رأي آخر لمحللين آخرين في القانون ، انه حتى لو تم اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في نفس اليوم فان التزامن لن يكون مطلقا ، لانه من الصعب ان يفوز احد المرشحين بالانتخابات الرئاسية من الدورة الاولى ، وسيتم اللجوء الى دورة انتخابية ثانية ، وهذا التزامن لا يخلو من عيوب كثيرة .
ويبقى الصراع محتدما بين التزامن والفصل في الانتخابات ، على ان سبق الانتخابات الرئاسية هو الارجح كفة لما فيها من احترام لروح الدستور وعدم خرقه ، وبما يزيل الغموض عن عموم الناخبين ، ويسهل رؤيا المشهد السياسي المقبل ، على ان اهم عيوب الجمع بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية كونها لن تكون مطلقة وستملأ الواقع ضبابية تحفها العديد من الصعوبات و الاشكاليات .
وفي قراءة أخيرة للمشهد الانتخابي بعد أن كانت هناك ثلاث فرضيات ، الأولى تدعمها حركة النهضة فارضة نفسها بقوة لإجراء الانتخابات القادمة تزامنا مع الانتخابات التشريعية والرئاسية في دورتها الأولى ، وهذه النظرية اسقطتها الاحزاب المشاركة بالعملية الانتخابية ضمن الحوار الوطني وفق قرار سياسي اجتمعت عليه ، بقيت فرضيتان وهما الفصل بين الانتخابات عبر سبق الانتخابات الرئاسية تسانده عديد الاحزاب على غرار نداء تونس والجمهوري والتحالف الديمقراطي والتكتل وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية ، والافتراض الثالث هو فصل الانتخابات على ان تسبق الانتخابات التشريعية التي يدعو اليها كل من حزب المسار والجبهة الشعبية.
من جانب آخر اعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار ان عملية تسجيل الناخبين ستنطلق اعتبارا من يوم 23 من الشهر الحالي ، حيث دعت الهيئة في وقت سابق مكونات المجتمع المدني للترشح بغية المشاركة في الحملة التحسسية التي ستعمل بالتنسيق مع الهيئات الفرعية المستقلة للانتخابات لتسجيل الناخبين للانتخابات الرئاسية والتشريعية لعام 2014 ، على ان تكون المشاركة عن طريق جمعية، منظمة، تنسيقية، ائتلاف جمعياتي ، كما يمكن ان تكون المشاركة في الولاية او الولايات التي تنشط بها هذه الهياكل او في الولايات التي يمكن تامين العدد الكافي من الاعضاء لتغطيتها، مؤكدا ان الهيئة لا يمكن ان تنطلق في مهامها ومنها تحديث سجل الناخبين دون توفير اطار وسند قانوني بالنظر الى ان القانون الانتخابي لم يدخل حيز التنفيذ ولم يتم ختم القانون من قبل رئيس الجمهورية كي تباشر الهيئة بصفة عملية .
واشار صرصار الى ان الهيئة ارسلت تقريرا مفصلا للاحزاب السياسية المشاركة بالانتخابات حول الاجراءات التقنية و اللوجستية و وضع السيناريوهات المحتملة في حال اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن او الفصل مع دراسة جميع الاحتمالات وتحديد المعطيات الخاصة لكل مرحلة انتخابية لمساعدة المشاركين في الحوار الوطني على التوافق بشان اختيار نوعية الانتخابات .
كما اوضح صرصار ان تقرير الهيئة تضمن التكلفة المالية التي في حال تزامن الانتخابات ستكون اقل بكثير مما لو تكون منفصلة والتي تقدر ب 100 مليون دينار تونسي وهو رقم تقريبي تدخل فيه جملة العناصر سواء ما تقوم به الحكومة او مجانا .
وفيما يتعلق بالجانب الامني اجتمع رئيس الحكومة مهدي جمعة مع رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقيادات الامنية والعسكرية لوضع الآليات اللازمة لاجراء الانتخابات بأفضل الظروف، مشيرا الى ان العمل بصورة استباقية يمنح الوقت الكافي لتفادي الاشكاليات التي وقعت للدورة الانتخابية السابقة عام 2011.
وتعهد جمعة في آخر ندوة صحفية بتوفير كافة الاجراءات اللازمة للانتخابات قبل حلول نهاية العام الحالي قائلا: ان من اولويات الحكومة انهاء آخر مرحلة من الانتقال الديمقراطي والتي نأمل ان تكون اوفر حظا و احسن انجازا لعام 2014 والتي نسعى لان تكون انتخابات نزيهة وشفافة وغير مطعون فيها ومن الطبيعي ان الهيئة العليا للانتخابات هي المسؤولة عن عملية التنظيم الا ان واجبنا حيالها الاعانة والدعم وهذا ما نعمل عليه .
من جانبه يتطلع الشعب التونسي بعد مضي ثلاث سنوات من الثورة الى محطات انتخابية نموذجية يختار فيها ممثليه بكل حرية ووضوح في السلطتين الرئاسية والتشريعية بعد ان تم الحسم لصالح الفصل بينهما .