اشتداد حرب الامبراطوريات الاقتصادية

رشيد غويلب

مع استمرار الصراع المسلح في اوكرانيا فرضت البلدان الغربية دفعة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا الاتحادية.وهي "المرحلة الثالثة" من العقوبات. وتستهدف هذه المرحلة أساسا الكتلة النقدية من الاقتصاد الروسي، فالبنوك الروسية المملوكة غالبيتها للدولة تحرم من قروض المراكز المالية الاوربية، التي تبلغ مدة سدادها اكثر من 90 يوما.
وسبق للولايات المتحدة ان اتخذت هذه الاجراءات، منذ منصف تموز الفائت، ضد اثنين من البنوك الروسية.وتأثرت البنوك الروسية بشدة ، لأنها تغطي 47 في المائة من حاجتها لرأس المال من بلدان الاتحاد الاوربي.
و بالإضافة إلى البنوك الرئيسبة يتم ايقاف تمويل عن شركتي (روسنفت ونوفاتيك) للطاقة من قبل المستثمرين الامريكيين والأوربيين . وهناك أيضا قيود على صادرات المنتجات التكنولوجيا لمحطات الطاقة والتنقيب عن النفط والشركات الصناعية. وخطة الغرب مبنية على الاخضاع الجزئي لروسيا، فعندما يتوقف منح القروض، ويمنع الحصار الاستثمارات المطلوبة، ينهار الاقتصاد وتتفجر البطالة.
مقدمات على طريق معاهدة التجارة الحرة

وفي هذه الاثناء تقريبا فرضت محكمة "تسوية" في لاهاي على الحكومة الروسية دفع تعويض قدره 50 مليار دولار للمساهمين في شركة "يوكوس" النفطية العملاقة، على اساس ان مصادرتها قبل 10 سنوات تقريبا مخالفة للقانون . وهي تعويضات مبالغ فيها، وغير مسبوقة. والتعويض المطلوب يساوي 2.5 في المائة من مجموع قدرة روسيا الاقتصادية، او 57 في المائة من الاحتياطي المخصص لدعم العجز في ميزانية البلاد. ويسمح القرار لهؤلاء وضع اليد على ثروات روسية في الخارج مساوية لقيمة شركة "غازبروم" العملاقة التابعة للدولة. واتخذ قرار التسوية ثلاثة قضاة مختصين في القضايا المرفوعة من الشركات ضد الدول، وفي جلسة مغلقة، ويمكن اعتباره مقدمة لاتتفاقية التجارة الحرة قيد التفاوض، وهو يعكس حجم السلطة، التي تتمتع بها الشركات فوق القومية .
الحرب الاقتصادية ضد الارجنتين

لم تتعامل الارجنتين مع مديونية الدولة، في عام 2002 ، بالوسائل المعروفة، والتي تحمل الشعب اعباء الازمة، بل اعتمدت اسلوب الالغاء الجزئي للديون، وفرضت على المستثمرين الاجانب تحمل نسبة منها. ومثل هذا تحد وخطورة بالنسبة للمستمرين الاجانب في حال اعتماد بلدان اخرى هذه الوصفة.
وفي الوقت الذي استجاب غالبية الدائنين، ووافقوا على الغاء ثلثي ديونهم، وتسدد خدمة الثلث المتبقي بمواعيد ثابتة، رفض بعض صناديق التحوط القيام بالالغاء الجزئي ، واقاموا دعوات قضائية تطالب بالتسديد الكامل للديون. والآن قامت محكمة امريكية بادانة الحكومة الارجنتينية، والزمتها بدفع 1.3 مليار دولار، الى الصناديق، التي مارست المضاربة من خلال شراء سندات الديون بسعر الخردة، و تطالب الآن بالسعر الاصلي لها، وتستطيع هذه الصناديق وضع اليد على ممتلكات الارجنتين في جميع انحاء العالم.وهذا تحذير لجميع البلدان الأخرى المثقلة بالديون. والأرجنتين ملتزمة بالتعامل على قدم المساواة مع جميع الدائنين، وعليه سيترتب عليها ، دفع مبلغ اضافي قدره 120 مليار دولار، ولهذا اعتبرت وكالات التصنيف الارجنتين فنيا بلدا مفلس. ووصفت رئيسة جمهورية الارجنتين كرستينا كرشنر، في كلمة متلفزة لها تعامل صناديق التحوط والقضاء الامريكي بـ "حرب صواريخ"، واضافت "نحن نعيش في عالم ظالم جدا، وعنيف جدا".
قمة السبعة في مواجهة بقية العالم
في ضوء التطورات التي شهدها العالم يعد انهيار المنظمة الاشتراكية، تلجأ المراكز الرأسمالية الى العقوبات والحصار و فرض الغرامات، الى جانب إثارة التخريب والحروب الأهلية والتدخل العسكري المباشر لمواجهة قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب . لقد استطاعت الحكومات اليسارية والتقدمية في امريكا اللاتينية قيادة تحول سياسي في القارة، وحررت نفسها من اضطهاد الولايات المتحدة، وتعتمد على إعادة تأميم الموارد الاستراتيجية والقطاعات الاقتصادية فضلا عن تشديد الرقابة على الشركات فوق القومية. واعتمدت عدة تحالفات اقليمية لبلدان امريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، شكلت اطر سياسية هامة لتعزيز التكامل الاقليمي.
ومع قيام بنك دول مجموعة "بركس" طورت البلدان الصاعدة بديلا لصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، اللذان تسيطر عليهما مجموعة السبعة، وبهذه الخطوة تحدت البلدان الصاعدة هيمنة الدولار. وفي كانون الاول الفائت، افشلت الهند الاتفاقية التجارية، التي تم التوصل اليها، بعد شهور طويلة من المفاوضات في اطار منظمة التجارة العالمية، وطالبت الحكومة الهندية باستناء دائم لدعم المواد الغذائية الأساسية لملايين الفقراء في البلاد.