اسبانيا .. قوى اليسار تحقق نتائج مبهرة / رشيد غويلب

نتائج الإنتخابات البرلمانية التي شهدتها اسبانيا اول امس الاحد، والتي شارك فيها 73,2 في المئة من الناخبيين، مقارنة بـ 68,94 في الإنتخابات السابقة ، تمخضت عن معاقبة الناخبيين لأحزاب اليمين والوسط التقليدية التي ظلت مهيمنة على المشهد السياسي في البلاد منذ عودة الديمقراطية بعد وفاة الجنرال فرانكو عام 1975. وبعد فرز اكثر 90 في المئة من اصوات الناخبيين، أظهرت النتائج فقدان حزب الشعب اليميني المحافظ اكثريته المطلقة، وحصل على 28,7 في المئة مقابل 44,6 في المئة في انتخابات عام 2011 .
ولاقى الحزب الإشتراكي الأسباني المصير ذاته، عندما تعمقت هزيمته الساحقة في الإنتخابات السابقة وحصل على22,1 في المئة، مقابل 28,8 في المئة. وبهذا حافظ على تقدم ضئيل على حزب بودوموس (نحن قادرون" اليساري)، الذي احتل بحصوله على 20,7، الموقع الثالث، في اول انتخابات برلمانية عامة يشارك فيها، فالحزب حديث التأسيس، وخرج من معطف حركة "غاضبون" الإحتجاجية التي اجتاحت اسبانيا على اثر اندلاع الأزمة الإقتصادية المالية فيها.وحل رابعا حزب "المواطنين" يميني ليبرالي بحصولة على 13,9 في المئة، وجاءت نتائجه اقل من التوقعات التي سادت وسائل الإعلام خلال الحملة الإنتخابية. وحصل اليسار الأسباني المتحد، الذي دخل السباق الإنتخابي تحت اسم "الجبهة الشعبية الموحدة"، والذي يشكل الحزب الشيوعي الأسباني قوته الرئيسة على 3,7 في المئة، وسيحصل على مقعدين على الأقل في البرلمان الجديد، مقابل 11 مقعدا احتلها في الدورة السابقة.
ومن الضروري الإشارة ان التحالفات التي شكلها حزبا اليسار الرئيسان بودوموس واليسار المتحد في بعض الولايات قد حققت نتائج لافته، ولكن حساب المقاعد جاء وفق النظام الإنتخابي النافذ لصالح بودوموس، وخلق حالة من عدم الوضوح في الحساب الدقيق لنتائج هذه القوى، ففي كتالونيا احتل تحالف اليسار "معا قادرون نحن" الموقع الأول بحصوله على 24,5 في المئة، تقابلها 12 معقدا حسبت في النتائج العامة لصالح حزب بودوموس. وحصل الشيء ذاته في فالنسيا حيث حصل تحالف "التوافق" اليساري على 9 مقاعد،وكذلك على 6 مقاعد في "أون ماريا" في ولاية غا?يسيا. وحصل حزب اليسار الجمهوري، وهو حزب محلي في كاتالونيا على 16 في المئة، وسيكون ممثلا في البرلمان الأسباني بتسعة مقاعد، تاركا حزب رئيس وزراء الولاية آتور ماس خلفه، حيث حصل الأخير على 15,2 في المئة، واحتل بذلك المرتبة الرابعة على صعيد الولاية.
وعلى الرغم من النتائج الجيدة التي حققتها قوى اليسار ألاسباني، الا انها بقيت بعيدة عن تحقيق وحدة اليسار التي ادى عدم الوصول اليها، ضمن اسباب اخرى الى خسارة فرصة تاريخية لتشكيل حكومة يسارية لأول مرة في العقود التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية، ويمكن القول ان مراهنة بودوموس على كسب اصوات الوسط واليسار لحسابه، وعدم تعاونه الواسع مع اليسار المتحد، في اطار رفضه التعامل مع الاحزاب التقليدية في معسكري الوسط واليسار، دفعه إلى رفض مقترح الحزب الشيوعي واليسار المتحد، تشكيل قائمة "الجبهة الشعبية الموحدة" في عموم ?سبانيا، واكتفى بدعوة شخصيات قيادية في الحزب الشيوعي للمشاركة في قوائمه، او الدخول في قوائم مشتركة في بعض الولايات الأسبانية.
سيناريوهات صعبة
ومع دخول قوى جديدة مؤثرة في البرلمان الأسباني، اصبحت امكانية تحقيق اكثرية واضحة صعبة للغاية.، خصوصا وان تشكيل تحالف حزب الشعب الحاكم مع حزب "المواطنين" الليبرالي الجديد لا يحقق الأكثرية المطلوبة، وتحالف الكبار، بين قوى اليمين والوسط المهزومة امر غير قابل للحدوث على خلفية الهوة التي خلقتها المناظرات التلفزيونية بين قيادة الحزبين خلال الحملة الإنتخابية، الا اذا اراد الحزب الإشتراكي تعميق خسائره الإنتخابية، واقدم على التحالف مع حزب الشعب اليميني، الذي حمله الناخبون المسؤولية الأولى عن الكارثة الإقتصادية الإجتماعية التي لا تزال تتفاعل في اسبانيا نتيجة لنهج الليبرالية الجديدة الذي يعتمده اليمين. كما ان تحالف يسار الوسط بين الحزب الإشتراكي وبودوموس ممكن فقط في حال دعم الأحزاب اليسارية المحلية في ولايتي كاتالونيا والباسك له، ولكن الموقف من انفصال كاتالونيا الذي يرفضه الحزب الإشتراكي يقف عائقا امام تحقيق مثل هذا السيناريو.
وسيعقد البرلمان الأسباني، بتشكيلته الجديدة، اجتماعه الأول في 13 كانون الثاني المقبل. وعلى الاحزاب الفائزة الوصول الى تحالف حكومي خلال 60 يوما من انعقاد اجتماع البرلمان. وفي حالة تعذر الوصول الى هذه النتيجة، فسيكون الذهاب، حسب مراقبين، الى انتخابات مبكرة هو الخيار المتوقع.