بيان المنبر التقدمي -البحرين- في الذكرى الخمسين لانتفاضة مارس 1965

التقدمي: في ذكرى مارس المجيد نستلهم ملحمة وحدتنا الوطنية ونطالب بخارطة طريق وحل سياسي شامل يخرج بلادنا من أزمتها السياسية
تعيش بلادنا البحرين هذه الأيام الذكرى الخمسين لانتفاضة مارس 1965 المجيدة، تلك الانتفاضة التي ستظل خالدة في وجدان جماهير الكادحين والفقراء والشغيلة في بلادنا، والتي تجسدت فيها وحدة وتلاحم مختلف شرائح وفئات شعبنا وقواه الوطنية في وحدة وطنية رائعة من أجل الدفاع عن المصالح الوطنية وضد ممارسات الاستعمار البريطاني وهيمنتها على مقدرات شعبنا ووطننا، وفي سبيل استعادة الإرادة الوطنية، ورفض القرارات المتعسفة للشركات الاحتكارية ومن بينها شركة النفط (بابكو) ضد عمال وشغيلة بلادنا ومن أجل الديمقراطية وتحقيق الاستقلال الوطني.
وقد قدم شعبنا في انتفاضة مارس المجيدة عدداً من الشهداء والمئات من المصابين توزعوا على مختلف أحياء مدن وقرى البحرين، شهداء وضحايا ومصابين في سبيل انتصار قضية شعبنا العادلة ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة، حيث امتلأت السجون بالمئات من المناضلين الشرفاء المطالبين بالحرية، كما قدمت الانتفاضة قادة وطنيين وميدانيين بارزين نجحوا في قيادة وتوحيد الجماهير الغاضبة في ظروف دقيقة وحساسة تحت راية وطنية موحدة. وبمثل ما نجحوا في التصدي ببسالة لقوات الأمن ومخططات قوات الاستعمار البريطاني وأعوانه، فقد استعادوا بنضالهم زخم ووحدة شعبنا تحت قيادة هيئة الاتحاد الوطني في منتصف الخمسينات.
لقد سطرت مختلف فئات وشرائح وطوائف شعب البحرين حينها من النساء والرجال ملحمة وطنية تجلى فيها وعي ونضج حركتنا الوطنية وقواها السياسية التي قبرت الطائفية البغيضة والتفت حول ذات المطالب الموحدة التي انطلقت لأجلها انتفاضة مارس المجيدة، في قبالة دعوات الفرقة التي خططت لها سياسات الاستعمار البريطاني وأعوانه، ليشكل ذلك رافعة وطنية حقيقية أفشلت كل مرامي الفرقة والتشرذم، ومنعت انزلاق البلاد لأي فتنة أو تراجعات، على عكس ما يحصل حاليا من تصعيد بغيض لأوار الفتنة ونوازع الكراهية المقيتة التي تديرها بمنهجية جهات ووسائل إعلام وصحف وأقلام مسعورة ومأجورة ومن تراجع مؤسف في الوعي الاجتماعي. وبعدها وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن لعبت التنظيمات الوطنية اليسارية والقومية دورا بارزا في ترسيخ الوحدة الوطنية، مستمرة في نهجها الوطني لحماية مكاسب شعبنا والحفاظ على وحدته. وقد وضعت انتفاضة مارس المجيدة على جدول الأعمال بحق مسألة الاستقلال السياسي الذي تحقق عام 1971.
وحيث تمر اليوم ذكرى تلك الانتفاضة المجيدة، وبلادنا البحرين تعيش أزمة سياسية مستفحلة بكل تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، تأتي على خلفية الاحتجاجات التي اندلعت في الرابع عشر من فبراير 2011 تزامنا مع اندلاع حركات احتجاجية مماثلة وثورات في أكثر من بلد عربي في ظل ما بات يعرف بالربيع العربي، وفي سبيل التخلص من الدكتاتورية والاستبداد والظلم والتسلط والفساد الذي تعيشه مجتمعاتنا منذ عقود، ووسط حالة غير مسبوقة من تدخلات إقليمية ودولية واستقطابات ومحاور دولية تشكلت أو هي في طور تشكلها، وصفقات تسلح وعسكرة تستنزف مليارات الدولارات من قوت ومقدرات شعوبنا تحت يافطات ومشاريع مكافحة الإرهاب، الذي تعمل على نشره وإسناده ماليا ولوجستيا قوى إقليمية ودولية لها مصالح واضحة في إعادة تكريس الاستبداد ورسم خارطة المنطقة بما يتلاءم ومصالحها ومواقع نفوذها، على حساب طموحات شعوب دول المنطقة في الحرية والكرامة والخبز والعدالة والتحول نحو الديمقراطية والشراكة في صياغة قراراتها الوطنية والحفاظ على مكتسباتها.
لقد تواصلت التحركات الشعبية في البحرين بزخم قوي طيلة أكثر من أربع سنوات مضت رافعة مطالب عادلة ومحقة نحو تحقيق الإصلاح السياسي والدستوري الحقيقي في إطار مملكة دستورية ديمقراطية كما بشر بذلك ميثاق العمل الوطني، وحكومة تمثل الإرادة الشعبية ودوائر انتخابية عادلة تحقق الشراكة الحقيقية لمختلف الفئآت والشرائح، ضمن نظام انتخابي عادل وسلطة تشريعية منتخبة كاملة الصلاحيات وقضاء عادل ومستقل، وفصل حقيقي للسلطات، ووقف كافة أشكال وممارسات الفساد والنهب المستمر لثروات وأملاك الدولة، ووقف التجنيس السياسي، والتنفيذ الأمين لتوصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق وتوصيات مجلس حقوق الإنسان العالمي وعودة كافة المفصولين إلى وظائفهم وتعويضهم وتعزيز احترام حقوق الإنسان ووقف الانتهاكات وممارسات التعذيب داخل السجون والمعتقلات ومساءلة المسئولين عن التعذيب ووقف ملاحقة النشطاء، وإطلاق سراح معتقلي الرأي والضمير والشروع في مشروع شامل للعدالة الانتقالية تحقيقا للعدالة والمساءلة وجبر الضرر الذي لحق بالمئات من أبناء شعبنا منذ عقود وحتى الآن.
إننا في المنبر التقدمي إذ نستلهم كل تلك المعاني والدروس والتجارب الراسخة التي قدمتها انتفاضة مارس المجيدة وما عبرت عنه جماهير شعبنا وقواها السياسية نحو التلاحم والوحدة الوطنية، السلاح الأمضى لشعبنا على طريق تحقيق مطالبه المشروعة والعادلة نحو دولة مدنية ديمقراطية عصرية تقوم على أساس احترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وإلغاء كافة مظاهر التمييز والتجنيس السياسي، وتلغى فيها كافة وجوه المحاصصة القائمة على الطائفية والمذهبية والقبلية.
وفي هذا الإطار فإننا نؤكد على حاجة البحرين لخارطة طريق يسبقها وقف التصعيد الأمني وتهيئة الأجواء واطلاق سراح سجناء الرأي والضمير ورفض كافة مظاهر العنف والعنف المضاد ومن أي طرف كان، وأن تدخل السلطة مع مختلف القوى السياسية المعنية في حوار وطني شامل وجاد يستشرف المستقبل ويقود نحو تحقيق العدالة وإشاعة الاستقرار والأمن للجميع، وتحقيق المساءلة ووقف الفساد وممارسات التمييز، لإخراج بلادنا من حالة الاحتقان الطائفي ودعوات الكراهية المنفلتة والتأزم السياسي والاجتماعي، وإنهاء احتكار السلطة والثروة والتعدي على أملاك الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية، ورفض التدخلات الخارجية في قرارنا الوطني، وتعزيز روح المواطنة وتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة ومستدامة ضمن دولة المؤسسات والقانون.
كما نستلهم من دروس انتفاضة مارس المجيدة أن شعبنا لن يستطيع تجسيد إرادته وتحقيق أهدافه إلا بتأكيد وصيانة وحدته الوطنية المستهدفة من قبل القوى التي من مصلحتها قطع الطريق على تحقيق تلك الأهداف السامية.
المجد لذكرى مارس المجيد،،
المجد والخلود لشهداء شعبنا الأبرار،،
المنبر التقدمي
البحرين
12مارس/آذار 2013