تشرد الأطفال.. ظاهرة تتفاقم في ثنايا المجتمع

عبد الكريم توفيق الناشي

"أطفال الشارع" هم الشريحة الأقل استقرارا في عملهم وقد تحرروا من الروابط الأسرية فهربوا نتيجة أسباب عديدة منها الفقر الشديد والطلاق ثم زواج الوالدين مرة أخرى أو قسوة العمل المدفوعين إليه من خلال الأسرة.

يقول الدكتور الأستاذ باسم داود صادق، اختصاص الطب النفسي، بورد عراقي بالطب النفسي/ جامعة بغداد 1992:
- هي ظاهرة أصبحت ملموسة في المجتمع والشارع العراقي، ولها أسبابها الكثيرة التي تبدأ من ظروف الأسر العراقية خلال السنوات الاخيرة والتي تأثرت بالواقع الحالي للبلد ككل.
ولعل أسبابها البارزة تكمن في الظروف المادية الصعبة، والاحتياجات الخدمية المفقودة، مما اضطر اغلب العائلات الى عدم الاهتمام بالتزام اطفالهم في مدارسهم والاحتياج الى خدمة اطفالهم في الشوارع في اعمال لا تتناسب مع الفئات العمرية التي ينتمون لها.
ويضيف: كما هو معروف نتائج تسرب الاطفال في الاسواق والشوارع لغرض العمل ومساعدة العائلة في تدبير جزء من امورهم الحياتية يجعل هؤلاء الاطفال عرضة للاختلاط بمن هم اكبر منهم في العمر. وهذا يؤدي بحد ذاته الى اختلال في سلوك الطفل واكتسابه لأغلب الصفات والطباع والسلوكيات التي يجب ان لا يكتسبها الطفل في مرحلة الطفولة وحتى في مرحلة المراهقة.
- وما هي تأثيرات هذه الظاهرة على الطفولة في المستقبل لدى الطفل؟ سألنا الدكتور باسم فأجاب:
- مثل هذه السلوكيات تؤثر على طباعه الشخصية وبقية خصاله. وهذا سينعكس في مرحلة البلوغ لهذا الطفل او المراهق على العائلة الجديدة التي سينتجها عندما يبلغ، من خلال تعامله مع زوجته بالدرجة الأولى، وبالتالي مع أطفاله، وبذلك تنتقل هذه السلوكيات السلبية غير الصحية الى الأجيال اللاحقة، مما سيؤثر على بنية المجتمع ككل. لذا ينبغي حث العائلات من خلال التثقيف الإعلامي المقروء والمرئي والمسموع حول عواقب إهمال تربية اطفالهم والحرص على زجهم في المدارس لتعليمهم وتثقيفهم وعدم استسهال واستغلال هؤلاء الأطفال لغرض العمل او استغلالهم في ذلك. وهذا يستوجب تعاون عدة مؤسسات تخصصية حكومية او أهلية لحل مشاكل هذه الأسر، لتوفير مستلزمات الحياة الضرورية وتقليل الحاجة لاستغلال الأطفال في العمل أو إهمالهم.

خصائص أطفال الشوارع

- هم أطفال مهمشون، يحتاجون الى عناية خاصة
- تتراوح أعمارهم بين "7-14" سنة
- ذوو مستوى تعليمي متدن وغالبيتهم لم تكمل المرحلة الابتدائية
- نسبة الأمية مرتفعة بينهم بسبب تركهم للمدرسة
- ينتمون لأسر ذات مستوى اقتصادي وتعليمي متدن
- أسرهم كبيرة العدد وتعيش في منازل ضيقة فيها ما بين "1-2" غرفة.

أسباب ظاهرة أطفال الشارع

اولاً: أسباب خاصة بالأطفال أنفسهم تدفعهم إلى الشارع وتتمثل في الآتي:
1- الميل إلى الحرية والهروب من الضغوط الأسرية
2- غياب الاهتمام باللعب والترفيه في داخل الأسرة والبحث عنه في الشارع
3- اللامبالاة من جانب الأسرة وعدم الاستماع الى الطفل والتحاور معه وتلبية حاجاته
4- حب التملك، فالشارع يتيح له نوعاً من العمل أيا كان ولكنه يدر دخلاً وقد يكون هذا العمل تسولاً أو ممارسة أعمال منافية للحشمة والآداب
5- عند بعض أطفال الشوارع يكون عنصر جذب بما فيه من خبرات جديدة ومغامرات للإشباع العاطفي
ثانياً: أسباب أسرية تتمثل في الآتي:
1- اليتم: فقدان أحد الأبوين أو كليهما قد يكون سبباً في ضعف الرقابة على الأطفال ومن ثم انحرافهم أو خروجهم للشارع.
2- الإقامة لدى الأقارب: بسبب اليتم أو التصدع الأسرى أو غياب الأب أو الأبوين للعمل في الخارج وقد يؤدي ذلك أيضا إلى ضعف الرقابة أو التعرض للعنف ثم الهرب للشارع.
3- التفكك الأسرى وتشتت الأبناء بين الأب والأم في النهاية يدفع بهم إلى الشارع.
4- القسوة سواء من الأبوين أم من الأقارب والمحيطين أو حتى من المدرسة.
5- العنف داخل الأسرة
6- التمييز بين الأبناء داخل الأسرة الواحدة يولد الغيرة بينهم و قد يدفع الأبناء للهرب إلى الشارع.
7- الجيرة: فقد تؤدي الإقامة في أحياء شعبية ذات طابع خاص إلى معاشرة مجموعة من الأشخاص المنحرفين.
8- عمل الأب أو الأم: في بعض الأحيان يكون الأب أو الأم يمارسون عملاً منحرفاً وذلك يسبب في انحراف الأبناء واحترافهم للعمل نفسه.
9- هجرة أو سفر العائل لمدة طويلة.
10- الإدمان وآثاره المدمرة على الأسرة وأفرادها.
11- كثرة النسل وتلازمه مع سوء الحالة الاقتصادية.
12- التقليد، خاصة إن اقران السوء يدعون الأبناء إلى الخروج للشارع للعمل والكسب وتقليد الكبار
ثالثاً : أسباب اجتماعية تتمثل في الآتي:
1- الهجرة من الريف الى المدينة: في الريف تنقص الخدمات وفرص العمل والترفيه مما يشجع الاطفال على النزوح من الريف الى المدينة.
2- التسرب المدرسي بسبب أساليب التعليم المتشددة. كما ان بعض الأسر ولعدم قدرتها على مواجهة المصاريف والأعباء المدرسية تدفع بأطفالها الى ترك المدرسة
3- الظروف الاقتصادية، فالأسرة الفقيرة ليس بمقدورها ان توفر الحاجات الأساسية من مأكل وملبس وعلاج لأطفالها فتسمح لأطفالها، بالعمل في الشارع للمشاركة في تأمين كلفة الأعباء الحياتية.
4- الاعتماد على الأطفال في القيام ببعض الأعباء الأسرية وخاصة البنات اللواتي يتعرضن الى العنف والقسوة أثناء الخدمة بالمنازل.
الحق في التعليم
يحتاج أطفال الشارع إلى برامج وأساليب تعليم مختلفة تتماشى مع ظروفهم الخاصة واحتياجاتهم من حيث المادة العلمية وأسلوب التدريس المتبع، حيث يجب إتباع ما يسمى بأسلوب التعليم "غير الرسمي" أو "غير التقليدي" واستبعاد جميع الأساليب التقليدية المتعارف عليها في عملية التعليم نظراً لحساسية واختلاف وضع المتلقي (أطفال الشارع).
ويعتمد التعليم غير التقليدي على الأساليب الحديثة التي تساعد الطالب على المشاركة والابتكار والإبداع وهو يهدف إلى إكساب الأطفال مهارات وصفات مهمة تساعدهم في التغلب على المشكلات التي تواجههم، وتؤهلهم للاندماج تدريجيا في حياة المجتمع. وتتمثل تلك المهارات في معرفة العادات والممارسات الصحية السليمة، الثقة بالنفس، المهارة في حل المشاكل الاجتماعية بالطرق السلمية، مهارات الاتصال الفعال.
تقول السيدة سامية خليل، مربية في احدى دور حضانة الأطفال:
نحتاج أولا لفتح مراكز توعية لحث الأطفال على ترك الطرق السيئة واللجوء الى السلوك الصحيح مع مساعدتهم مادياً ومعنوياً لتأمين عدم ترك هذه المراكز ومتابعتهم بصورة مستمرة مع المراقبة الشديدة لهم في ذلك.
كذلك تحفيزهم على الثقافة والتمدن الحضاري وجعلهم يأنفون اللجوء الى التسول والارهاب والاجرام.
كما يتطلب منا حثهم على نبذ العادات والألفاظ السيئة المكتسبة من ذوي الأطفال وآبائهم وأمهاتهم وأقربائهم، وتعويدهم على العادات الحسنة وصقلهم صقلا تربويا ناجحا وتعليمهم العادات والأخلاق والتربية السليمة وعدم لجوئهم الى العادات المنبوذة. وعلى الآباء والأمهات عدم معاملة الأطفال معاملة قاسية مما يؤدي بهم الى التشرد الى الشوارع والتسكع فيها. فننصح الآباء والامهات بالامتثال الى التربية والاخلاق الحميدة، وعدم ضرب الاطفال وعدم معاملتهم معاملة قاسية بالشتم والسب والاهانة، وذلك ينعكس على الأطفال لأنهم أجيال الغد المشرق.

تردي المعيشة

يتعرض العديد من أطفال الشارع إلى الكثير من المخاطر الصحية خلال حياتهم اليومية حيث أنهم يفتقدون الحماية. فهم في أغلب الأحيان يعملون دون الحصول على أي نوع من التأمينات الاجتماعية أو حتى عقود عمل وذلك يضعهم في معظم الأحوال عرضة للابتزاز والعنف من جانب من يعملون لديهم أو من العامة في الشارع وهذا يعرضهم إلى العديد من الحوادث والأمراض. من الممكن رؤية هؤلاء الأطفال في معظم الأحيان حفاة في الشوارع وأحياناً تكون أجزاء كبيرة من أجسادهم عارية حتى في فصل الشتاء وبعضهم يقف على أكوام القمامة يبحث بها عن طعام له وهذا يعرضهم إلى العديد من الإصابات والجروح والأمراض الناتجة عن التلوث.
ويرتبط العنف في اي مجتمع بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والإحباط الناتج عن ارتفاع مستوى الفقر وعدم الاستقرار السياسي والصراعات العرقية والمذهبية والاجتماعية. ويعد أطفال الشارع الأكثر عرضة للعنف والاعتداءات بجميع أنواعها وذلك نظراً لوجودهم على حافة المجتمع واعتمادهم على أنشطة هامشية لكسب العيش مثل التسول و أعمال النظافة والسرقات الصغيرة الأمر الذي يجعلهم في احتكاك مستمر مع أفراد الشرطة وبالتالي زيادة نسبة تعرضهم للعنف.
يتعرض أطفال الشارع إلى ثلاثة أنواع رئيسية من العنف وهي العنف الرسمي والعنف الداخلي والاعتداء الجنسي.

العنف الرسمي

العنف الرسمي أو العنف التقليدي هو العنف الذي يمارس اتجاه أطفال الشارع من قبل المسؤولين والشرطة. فهم طبقة مهمشة لا يهتم أحد سواء من المسؤولين أو حتى أقاربهم بالدفاع عنهم. ويتعرض هؤلاء الأطفال لهذا النوع من العنف لأنهم ليسوا فقط رمزاً لفشل المجتمع في توفير الجو الملائم لنشأة هؤلاء الأطفال ولكن كما يعتقد المسؤولون أن هؤلاء الأطفال يشكلون تهديداً حقيقياً لمجتمعهم فالبعض منهم لم تقم أسرته بتسجيله بعد الولادة، الأمر الذي يتنافى مع المادة رقم 7 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي تعطي للطفل الحق في التسجيل الفوري بعد الولادة، بالإضافة إلى الحق في الاسم والجنسية ومعرفة الوالدين وتلقي الرعاية. ومن هنا لا تجد الشرطة أي عائق في ممارسة أشكال من العنف الجسدي ضد هؤلاء الأطفال نظراً لأنهم أرض خصبة للكثير من الاتهامات.

العنف الداخلي

النوع الآخر من العنف الذي يتعرض له أطفال الشارع هو العنف الداخلي أو العنف الذي يمارسه أطفال الشارع اتجاه بعضهم البعض أو اتجاه بعض الأقارب. كذلك كون عدم إحضار الطفل للدخل الكافي من التسول يعرضه الى العنف من قبل اسرته. ويؤدي العنف الداخلي هذا إلى عدم الشعور بالأمان، والى الغضب، والإحباط، والشعور بالذنب، السلوك العدواني، الانطواء، وتطبيع استخدام العنف كوسيلة لفض أي نوع من المشاكل و النزاعات.

الاعتداء الجنسي

النوع الثالث من العنف هو الاعتداء الجنسي حيث يتعرض أطفال الشارع من الجنسين كثيرا للاعتداءات الجنسية. ويعد أكثر أنواع الاعتداءات الجنسية انتشاراً بين أطفال الشارع حالات سفاح القربى أو غشيان المحارم. وفي معظم حالات الاعتداء الجنسي يكون المعتدي من داخل الأسرة أو من دائرة معارف المعتدى عليه. وكلما زادت درجة القرابة بين المعتدي والمعتدى عليه زادت الآثار المدمرة التي تنتج من تلك العلاقة. وتتفاقم المشكلة بسبب عدم اعطاء الأبوين الفرصة للأبناء للشكوى من تلك الاعتداءات فإذا حدث وقام أحد الأبناء بالشكوى لأحد الأبوين يعامل بقسوة شديدة على أنه المذنب، الأمر الذي يزيد المشكلة تعقيداً ويمنع الأطفال من إخبار أي من والديهم عن تلك الاعتداءات وهذا يلقي عبئاً نفسياً فظيعاً على الطفل ويدخله في دائرة لوم شديد للنفس والإحساس بالذنب اتجاه فعل هو في أغلب الأحيان ليس له ذنب فيه.
ان العديد من الأطفال يفرون من البيت والمدرسة ويجوبون الشوارع والبساتين والأزقة وتقاطعات الشوارع، ثم يكون العقاب الذي ينزله بهم أولياؤهم هو وضعهم في إحدى إصلاحيات الأحداث مع الكثير من الفتيان من أصحاب السوابق، فتتضاعف محنتهم.
وللتشرد أسباب عديدة نذكر منها:
سوء المعاملة للطفل من قبل والديه ومعلميه وتوبيخه على الدوام. وبما أن اكثر الأطفال شديدو الانفعال والحساسية، فان جرح كرامتهم يدفعهم الى التشرد تخلصاً مما يلاقونه من مذلة وهوان. فعلى الآباء والمربين ان يقبلوا هؤلاء الأطفال بمحاسنهم ومساوئهم ويسعوا لإصلاحهم بالحكمة، كما يعالج الطبيب مريضه.
حرمان الطفل في البيت من الكثير من ضروريات الحياة وطيباتها من طعام وغيره، مما يضطره الى الفرار لعله يجد في خارجه ما يشبعه ويشبع معدته بمختلف الوسائل.
فعلى الآباء ان يلاحظوا ذلك ويقدموا لأطفالهم ما يشتهون قدر المستطاع.

ما رأي المثقف؟

يقول السيد احمد ماجد، كاتب وشاعر: السبب الرئيس في تشرد الأطفال هو تردي المعيشة في المجتمع، إضافة إلى عدم تربية الأطفال بصورة صحيحة من قبل الأسرة والمجتمع. ومن هذه الظاهرة نشأت ظاهرة التسول والسرقة والإجرام. وظهرت جحافل من الأطفال المشردين الذين لجؤوا الى طرق مختلفة من الاجرام كالارهاب والتفجير والسرقة والاحتيال وغير ذلك.
ويمكن القضاء على هذا من خلال توفير مبالغ شهرية لكل أسرة محتاجة لغرض الترفيه عن النفس ومواكبة متطلبات المعيشة وتجهيز الطلبة بالكتب والملابس والقرطاسية بشكل دائمي يتناسب مع ظروف المعيشة.
كذلك إنشاء مراكز تأهيلية لإيواء الأطفال المشردين وحتى الشباب لغرض عدم مزاولتهم المهن الفاشلة الخسيسة، وتشجيعهم على نبذ الطباع الشاذة، حيث لوحظ استغلال فاقدي الذاكرة مثلاً من المرضى النفسيين وذوي العاهات العقلية في عمليات الارهاب والاجرام والقتل والسرقة وغيرها من الظواهر المتفشية حاليا.ً
وتوجد طرق عديدة أخرى لمعالجة هذه الظاهرة، منها اقتصادية واجتماعية وثقافية. فالاقتصادية هي على الدولة القيام بانشاء دور خاصة لإيواء الأطفال المشردين وإخضاعهم لطرق قانونية صحيحة في التربية داخل المجتمع.
اما الاجتماعية فهي محاربة الإرهاب والجريمة وفتح دور لتثقيف الأجيال كافة على الصعيد الوطني. ومن الناحية الثقافية ينبغي فتح دور للتوعية الاعلامية والثقافية والاجتماعية مرة واحدة كل ثلاثة ايام، مع مراعاة الفئات العمرية وحثهم على الأخلاق السليمة وخاصة الصغار منهم.
ويفضل ان يتم ذلك بالسرعة الممكنة لغرض الحيلولة تدريجيا دون استفحال هذا الوباء القاتل.
واختتم السيد احمد ماجد قائلاً: العائلات الفقيرة في المجتمع العراقي تعاني من تردي الحالة الثقافية والقصور في تربية أبنائهم بصورة سليمة، مما ينعكس على تشرد الأطفال من العائلة ولجوئهم الى طرق مختلفة من الشذوذ والتشرد وعدم الالتزام بالخلق الحميد.