حمدي فؤاد العاني
مرت تسعة مؤتمرات للحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه عام 1934، وتضمنت هذه المؤتمرات برامج الحزب والنظام الداخلي. وعادة ما تكون برامج الحزب شاملة لكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والمسألة الزراعية واحدة من النقاط الاساسية لبرامج الحزب التي تعمد الى تبيان موقفه من مصالح الجماهير الفلاحية، ومواقفه من مسألة الارض والتطورات التي رافقت مسيرتها خلال عمر الحزب النضالي. وحزبنا الشيوعي له باع طويل في الدفاع عن مصالح الفلاحين، على اعتبار أن الفلاحين، يكونون الركيزة الثانية بعد الطبقة العاملة، في بناء الغد الاشتراكي، ولذلك اعار حزبنا أهمية خاصة لمصالح الفلاحين، ومنذ نشأته عام 1934. وكان برنامج الحزب في مؤتمره الأول عام 1945 واضح المعالم، ويتقاطع في جوهره مع الاحزاب الأخرى، والبرنامج كان واضحاً في تحديد موقفه من الملكية الزراعية. وضع (الميثاق الوطني) الذي جمع الاهداف التي يعمل الحزب من اجلها انذاك، المطالبة بحل المشاكل الزراعية في الريف وفق ثلاثة أسس، اثنان منها يندرجان في اطار النضال لتنمية الاقتصاد الوطني اذ دعا:
1- الى النضال من اجل رفع الانتاج الزراعي بترقية الزراعة ومحاربة العوامل التي تؤخر تطورها، ولكن دون أن يدخل في تحديد هذه العوامل.
2- النضال لالغاء احتكار الشركات الاجنبية وسيطرتها على تجارة التمور، والشعير، والمنتجات الزراعية بصورة عامة. وضد الاثمان الاحتكارية التي تفرضها للمنتجات الزراعية والبحث عن اسواق، ووسائط نقل لتصريف هذه المنتجات، بعيداً عن هيمنة الشركات الاجنبية.
3- اما الاساس الثالث، فكان يتعلق بصلب المشكلة، ونعني بها، ملكية الارض، وما يتفرع عنها من علاقات. وقد حدد الحزب بشأنها عام 1945 مطالبه في الآتي:
1- النضال لوقف نهب أراضي الفلاحين وملاكي الارض الصغار، والمحافظة على ملكيات (التعابة).
2- ايقاف نهب الاراضي الأميرية، او منح الارض باللزمة للشيوخ المتنفذين.
3- توزيع الاراضي على الفلاحين مباشرة، بقطع صغيرة، وبدون بدل.
4- تزويد الفلاحين بالقروض، والبذور، لانقاذهم من نهب السراكيل والمرابين.
5- الغاء ما يفرضه الشيوخ والسراكيل على الفلاحين، من اتاوات واستقطاعات لا قانونية.
6- تأسيس التعاونيات بين الفلاحين لانقاذهم من نهب التجار.
وبعد عام ونصف، صاغ الحزب برنامجه، من خلال الهيئة المؤسسة لحزب التحرر الوطني، (بقيادة الرفيق محمد حسين الشبيبي). عند طلب الاجازة القانونية، وكان اكثر ملموسية حيث اضاف الى مواد برنامج الحزب النقاط الآتية:
1- الغاء قانون العشائر، وقانون حقوق ووجبات الزراع .
2- منع الشركات الاجنبية من مصادرة محاصيل الفلاحين باثمان ضئيلة، وتيسير السوق لهم، لبيع منتوجاتهم باثمان معقولة لسد حاجاتهم.
3- تقليل الفوارق بين المدينة والقرية، وتيسير الحياة والعيش والتمتع لسكان الريف.
وظل الحزب الشيوعي يؤكد بين الحين والآخر، طلبه الاستراتيجي، في القضاء على الملكية الخاصة الكبيرة للارض، وعلى أهمية تطمين حاجة الفلاحين الى الارض. فقد نصت المادة التاسعة من (الميثاق الوطني) للحزب الذي صادقت عليه، اللجنة المركزية في اوائل اذار 1953، على مصادرة مقاطعات الاقطاعيين والملاكين الكبار وتوزيعها، هي وجميع الاراضي الأميرية، بقطع صغيرة على الفلاحين دون بدل. وفي البرنامج الذي اقترحه الحزب في أيار 1955 على القوى الوطنية في اطار مسعاه الى اقامة الجبهة الوطنية، دعا الى (هدم الملكيات العقارية الكبيرة وتوزيعها على الفلاحين، بقطع صغيرة، وارجاع الاراضي المنهوبة الى أصحابها، والغاء الديون الاقطاعية ومنع الربا، والغاء التشريعات التي تبيح نهب الارض. سنت ثورة 14 تموز، قانون الاصلاح الزراعي في 30/ 9/ 1958 وبموجبه، تم تحديد الملكية الزراعية، الحد الأعلى، والحد الأدنى من الاراضي التي تسقى بالواسطة (المروية) او الاراضي الديمية كما حدد المساحة الزراعية التي تمنح للفلاحين لكلا الحالتين، وعلى الرغم من نواقص هذا القانون. فأن حزبنا اتخذ موقفاً ايجابياً تجاهه، رغم تحفظاته على حدود الملكية والتعويضات، وتسديد اثمان القطع الزراعية، من الفلاحين، ومنح المستولى على أرضه حق اختيار قطعته، وعدم الاستيلاء على المضخات والمستلزمات الزراعية التابعة للمستولى على أرضه. كل هذه العوامل ادت الى تلكؤ تنفيذ القانون، وبالتالي اغتنام الفرصة للانقضاض على القانون، والتآمر على السلطة، وهذا ما حدث فعلاً، بعد عام 1959. وارتداد الثورة عن مسيرتها التقدمية، كما لعب اولاد الملاكين والاقطاعيين والعناصر الرجعية والمتضررين من هذا القانون والقوانين الأخرى، دورهم في تخريب مؤسسات الدولة، ومن خلال المواقع التي كانوا يحتلونها، كمدراء عامين، وأمراء في القوات المسلحة والأجهزة الامنية والاستخباراتية، وأخيراً تهيئة انقلاب 8 شباط الاسود والاشتراك الفعلي فيه. لقد طالب الحزب، بالاستيلاء على ملكية الاقطاعيين والملاكين وفق مفهوم، الاصلاح الزراعي الجذري، وتفتيت الملكيات الكبيرة، وتوفير الاراضي لتوزيعها على الفلاحين. ومن اولى الخطوات المطلوبة، التي يتعين على الاصلاح الزراعي الشروع بها، هي مصادرة أراضي الاقطاعيين والسياسيين الذين كانوا سند النظام البائد، والذين هم ايضاً اكبر الاقطاعيين والملاكين دون تعويض. أما بشأن، مسألة التعويض عامة، فان الحزب اكد أن لامبرر، لانهم استحوذوا على الارض وكانوا قد استولوا عليها بسبب نفوذهم او خدمتهم للاستعمار والبلاط والزمر الخائنة او الرشوة والافساد والاحتيال، واذا كان لابد من دفع تعويض، فيجب ان يكون لاولئك الملاكين الذين لم يثبت تعاونهم مع النظام البائد وينهبون فلاحيهم، وفي جميع الاحوال يجب ان لا يتعدى التعويض مساحة معينة تحدد بالقانون، كأن لا تتجاوز المساحة المستحقة للتعويض (1000) مشارة.
كان مجموع ما تم الاستيلاء عليه من الاراضي الزراعية حتى 30 تموز 1968، وبموجب قانون الاصلاح الزراعي الاول6.944.251 مليون دونم وفي عام 1969 ولغاية 1979 تم الاستيلاء والتوزيع بحدود 6.363.845 مليون دونم.
لسنا بصدد شرح كل ما يتعلق بقانون الاصلاح الزراعي، انما اردنا تبيان موقف الحزب من المسألة الزراعية، على ضوء برامجه التي اقرت في المؤتمرات الحزبية منذ عام 1945.
المؤتمر الثاني والثورة الزراعية
يؤكد مرة أخرى مؤتمر الحزب الثاني المنعقد عام 1970 في فصله السادس تحت باب الثورة الزراعية الفلاحية.
ان في مقدمة القضايا الاساسية في الثورة الديمقراطية هو تحرير الفلاحين، اكثرية الشعب العراقي (آنذاك) من العبودية الاقطاعية والقبلية ومن الجهل والأمية والاستغلال الطبقي والاقطاعي الربوي ومن الفاقة المذلة لكرامة الانسان.
ويورد البرنامج فقرة اخرى مهمة تقول:
ان حزبنا يعمل على تنظيم الفلاحين الكادحين ويقودهم للاستيلاء على اراضي كبار الاقطاعيين ووضعها تحت ادارة هيأة منتجين من جماهير الفلاحين في المقاطعة لتقوم بتوزيعها بلا تعويض ودون بدل.
وتوقف المؤتمر عند القانون رقم 117/1970 واعتبره خطوة الى الامام بالمقارنة مع القانون الاول ويلاحظ انه خفض الحدود العليا للملاكين وفق مقاييس اكثر دقة، روعيت فيها انواع الأراضي، وكذلك وضع ما يقارب 20 من المئة من الاراضي المزروعة تحت تصرف الاصلاح الزراعي، والغى مبدأ التعويض وبدل المثل ووضع قواعد لا بأس بها لحل مشاكل المغارسين ولكن القانون كما يقول البرنامج؛ لا يزال بعيدا عن الاصلاح الزراعي الجذري لابقائه ما يقارب من ثلث الارض المزروعة بحوزة الملاكين. الأمر الذي يؤدي الى الحفاظ على بقايا العلاقات الاقطاعية في الريف.
ويطرح برنامج الحزب مجموعة من المطالب ضمن اطار الاصلاح الزراعي الجذري الشامل، وفي مقدمتها تخفيض الحد الاعلى الى (120) دونما في الاراضي المروية متوسطة الخصوبة و(300) دونم في الاراضي الديمية متوسطة الخصوبة. وتخفيض هاتين الحالتين حسب انتاجية الارض وخصوبتها، ووفرة مياهها ونوعية محاصيلها والاستيلاء فورا، ومن دون شكليات، على ما زاد عن هذه الحدود ووضع الاراضي الخاضعة للاصلاح الزراعي تحت تصرف الفلاحين وابعاد تأثير الاقطاعيين عن الريف، ومصادرة اراضي الملاكين الكبار والأجانب.
ودعا الحزب الى ضمان حق الفلاحين في تكوين جمعياتهم الفلاحية والتعاونية والانتماء اليها بحرية وفق رغبتهم واختيارهم، وتشجيع الفقراء والمتوسطين منهم على الانتماء الى مختلف اشكال التعاونيات، والى انشاء المزارع الحكومية لتكون نموذجا للزراعة الحديثة.
وطالب باعفاء الفلاحين من الديون الزراعية المتراكمة مثل اجر المياه في الاراضي السيحية، ومن حصة الادارة والتي هي 15 من المئة، ومن أجرة الاراضي الخاصة بالاصلاح الزراعي، والى تخفيض أجور الخدمات الميكانيكية، وتوفير مستلزمات الزراعة للفلاحين، وحصر التسويق بالدولة، في أوقاتها، والى تسعير المنتجات بشكل عادل.
وطالب بتأسيس مزارع دائمة لمربي الأغنام والماشية، وتأمين ظروف مناسبة لتربية الحيوانات وشمول البساتين بقانون الاصلاح الزراعي 117/1970 وتكوين جمعيات تعاونية، لتطوير زراعة الفواكه والصناعات الغذائية ومخازن التبريد وما اليها.
كذلك دعا مؤتمر الحزب الى تحديد جدول زمني لتوزيع اراضي التبغ في كردستان وطالب باتخاذ مجموعة من الخطوات لتحسين أوضاع الفلاحين والحياة الاجتماعية في القرية.
هذه هي ابرز المطالب التي اوردها البرنامج، ويلاحظ هنا أنه جمع بين مطالب الحد الادنى ودعوته الى الاصلاح الزراعي الجذري، وبوجه خاص تحديد ملكية الفلاح الغني للارض.
كما يلاحظ ان الحد الاعلى قد انخفض الى (300) دونم في الاراضي الديمية متوسطة الخصوبة بدلا من (400) دونم، كما كان يذهب اليه برنامج الحزب سابقا.
اما المؤتمر الثالث، والذي انعقد في بغداد عام 1976، فهو المؤتمر الاخير الذي يتحدث عن الاصلاح الزراعي الجذري، كما يشير الفصل الخامس تحت عنوان الثورة الزراعية والتنمية في الريف وجاء فيه:
ان المسألة الزراعية، مسألة اساسية في الثورة الوطنية الديمقراطية، ويتوقف على حلها، ليس النهوض بمستوى حياة الفلاحين فقط، بل تطور الثورة كلها، والمساهمة في اعداد المهمات للانتقال الى بناء الاشتراكية التي تحرر الفلاحين من جميع اشكال الاستغلال.
ومضى يقول: ان حل المسألة الزراعية في بلادنا، في هذه المرحلة تطبيق اصلاح زراعي جذري وشامل، واشاعة التعاون في الزراعة، والمزارع الجماعية، ومزارع الدولة باعتبارها التنظيم الاقتصادي والاجتماعي والتنمية الزراعية.
لقد كان من النتائج الهامة لتطبيق الاصلاح الزراعي وفق القانون رقم 30 لسنة 1958، ومن ثم تعميقه بالقانون رقم 117 لسنة 1978، انتزاع 60 من المئة من اراضي الاقطاعيين الزراعية، وكبار الملاكين ووضعها تحت تصرف حوالي (400) الف عائلة فلاحية، عن طريق التوزيع والتأجير وجاء اصدار قانون تنظيم الملكية الزراعية في منطقة الحكم الذاتي من كردستان رقم 90 لعام 1975 خطوة متقدمة جديدة لتصفية الملكية الاقطاعية، ونفوذ الاقطاعيين في المنطقة، حيث حدد الحد الاعلى للملكية الزراعية بين (400-500) دونم.
اما قانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970 والذي يشكل خطوة جذرية اعمق بالنسبة لقانون رقم (30) لسنة 1958 فقد حدد الحد الاعلى للملكية الزراعية بين (40-2000) دونم والحد الاعلى للتوزيع على الفلاحين بين (4-200) دونم تبعا لخصوبة التربة ووفرة المياه وطريقة السقي، سيحا او ديما، او بالواسطة. ونوع الحاصلات المزروعة، وقربها من مراكز التسويق، واوجب شأن القانون السابق، أقامة جمعيات تعاونية في اراضي الاصلاح الزراعي الموزعة، وقامت في ظله مزارع جماعية.
ان ضرب مواقع الاقطاع وتصفية العلاقات شبه الاقطاعية في اراض واسعة من جهة، وعدم اشاعة التعاونيات الانتاجية ومزارع الدولة الجماعية، وشيوع الانتاج السلعي الصغير، من جهة، قد أوجد ويوجد تربة خصبة لتطور العلاقات الرأسمالية في الريف، عن طريق تأجير المكائن والمضخات والتسليف والتسويق، وتربية الحيوانات، واستئجار (ضمان الاراضي والبساتين والاستغلال المباشر لفقراء الريف وغيرها من الاساليب). وتشير الاحصائيات الرسمية (حتى اواخر عام 1974) الى ان واقع الملكية الزراعية كان كالآتي:
سبعة ملايين دونم من الاراضي الزراعية وتشكل (0، 29 من المئة) من الاراضي المستغلة، لاتزال في حوزة (24) الف مالك، ممن طبق بحقهم قانون الاصلاح الزراعي، وتعمل في هذه الاراضي (150) الف عائلة فلاحية، في ظل علاقات شبه اقطاعية (المزارعة على اساس المحاصصة) ورأسمالية، متخلفة وينتمون الى مرتبة فقراء الريف في الغالب وأن (8، 10من المئة) من الاراضي الزراعية، هي ملكيات صغيرة تعود الى (145) الف فلاح ومالك صغير، تتراوح ملكياتهم بين (4- 10 دونمات) ولا يشملهم قانون الاصلاح الزراعي. اما الاراضي التي استولى عليها الاصلاح الزراعي، فقد تم التصرف بها كما يلي:-
ثمانية ملايين دونم وزعت على حوالي (200) الف عائلة فلاحية، وحوالي سبعة ملايين دونم اخرى الى حوالي (200) الف عائلة فلاحية، وهؤلاء في غالبيتهم من صغار ومتوسطي الفلاحين.واقيم قطاع عام في الزراعة عن طريق انشاء المزارع الحكومية على (650) الف دونم، وتطورت تربية الثروة الحيوانية واقيمت محطات حكومية للآلات والمكائن الزراعية او المضخات التي تبلغ نسبها 15من المئة مقابل 85 من المئة تعود للقطاع الخاص وفقاً للاحصائيات الرسمية المعلنة حتى اوائل عام 1975، فيما جمهرة الفلاحين من الفقراء والمتوسطين ما زالت تعتمد في اكثر من نصف احتياجاتها على الرأسماليين الطفيليين، وبقايا الاقطاعيين والملاكين واغنياء الفلاحين في تأمين القروض والسلف والبذور، الامر الذي يجعلها تعاني من الاستغلال الطبقي. وايضاً اشارت مقررات المؤتمر الثالث للحزب الى أن «التعاونيات التي قامت حتى الآن، ويبلغ عدهها (1653) تعاونية، تضم (239) الف عضو، وتبلغ مساحة الاراضي التي تتصرف بها (17،6) مليون دونم، هي في غالبيتها، تعاونيات غير انتاجية، وتصطدم بالملاكين واعوانهم، الذين يحاربونها، وباغنياء الفلاحين، الذين يسعون للسيطرة على قياداتها والحيلولة دون تعميقها وتحويلها الى تعاونيات انتاجية وتسخيرها لمصلحتهم. كما اقيمت في الريف مزارع جماعية يبلغ عددها (81) مزرعة، تضم حوالي (11) الف عضو يستثمرون (583) الف دونم. ان الصراع الطبقي الجاري في الريف في الوقت الراهن يدور في ظل علاقات انتاج متعددة ومتناقضة، ففي الوقت الذي، أخذت تنمو فيه العلاقات الرأسمالية، تصاعد الصراع الطبقي، بين العمال الزراعيين، والفلاحين الكادحين من جهة، وبرجوازية الريف بفئاتها المختلفة من جهة أخرى، في حين، أن بقايا العلاقات شبه الاقطاعية ماتزال تثير صراعاً طبقياً بين مختلف مراتب الفلاحين من بقايا الاقطاعيين وكبار الملاكين. ان الاستغلال شبه الاقطاعي والرأسمالي الربوي والتجاري، معرقل للتطور، واكثر ضرراُ بالفلاحين الكادحين والعمال الزراعيين، ومن هنا يجب قطع أية مساعدة من الدولة عن الفئات التي تمارس هذا النوع، من الاستغلال تمهيداً لتصفيته. ان البديل عن تصفية، بقايا العلاقات شبه الاقطاعية والرأسمال الربوي والتجاري في الريف، ليس اطلاق العنان للتطور الرأسمالي في الريف، بل انجاح القطاع الزراعي العام والتعاوني وتطويرهما، ورغم ان القطاع العام في الزراعة والمزارع الجماعية في الريف لا يشكلان حتى الآن سوى 3 من المئة من المساحة المزروعة، ورغم ان العلاقات التعاونية في الزراعة لاتزال في بدايتها، غير أن نضال الفلاحين الكادحين، مع كل القوى التقدمية في البلاد، من اجل اقامة الزراعة على أساس التعاونيات الانتاجية، ونشر مزارع الدولة، وتطوير قانون الاصلاح الزراعي، باتجاه تعميق التمويلات النقدية في الريف، سيوسع القطاع العام، ويوطد علاقات الانتاج التعاونية في الزراعة. أن انجاز الثورة الزراعية الديمقراطية، وتهيئة مقدمات ومستلزمات التحول الاشتراكي في الريف، يتطلبان اعداد القوى الاجتماعية الكفيلة بالنهوض بهذه المهمات وهذا يعني تحقيق وتعزيز وحدة الفلاحين وتحالفهم مع الطبقة العاملة وسائر شغيلة المدن. وما تزال في الريف جمهرة واسعة من العوائل الفلاحية المعدمة، يقدر عددها بربع مليون عائلة، ولاتملك الارض وادوات الانتاج، ولا يحصل من يملك قطعة ارض صغيرة على اسباب العيش منها، وتضطر هذه الفئة في الغالب، للعمل لدى الآخرين في الريف والمدينة في اعمال موسمية وتتعرض للبطالة الجزئية والكلية. ان الفئات الواسعة، من صغار الفلاحين، الذين كانوا يملكون قطع الاراضي الصغيرة او حصلوا عليها من الاصلاح الزراعي، يعيش اغلبهم عيشة الكفاف، ويعانون من استغلال بقايا الاقطاع والفئات البرجوازية التي تستحوذ على خيرة الارض الزراعية، وعلى اغلب المكائن والمضخات والاموال اللازمة للتسليف الزراعي وهم يعانون ايضا من تهديد ومضايقات بعض الأجهزة (البيرقراطية) وتضطر اقسام واسعة منهم لهجر الزراعة بحثاً عن العمل في المدينة. ويعاني من هذه المظاهر، ايضاً، الكثير من الفلاحين المتوسطين، الذين يحصلون على دخلهم من عملهم، مع افراد عوائلهم، في استثماراتهم الخاصة وعلى الجزء الاصغر من استغلال عمل الآخرين، وهم يطمحون لتحسين معيشتهم مادياً وثقافياً، وتطوير استثماراتهم والخلاص من استغلال البرجوازية الريفية وبقايا الاقطاع. ان النضال ضد بقايا الاقطاعيين والفئات البرجوازية الطفيلية، يوحد جميع فئات الفلاحين الكادحين ويخدم موضوعيا ايضا الفلاحين الاغنياء الذين يقدر عددهم بسبعين الف اسرة والملاكين الصغار الذين يسهمون في عملية الانتاج الزراعي.
بيد ان الفلاحين الاغنياء الذين يمارسون مختلف اشكال الاستغلال الطبقي للفلاحين الكادحين والعمال الزراعيين للحصول على الجزء الاكبر من دخلهم، ويمارسون الفلاحة في استثماراتهم، يطمحون الى توسيع استغلالهم، مستثمرين مركزهم الاقتصادي، والمراكز التي يحتلونها في المؤسسات الزراعية والمنظمات الفلاحية.
وتشير مقررات المؤتمر الثالث الى:
ان تحقيق المهام التي يراها حزبنا ضرورية في هذه المرحلة وتهيئة مقدمات التحول الاشتراكي في الزراعة تتطلب استبعاد هذه الفئات عن مراكز التأثير على الفلاحين وعن مراكز القيادة في التعاونيات والمنظمات الفلاحية، وهذا يوفر ضمانة لصيانة المسيرة التقدمية لنضال جماهير الفلاحين، وبالتالي صيانة مسيرة الثورة كلها من الانحرافات والانتكاس.
ان دروس النضال الطويل الذي خاضه الفلاحون طوال عشرات السنين وتجاربهم، منذ اعلان اول قانون للاصلاح الزراعي، تؤكد أن خلاصهم من الحرمان والتخلف لا يتحقق الا من خلال نضالهم الثوري، وبالتحالف مع الطبقة العاملة من اجل انجاز الثورة الزراعية الديمقراطية وتطويرها وذلك بتحقيق ما يلي:
- تطوير قانون الاصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970، وبما يضمن استرجاع الاراضي التي بقيت بحوزة الملاكين والتي تزيد على الحد الادنى للتوزيع على الفلاحين، بما في ذلك البساتين واحترام ملكية الفلاحين على اختلاف مراتبهم.
- توزيع اراضي الاصلاح الزراعي على الفلاحين توزيعا جماعيا والحيلولة دون تفتيت الوحدات الزراعية الاقتصادية الكبيرة، والوقوف بوجه التحايل في توزيع الاراضي على غير الفلاحين، واسترجاع ما وزع منها عليهم وتحديد حد اعلى للعائلة الفلاحية الواحدة.
كما اشار البرنامج الى التوسع في انشاء مزارع الدولة ودعم التعاونيات الزراعية والعمل على تطويرها، وضمان قيادة الجمعيات الفلاحية والتعاونيات من قبل الفلاحين الكادحين، وضمان حرية التنظيم الفلاحي بمختلف اشكاله، وضمان حرية الانتخابات في الجمعيات الفلاحية والتعاونية، وضمان حرية المرأة في الانتماء الى مختلف المنظمات الفلاحية المهنية والانتاجية وضمان حقها في التعاقد مع الاصلاح الزراعي واعفاء الفلاحين من الضرائب كافة.