بعد 15 عاما على حرب الاطلسي : أفغانستان.. نموذجٌ لدولة فاشلة

رشيد غويلب
قبل عام احتفل الناتو بانسحاب قواته من أفغانستان. وكان واضحا، ان هذا الانسحاب لن يكون كاملا. فهناك اليوم 16 الف جندي، منهم 13 الف تحت قيادة ما يسمى بـ"الدعم الحازم"، و3 آلاف من القوات الخاصة الأمريكية، التي تعمل باستقلال تام، ووفق قواعد ومعايير سرية. وحدد السادس عشر من كانون الأول 2016 موعدا لانسحاب القوات الأجنبية بشكل كامل. وسرعان ما صحح الرئيس الأمريكي باراك اوباما، في الخامس عشر من تشرين الأول 2015 هذه المعلومة، معلنا ابقاء 5500 جندي، حتى بعد استلام الرئيس الأمريكي الجديد لمهام منصبه في كانون الثاني 2017. وهذا يعني احتفاظ الولايات المتحدة بقواعدها العسكرية، التي ادعت انها ستنسحب منها قبل نهاية 2016. وبالتأكيد فان حلفاء الولايات المتحدة المهمين سيلتزمون بهذا التمديد ايضا.
ان هذا السيناريو كان معروفا، ففي الأول من ايار 2012 وقعت اتفاقية "الشراكة الإستراتجية الدائمة" بين الولايات المتحدة وأفغانستان، والتي ينتهي العمل بها في عام 2024، بالإضافة إلى حالة الضعف التي تعاني منها القوات المسلحة الأفغانية، والتي لا تستطيع بمفردها مواجهة الزخم العسكري لقوات طلبان الإرهابية.
على أساس قرارات البنتاغون تم رفع عديد القوات الأفغانية، خلال 6 سنوات، من 40 الف إلى 350 الف مقاتل، وباستثناء عدد محدود من القوات الخاصة، فان بقية وحدات الجيش بعيدة عن المعايير المعمول بها في الجيوش المحترفة، والكثير من الجنود يعانون الأمية. ولا يملكون روحا قتالية، ووضعهم اليوم اسوأ مما كان عليه قبل عامين، ولهذا منيت القوات الأفغانية بهزائم كبيرة، عندما حلت محل القوات الأجنبية في خطوط المواجهة الأمامية، ويعود ذلك لحالات الهرب الواسعة في صفوفها، أو حالات التحاق قسم من منتسبيها بقوات طالبان.
ومما زاد الطين بله، عدم وجود تصور حقيقي لوضع هذه القوات، فالتقارير تتحدث عن ظاهرة الجنود الفضائيين، التي تعود لسببين رئيسين: الاحتفاظ بأسماء الجنود الهاربين في سجلات الجيش ويستمر استلام رواتبهم من قبل الضباط الذين يشكلون منظومة فساد فاعلة، كما ان نسب الهرب المرتفعة تسبب حرجا لقادة الجيش فيعملون على إخفاء أرقام الهرب الحقيقية، وبالتالي تتورط القيادات العليا بوضع خطط عسكرية على أساس معطيات مزورة.
وهناك مشكلة أخرى أساسية، هي ان القوات الأفغانية لا تزال تفتقر الى مؤهلات حديثة في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات والمدفعية الثقيلة والدعم الجوي، الذي من شأنه أن يكون شرطا مسبقا لعمليات مستقلة. وهناك شك بان الحكومة الأمريكية تحد من تطوير هذه المهارات، ليستمر اعتماد الأفغان على الدعم الخارجي لأطول فترة ممكنة.
ويلاحظ، في الأسابيع الأخيرة وجود اهتمام من قبل وسائل الأعلام الغربية بالضعف الذي تعاني منه القوات المسلحة الأفغانية، خصوصا بعد احتلال قندز من قبل طالبان في أواخر أيلول 2015، والتقدم الحالي للإرهابيين في ولاية هلمند.
ولا تتناول وسائل الإعلام التطورات السياسية في البلاد بالقدر الكافي. لقد عانت الحياة السياسية من الصراع على نتائج انتخابات عام 2014 البرلمانية، ومن حالة الشلل السائدة في "حكومة الوحدة الوطنية" التي تشكلت بضغط أمريكي. وعلى سبيل المثال ليس هناك وضوح بشأن الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الوزراء باعتباره الشخص الأول في السلطة التنفيذية، كما ان هناك العديد من الوظائف الحكومية المحورية التي لا تزال شاغرة.
وما عدا ذلك، فان الدورة البرلمانية انتهت دستوريا في الثاني والعشرين من حزيران الماضي. وقام رئيس الجمهورية غاني بتمديدها بمرسوم جمهوري، مشكوك بشرعيته الى حين إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة، والتي ليس هناك موعد محدد لتنظيمها. والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يلزمان الصمت بشأن عدم شرعية التأجيل لكي لا يسيئا لسمعة "الديمقراطية" في أفغانستان.