هل يسمع المسؤول؟ * ../ عن "البورد" وما يحتاج

كلية الطب العراقية، لها عَراقة مشرّفة وعملية عالية مشهود بها. ولها رصانة المؤسسات العلمية الكبرى في العالم، ولا احد له اعتراض على شهادتها الطبية. اساتذة هذه الكلية بعد رحيل الاجانب والزائرين، والعراقيين الأكفاء الكبار، حافظوا على سمعة الكلية وعلى مكانتها في الشرق الاوسط.
لكن من عام 1958 حتى اليوم اكثر من خمسين او ستين سنة، أي ما يقارب الثلاثة ارباع القرن. وهذه المسافة الزمنية تستوجب الانتباه إلى: أولاً: العلم ليس ثابتاً بل يتطور ويغتني بالمعلومات والتجارب. طب الخمسينيات غير طب 2015، وإن تشابهت الاسس والمباديء. ثانياً: اولئك الاساتذة الجراحون الفطاحل والاختصاصيون الكبار، اما ارتحلوا او هاجروا او هم علماء وشيوخ اجلاء. ومن بقي منهم ينفع الكلية بمحاضراته، هم قلة، افراد معدودون، وكليات الطب تعددت في البلاد. هذا يعني تزايد الحاجة الى الاطباء العلماء، الى الاختصاصيون الاساتذة! مش?وع «البورد» العراقي كان اساساً مشروعاً دعائياً، اعلامياً اكثر منه علمياً. مع ذلك، العلمية العريقة في كلية الطب والاساتذة المحترمون بذلوا جهداً لانجاحه وتمكنوا من هذا النجاح بنسب مختلفة.
على يد الاساتذة الكبار تخرج العديد من حملة البورد الاذكياء المَهَرة، حِرْفة وعلماً. لكن احدا لا يستطيع اليوم ان ينكر، أو ان يغض النظر عن العديد من الضعفاء وغير المُجدّين. ولا احد ايضاً ينكر كثرة الاخطاء، ما خفي منها وما ظهر. وإذا اضفنا الى ذلك مؤثرات النفوذ في السنين الاخيرة والعلاقات الشخصية والترضيات، لا نستطيع ان ننكر الحاجة الى وقفة تأمل وانتباه الى المستقبل..
لننظر الى المسألة بمنطق حسابي: كان الاساتذة الكبار حين يحاضرون يعطون الطلبة ربما سبعين في المائة من علمهم بها. الطلبة يستوعبون من هذه السبعين ربما خمسين او ستين. النسبة قلّت. هذا الجيل الذي تخرج صار بعضهم يحاضر في الكليات الطبية، وهذا ايضا لا يعطي كل الخمسين او الستين بالمائة التي تعلمها. هكذا النسبة العلمية تتناقص. وحتى اذا اضفنا اليها المعلومات الجديدة المستحدثة، سيبقى الأذكى والأجود منهم أقل جدارة، وسيتواصل الضعف وقد تصل النسبة الى الثلاثين مما كان في بدء السطوع العلمي الاول!
نعم قد تسعفنا الكتب الجديدة والمحاضرات المتميزة والزيارات، لكن الحقيقة تبقى حقيقة وان ثمة عوزاً علمياً لا يظهر في الدراسة ولا في الامتحانات، لكنه يظهر في التطبيق وبعد التخرج!
فإذا اردنا للبورد العراقي ان يستمر وهو محترم، يجب استقدام اساتذة أجانب يضافون الى ملاك الكليات الطبية، لتحافظ على رصانتها ولتتجدد حيويتها ولتستقبل خبرات حديثة ومهارات، وهؤلاء يمكن ان يتبادلوا المواقع فيما بينهم في الكليات المختلفة ليعم النفع ويتوحد المستوى. يجب ان لا تأخذنا العزة بالإثم، وتبدأ الخطابيات: عن المستوى العظيم والمشهود له عالمياً.. الخ.
يا سادتي التطور العلمي مطلوب وتحديث التجارب والخبرات مطلوب. فكثيراً ما شهدنا في التشخيصات والاشعات والرنينات والتحليلات وما لا تعلم به وزارة الصحة من أخطاء اكثر مما تعرفه. لا ننكر ابداً امتيازات الممتازين والمجدّين المتابعين ومن تعب في تطوير نفسه. لأولاء تحياتنا ولهم التقدير والثناء.
مقترح ثانٍ، ان يوفد كل خريج لمدة ستة اشهر او سنة للتدريب في مستشفيات الدول ذوات السمعة العلمية، وان تكون هذه جزءاً متمماً لمدة الدراسة لكن براتب فضلا عن التكفل المالي الكامل بمخصصات الدراسة والايفاد.
مثل هذا كانت تقوم به دار المعلمين العالية قبل 1958 إذ كانت ترسل طلبة الانجليزية بعد تخرجهم الى بريطانيا، على ان يسكنوا مع عوائل انجليزية ليتحسن لفظهم ولتزيد ثقافتهم من الدورات ومن المجتمع هناك.
لا مزايدات في العلم. لن نتطور إن لم نعترف بما ينقصنا ونستكمل احتياجاتنا، وهي واضحة.
ويبقى البورد العراقي مكسباً!
راصد الطريق*