- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 13 نيسان/أبريل 2016 15:39
ترجم التقرير عن الروسية: د. عبد الله حبة
في مجلة "المجلة"، كما صدرت في كتاب بعنوان "من اجل الجبهة الوطنية الموحدة"، حيث تحلل الدعاية الفاشية في بلادنا وتعارض الميول اليسارية واليمينية المتطرفة، التي تزور روحنا الوطنية.
ان حزبنا يسعى الى ان يجعل الطلاب كوادر قوية، والطلاب الذين يعرفون اسس المادية الديالكتيكية والتاريخية والاقتصاد السياسي، وكذلك يعرفون بأية مرحلة من العملية التاريخية تمر بلادنا.
قام حزبنا بترجمة الكتب الضرورية من اللغة الانجليزية وآخرها الباب الرابع من موجز تاريخ الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي)، وتم توزيع الأدبيات المذكورة في أوساط الطلاب من اجل دراستها بصورة وافية.
في يناير عام 1941 بدأ حزبنا حملة واسعة من توزيع المناشير، ودعت جميع العناصر التقدمية والثورية الى الوحدة من اجل تنفيذ مهمتها التاريخية، من اجل النضال ضد الحرب التي لا تجلب شيئاً الى البلاد سوى الخراب.
ويشرح المنشور ان حركتنا الثورية لا علاقة لها بما يسمى القمع القومي – الفاشي، وقد وزع هذا المنشور على نطاق واسع ونوقش في كثير من الاوساط السياسية في البلاد واضطر الوزير رشيد عالي الكيلاني، الى الاعلان بأن بلادنا لا علاقة لها البتة بالحرب الامبريالية ويجب ان تبقى بعيدة عن هذه الحرب.
تلكم هي نتيجة سياستنا.
لقد وافق حزبنا على بيان رئيس الوزراء هذا ونشر اقواله في صحيفته غير العلنية وعرض على الاوساط السياسية دعم السياسة الخارجية لرئيس الوزراء، وفي الوقت نفسه عرض الحزب على مجلس الوزراء اتخاذ التدابير في مجال الرقابة الاقتصادية في البلاد، لأن مستوى معيشة الجماهير واطئ للغاية، نتيجة استغلال البرجوازية الصناعية والتجار وضع الحرب لجني الارباح الطائلة.
آنذاك اعلن الحزب للوزير بأنه اذا كان فعلاً يؤيد سياسة السلام، فيجب عليه بدء المباحثات مع الاتحاد السوفيتي حول القضايا الاقتصادية والسياسية، لأن هذا يعتبر الفرصة الوحيدة لإثبات اخلاصه للبلاد وتحسين حياتنا الاقتصادية والسياسية.
وقد نوقش هذا الاقتراح في البرلمان من قبل اللجنة التي يترأسها يونس السبعاوي واتخذ قرار يقترح على مجلس الوزراء مناقشة هذه المسألة وبدء المباحثات مع الاتحاد السوفيتي.
ووجدت الامبريالية البريطانية أن هذا الأمر يمكن استغلاله ضد حكومة رشيد عالي الكيلاني التي يوجد فيها بعض العناصر الموالية لبريطانيا، من اجل اثارة أزمة سياسية في البلاد، الأمر الذي يرغم رشيد عالي على الاستقالة وكان السعيد (المقصود نوري السعيد – المحرر) يتزعم الحركة الموالية لبريطانيا.
كانت هذه الفترة بالنسبة الى الحزب مناسبة لكي يشرح الوضع للجماهير، ودعوتها للنضال ضد السياسة الإمبريالية، وإيضاح أن عملاء بريطانيا يسعون سراً الى اقصاء حكومة رشيد عالي واستبدالها بحكومة موالية لبريطانيا.
وفي الوقت نفسه وجب ان يبرهن رشيد عالي على ان الطبقة العاملة وحتى قسم من البرجوازية تطالب بإتباع سياسة السلام والعلاقات مع الاتحاد السوفيتي.
وهكذا كان العدد الثاني من صحيفة "الشرارة" لسان حال الحزب الشيوعي، وقد ألهم رئيس الوزراء بدعم الحركة الجماهيرية الواسعة على المضي في هذا الدرب.
ووجد الحزب ان من الضروري العمل مع العناصر الوطنية – الثورية البرجوازية والاشتراكيين والقوميين وغير الحزبيين الذين ايدوا سياسة الحكومة المعادية للامبريالية، وقد طرحت فكرة تأسيس الجبهة الوطنية الموحدة ضد الامبريالية، وأيدتني كافة الجماهير غير الحزبية، وكانت في حوزتنا "المجلة" الصحيفة التقدمية العلنية المعادية للامبريالية.
وعاجل السفير البريطاني بسرعة للعمل من اجل تعميق الازمة وتغيير الحكومة بأسرع ما يمكن قبل ان يحدث الاشتباك المحتمل مع حركة جدية، وأرغم الانجليز عميلهم نور السعيد على الاستقالة، وفي الوقت نفسه ارغموا عبد الاله على ترك عمله في القصر، ورفض تنفيذ تكليفات الحكومة والسفر الى الديوانية، حين دبر عملاء بريطانيا تمرداً رجعياً ضد رشيد عالي، كما استقال وزيران آخران، وحل محلهما وزيران جديدان يؤيدان رشيد عالي الكيلاني، وعندئذ طلب السفير البريطاني من الحكومة قطع العلاقات مع ايطاليا وتنفيذ المعاهدة بين العراق وبريطانيا، اي وضع كافة الوسائل تحت تصرف بريطانيا وعدم بدء المباحثات مع الاتحاد السوفيتي.
وقد رفضت الحكومة هذا الطلب.
سافر عبد الاله الى الديوانية مع عدد كبير من الوزراء الرجعيين وصار يدعو من هناك جميع المحافظين لقطع العلاقات مع ما يسمى حكومة رشيد عالي غير الشرعية، معلناً ان الحكومة توجد في الديوانية.
وأدى هذا كله الى اندلاع حرب اهلية بين بغداد والمدن الشمالية من جانب، وبين اقاليم جنوب العراق التي تدعمها القوات البريطانية من جانب آخر.
فاستقال رشيد عالي، وتم تشكيل حكومة جديدة برئاسة طه الهاشمي احد العناصر الرجعية.
بدأت الحكومة التنكيل بالوزراء السابقين وجميع مؤيديهم، وتشكلت حركة رجعية جديدة تدعمها الحكومة.
وفي صباح مبكر من يوم تشكيل حكومة طه الهاشمي خرجت تظاهرة كبيرة في الشوارع نظمتها القوى الثورية التي كانت تؤيد الكيلاني وشارك فيها رفاقنا الذين دعوا الى سياسة السلام وعارضوا التدخل الامبريالي في شؤون العراق، واستخدمت الشرطة السلاح في تفريق التظاهرات.
لقد كانت ايام وجود حكومة الكيلاني درساً بليغاً لمن يخاف تشكيل الاحزاب والنقابات والاتحادات، كما كان درساً للذين ايدوا الكيلاني في انه لا يمكن ان توجد أية حركة من دون دعم الجماهير الشعبية الواسعة وان من العبث العمل مع فئات صغيرة، وكان هذا درساً فعلياً لمن يمارس السياسة، يدل على ان الشيوعيين بالذات يمثلون المناضلين الحقيقيين ضد الامبريالية وأنهم على صواب في نصائحهم ولدى طرح شعاراتهم، وفي هذه الايام كانت "الشرارة" (الجريدة الشيوعية السرية) المعبر الفعلي عن ارادة الشعب، ان العناصر الثورية (القوميين) والوطنيين والآن الوطنيين الثوريين والاشتراكيين وحتى الوزراء السابقين الذين قمعوا الشيوعيين، بدأوا بدعم ما طرحه الشيوعيون في جريدتهم.
لم يوقف الحزب حملته ضد الحرب مطالبا بحرية المنظمات وحرية الصحافة وحرية العمال في تأسيس نقاباتهم، وواصل الحزب العمل من اجل خفض الاسعار وعارض الاحتكاريين وجميع المنتفعين من الحرب، وطالب برفع الاجور للعمال في كافة المعامل الصغيرة.
قام الحزب بتنظيم الطبقة العاملة، واعد عمال صناعة الأحذية والمعامل الصغيرة للإضراب من اجل المطالبة بزيادة الاجور وتحسين ظروف العمل من جانب، كما أيد وألهم الحركة المنظمة للعناصر الوطنية الثورية في جانب آخر.
وصدرت اعداد "الشرارة" 3 و4 و5 الواحد تلو الآخر، والتي تضمنت هذه المطالب وشرح دور الحركة الوطنية الثورية والحركة المنظمة للطبقة العاملة في هذه المرحلة من تاريخ نضال الشعب ضد الامبريالية.
لقد بدأت الحركة السرية للمثقفين الثوريين الوطنية بزعامة يونس السبعاوي والكيلاني نشاطها كحزب شعبي، وكمنظمة ثورية فعلاً، تناضل ضد الفاشية والامبريالية وترأس الحزب جعفر ابو التمن وكامل الجادرجي.
ايد اتحاد الدفاع عن فلسطين واتحاد الجوال matal جماعة رشيد عالي، ودعم الحزب الشيوعي توجهاتها المعادية للإمبريالية إلا انه كان اقرب الى جماعة ابو التمن والجادرجي.
واقترحتُ ان يلتقي الجادرجي مع رشيد عالي وان يتحدث معه بصراحة وبشكل ودي، حول انه اذ كان لمجموعته وأنصاره ميولاً فاشية ما، فان رشيد عالي سيفقد دعم الجماعات الثورية وتأييد الشيوعيين، فأجاب رشيد عالي بأنه يعمل ليس من اجل استبدال الامبريالية البريطانية بالامبريالية الفاشية، وقال انني لن اعطي أية فرصة للذين يبدون أية ميول كهذه.
بيد ان بعض اعضاء اتحاد الدفاع عن فلسطين وعدة اعضاء في اتحاد matal وبعض مؤيدي الكيلاني كانت لديهم ميول فاشية وشبه فاشية وكانوا حتى ذلك الحين يروجون الدعاية ضد الشيوعية والشيوعيين، والآن في هذه اللحظة الحرجة من النضال يريدون تناسي أو ايقاف العمل مؤقتاً ضد الشيوعيين.
ومن الضروري ملاحظة ان دور مفتي فلسطين وأتباعه كان قوياً جداً في هذه الحركة، وكان الكيلاني تحت تأثير المفتي بصورة كاملة، والذي كان اكثر خبرة منه، فهو كان يعرف ان القوة تكمن في الشعب والأمة والجماهير الواسعة المشاركة في الحركة، كما كان يعرف كيف يتم التوصل الى حل وسط في الوقت المناسب، كما ان قادة الجيش كانوا تحت سيطرة المفتي، ومارست الضغط على الكيلاني بالرغم من كل رجعية جميع هذه القوى.
ان الحركة الرجعية بقيادة حكومة طه الهاشمي عقدت صفقة مع بريطانيا، ومارست تأثيرها في عقول الناس، الذين صاروا يطالبون بإبداء معارضة شديدة للسياسة الاستعمارية البريطانية في العراق، وقد ادى ذلك الى ان الجماهير صارت تبدي السخط من حكومة طه الهاشمي، وقد مارس هذا تأثيره في الكيلاني، وأرغمته على العمل لصالح الشعب، ومن اجل السلم وضد الحرب وضد التدخل البريطاني في سياسة العراق، وكذلك ضد الاحتكاريين الذين اوصلوا الجماهير الى الوضع البائس، وعارض الحزب الشيوعي سياسة الهاشمي الرجعية، ودعا الى اتباع سياسة الكيلاني السلمية، والى الحريات الدستورية التي تضمن للبلاد دستوراً ديمقراطياً.. اي حرية المنظمات والأحزاب والنقابات وحرية الكلمة والصحافة.
كان طه الهاشمي يقف بين تيارين قويين:
1- ضغوط الشعب وإرادته في المعارضة.
2- ارادة بريطانيا التي توفر الحماية لمصالحه الطبقية.
وقد آثر ان يبقى الى جانب بريطانيا، وبهذا خضع الى اسياده الانكليز الذين كانوا يطالبونه بإقصاء قادة الجيش ونفيهم، لكن قادة الجيش لم ينصاعوا لإرادته وطالبوا بان لا يتدخل في شؤون الجيش وعدم الاصغاء الى مطالب الانجليز، وعندئذ حدثت أزمة سياسية جديدة، أزمة بين القصر والحكومة من جانب والجيش ورشيد عالي والشعب من جانب آخر.
وكان من المهم للغاية من الناحية التاريخية مواصلة الحملة ضد السياسة الاستعمارية في البلاد، وأنصارها الرجعيين واستنهاض الشعب الذي يمارس دوراً قيادياً في المعارضة، وفي الوقت نفسه كان من الضروري ايضاح الاهمية التاريخية للحركة، وفضح وإقصاء الميول شبه الفاشية التي كان الرجعيون يسعون بواسطتها الى فرض سيطرتهم على الحركة.
وهذا يمس بصورة خاصة الجيش ووزارة المعارف، ومجمل القضية ان بعض الاحزاب السياسية اختارت الصفة الفاشية كمعارضة للسياسة الاستعمارية البريطانية، ان غالبية الذين اعتقدوا انهم يجب ان يعملوا وفق الميول الفاشية، لم يكونوا يعرفون ما هي الفاشية فعلاً.
لهذا كان من الضروري للغاية بالنسبة لنا، وكذلك بالنسبة للمناضلين ضد الفاشية، مواصلة النضال ضد الفاشية، وبذل كافة الجهود من اجل تغيير مواقف المظلل بهم والقول لهم: "انتم لستم فاشيين، انتم افضل من الفاشيين كثيراً، وانتم لستم رجعيين، بل انكم ثوريون وطنيون حقيقيون، لهم دور تاريخي هو قيادة الامة للنضال ضد الامبريالية وتحرير الامة من نير الامبريالية. انتم لستم عملاء فاشيين، انتم تناضلون من اجل مصالح شعبكم، من اجل الدخول في مرحلة تاريخية جديدة، مرحلة الديمقراطية البرجوازية، والقضاء على نظام الإقطاع، وعلى الامبريالية، انتم تناضلون وتريقون الدماء ليس من اجل ان تحل محل الامبريالية امبريالية جديدة اكثر رجعية وارهاباً"، تلكم كانت المهمة الاساسية لحزبنا وحلفائه الثوريين في فبراير – مارس 1941.
لقد اصبحت جريدتنا "الشرارة" من اكثر الصحف احتراماً وشعبية في اوساط الثوريين الوطنيين، وسعى الجيش الى ان يظهر تأييده لسياسة حزبنا.
اسفرت الازمة السياسية وموجة المعارضة عن استقالة حكومة طه الهاشمي، ووجد عملاء بريطانيا ان هذه الظروف تشكل ضربة خطيرة وموجعة الى سياستهم، فأمروا عبد الاله، الوصي القائم بمهام الملك، بعدم قبول الاستقالة، والإعلان عن مغادرة القصر والتوجه الى سن الذبان (القاعدة الرئيسية للجيش البريطاني، الكائنة بالقرب من الرمادي على نهر الفرات).
غادر عبد الاله الى سن الذبان، بينما ترك طه الهاشمي منصبه، وأصبحت البلاد بلا حكومة وبلا ملك.
ووجدت المعارضة ان هذا الوضع مناسبة للاستيلاء على السلطة بمعونة الجيش، علماً انه لم يجد اية معوقات او صعوبات، وتوجه رشيد عالي الكيلاني في مطلع ابريل - نيسان الى مجلس الوزراء وتولى مهام المسؤولية، لكن كيف يمكن تشكيل حكومة حين لم يقبل الملك استقالة رئيس الوزراء السابق بعد؟ فاقترح يونس السبعاوي ان تتولى السلطة حكومة الدفاع الوطني (كما حدث في ايام الثورة الفرنسية الكبرى في عام 1789).
وبهذا تم تشكيل حكومة الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني بدعم الجيش الوطني.
وعندما وجد طه الهاشمي، رئيس الوزراء السابق، ان موجة المعارضة اصبحت قوية جداً، حيث حظيت بدعم الجيش والمثقفين والجماهير المعادية لبريطانيا. اضطر الى الاستقالة.
ووجدت الامبريالية البريطانية بصورة رئيسية، الممثلة بالسفير البريطاني، ان خروج الهاشمي يشكل ضربة شديدة الى سياستها ونصراً للمعارضة على الامبريالية البريطانية وفي الوقت نفسه نصراً لرشيد عالي الكيلاني، كما كان ذلك هزيمة ساحقة للسياسة البريطانية، حيث كان رشيد عالي عدواً لها، ولم ينفذ المعاهدة بين العراق وبريطانيا التي كانت تلزم العراق بدعم بريطانيا في اثناء الحرب، وتوفير جميع وسائل النقل لها.
بدأت بريطانيا مناورتها السياسية بإرغام الوصي عبد الاله على عدم قبول استقالة طه الهاشمي، لكن قادة الجيش الذين كانوا ضد عبد الاله طلبوا منهم قبول الاستقالة حتماً، عندئذ اختفى عبد الاله، وفي هذا الوقت ارغمت بريطانيا جميل المدفعي (رئيس الوزراء الحالي) على السفر الى مدينة الموصل من اجل نشر الدعاية ضد رشيد عالي الكيلاني، كما طلب من علي جودت (وزير الخارجية) بدء الحملة ايضاً ضد الكيلاني، فاستولى رشيد عالي الكيلاني على السلطة بمساعدة القوات المسلحة للجيش.
وفي مطلع أبريل/ نيسان عام 1941 اذاع الراديو العراقي "بيان القيادة العامة للجيش" (محمد امين زكي) تحدث عن الوضع الخطير في البلاد وعن اختفاء الوصي، مما اضطر الجيش الى اخذ السلطة بيديه، وتشكيل حكومة الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني، لحين معالجة الظروف السياسية الصعبة على أساس الدستور.
وأعلن رشيد عالي الكيلاني في كلمة بثت من الاذاعة: "ليس من مصلحة امتنا المشاركة في الحرب الامبريالية الجارية الآن، وليس من مصلحة امتنا تحويل بلادنا الى ميدان للمعركة، وسأعمل كل ما في وسعي من اجل ابقاء العراق بعيداً عن الحرب، وسأعمل كل ما في وسعي من اجل تعزيز مصالحنا الوطنية".
كانت البلاد في تلك الفترة في وضع صعب جداً، وبدأت الازمة الاقتصادية وأغلقت جميع الطرق الى البلدان الاخرى واخذ المضاربون برفع الاسعار، وأصبحت الفئات الفقيرة من السكان اكثر ادقاعاً وازدادت البطالة.
وبدأ الشعب العراقي العمل ضد الامبريالية البريطانية منذ عام 1939 بسبب الاحداث في فلسطين، وعملت عناصر فلسطينية ثورية كثيرة قدمت الى العراق على دعم وإلهام الشعب العراقي في نضاله ضد الامبريالية البريطانية، وكان قسماً كبيراً من رؤوس الاموال المستثمرة في مختلف مجالات اقتصاد البلاد يعود الى البنوك الأجنبية، ولهذا وجد الرأسمال الوطني صعوبة في ممارسة دور مستقل في الحياة الاقتصادية للبلاد وبات واضحا تماماً ان الذين يكسبون من الحرب يقفون الى جانب الرأسمال الأجنبي، كما بات واضحا تماماً للشعب ان السياسة الامبريالية والرأسمال الاجنبي ممثلا بـ (ايسترن بنك) وغيره هو السبب الفعلي لفقر الشعب، كما مارس الرأسمال الصهيوني دوراً سلبياً في اقتصاد البلاد.
في فترة الحكومات السابقة انتقل قسم كبير من الاراضي الى ايادي الاشخاص المرتبطين بالرأسمال الأجنبي، وأصاب الافلاس غالبية اصحاب الاراضي الصغار، وأرغمتهم الديون الضخمة على بيع اراضيهم وبدأ انتقال الرأسمال المكتسب في البلاد الى الخارج.
كانت الحكومات تعقد صفقات مع الصناعيين المرتبطين بالرأسمال الاجنبي وكان الناس يعرفون ذلك وعدا ذلك السبب الذي دعا التجار الصغار والكبار في البلاد، الذين عانوا بشدة من المصاعب المالية الى النضال ضد الرأسمال الاجنبي.
كانت اجور العمال ضئيلة للغاية، وبهذا يمكن القول انه كان من الممكن استخدام مشاعر الناس ضد الامبريالية البريطانية وأعوانها كأداة للدعاية ضد بريطانيا.
لذا فعندما جاء رشيد عالي الكيلاني الى السلطة اعرب عن رغبته في اتخاذ تدابير تقدمية في البلاد، وإبعاد البلاد جانباً عن الحرب ووقف ضد المشتغلين الاجانب وعمل كل شيء لصالح الامة ووقفت غالبية الشعب الى جانبه.
دعت حكومة الدفاع الوطني الجديدة الى انعقاد البرلمان وطلبت منه تعيين وصي جديد على العرش وتم تعيين الشريف شرف الذي عين رشيد عالي الكيلاني لاحقا رئيسا للوزراء، وتألفت الحكومة مما يأتي:
1 - ناجي شوكت – وزير الدفاع.
2 - محمد يونس السبعاوي – وزير الزراعة.
3 - علي محمود – وزير العدل.
4 - محمد حسن سليمان – وزير المعارف.
5 - محمد علي محمود – وزير النقل.
6 - موسى الشابندر – وزير الخارجية.
7 - ناجي السويدي – وزير المالية.
8 - الكيلاني – وزير الداخلية.
9 - محمد صديق شنشل – مدير الدعاية.
علما ان هذه التشكيلة الوزارية غير متجانسة، انها تضم عناصر مختلفة وكانت النواة الرئيسة للحكومة تتألف من الكيلاني وشوكت والسبعاوي وعلي محمود.
ان سيرة حياة رشيد عالي زاخرة بالصفحات القاتمة في حياته، فهو رجل دين رجعي وقمع ثورة عام 1935 بالتنكيل الدموي بالشعب.
ويعرف علي محمود في البلاد بصفته قوميا وذا اتجاهات رجعية، وناجي شوكت عنصر تقدمي ديمقراطي ويونس السبعاوي من العناصر الثورية النشيطة وذو اتجاهات تقدمية، وناجي السويدي، منافق ورجل محتال جداً واتبع دوماً سياسة موالية لبريطانيا، وموسى الشابندر اكبر رأسمالي في العراق وموالي للفاشية وعاش في المانيا سنوات عدة، محمد علي محمود محامي كبير في العراق ورأسمالي كبير ويستغل منصبه لمصالحه.
لذا لا نستطيع تسمية هذه التشكيلة الوزارية المختلفة العناصر بانها حكومة ثورية، لكن آخذا بنظر الاعتبار الوضع الناشئ، يمكن للعناصر الثورية ان تعمل فيها.
لقد كانت فرصة جيدة للشيوعيين لبدء حملتهم الواسعة من اجل تشكيل الجبهة الوطنية الموحدة ضد الامبريالية وأقيمت الفرصة لتحشيد العناصر الثورية في قوة موحدة ضد الفاشية والامبريالية، وقد اقترحت على حزب الشعب الذي كان غير علني آنذاك برئاسة جعفر ابو التمن عقد مؤتمر لجميع العناصر الثورية ومناقشة الوضع السياسي في البلاد وعقد المؤتمر وشارك فيه اعضاء حزب الشعب ومن مندوبين عن العناصر الثورية المعادية للفاشية و 7 اشخاص غير حزبيين، وجاء في القرارات ان التغييرات السياسية الجارية في البلاد هي خطوة الى الامام، كما تقرر اعلان موافقة المؤتمر على السياسة الخارجية للحكومة، وكذلك مع السياسة بشأن الحرب واقر المؤتمر التدابير الاقتصادية للحكومة.
وطرحت امام المؤتمر مسألة تأسيس رابطة سياسية جديدة تتولى الضغط على الحكومة وتوجيهها في النهج الثوري، وبعد المناقشات تم تأجيل المسألة الى الدورة القادمة، لكن تقرر اعتماد ممثل واحد يتولى ابلاغ رئيس الوزراء بقرار المؤتمر دعم السياسة الخارجية للحكومة، وفي المستقبل ايضا اذا ما اتبعت سياسة تقدمية في داخل البلاد.
في هذا الوقت استبدلت الامبراطورية البريطانية سفيرها في العراق، وابتعث السير كورنيل واليس المعروف جيدا لدى الشعب العراقي، حيث كان قبل هذا وعلى مدى 14 عاماً في العراق بصفة مندوب سام في البلاد الى خدمة الانتداب البريطاني.
بدأ السفير الجديد بجرجرة الوقت قبل تقديم اوراق اعتماده الى وزير الخارجية، وجرجرة المناقشات حول القضايا المتعلقة بعقد المعاهدة بين بريطانيا والعراق، وفي هذا الوقت وصلت قوات مسلحة بريطانية الى البصرة، فاستولت على البصرة وطلبت السماح بدخولها الى الشعيبة – المعسكر البريطاني بالقرب من البصرة – وكانت هذه القوات تتألف من 3 فرق ميكانيكية واضطرت الحكومة العراقية إلى اعطاء الرخصة لها، لكن بموجب المعاهدة طلبت انتقالها من هناك الى فلسطين.
وأثار هذا الحدث الاضطرابات في صفوف الشعب، وتساءل الكثيرون: اين القوات المسلحة العراقية ولماذا لم تقاوم القوات المسلحة البريطانية؟
وطفق السفير في هذه الاثناء باستعادة الصلات مع اصدقائه القدامى من اقطاعيين ورأسماليين، فيما شن عملاء بريطانيا نشاطا واسعا ضد الكيلاني وخطب الوصي عبد الاله من الراديو ضد رشيد عالي الكيلاني وقادة الجيش ووصفهم بأنهم عملاء لبريطانيا.
وبدأت المناقشات بين السفير البريطاني والحكومة بشأن المعاهدة، فطلب السفير من الحكومة العراقية منح الامبراطورية البريطانية وسائل المواصلات وتقديم مساعدات أخرى.
في هذه الفترة انبثقت امام الحزب ضرورة طرح بعض القضايا الاقتصادية والسياسية امام الشعب، وقرر الحزب توزيع منشور يوضح فيه الواجب الوطني الثوري للحكومة والجيش والشعب، وطلب الحزب وضع حد للإجحاف السياسي عن طريق منح الحريات وتأسيس الاحزاب السياسية والنقابات وألخ، من المنظمات السياسية، وتضمن المنشور دعوة الحكومة الى بدء المباحثات السياسية والاقتصادية مع الاتحاد السوفيتي، كما طالب الحزب بوضع حد لتعسف الرأسماليين الاستغلاليين وطالب الحزب الحكومة بان توقف الدعاية الفاشية.
وأثار هذا المنشور انطباعاً كبيراً لدى الناس والأوساط السياسية، التي بدأ الكثير منها بتصديق ان من الممكن منع هجوم بريطانيا وعقد معاهدة مع الاتحاد السوفيتي من اجل تعزيز البلاد.
وتقرر ارسال وزير الدفاع الى تركيا وبدء المباحثات مع الاتحاد السوفيتي، وفي هذا الوقت اعلنت الحكومة أن لا حاجة لقطع العلاقات مع ألمانيا، مشيرة الى انها تستطيع اجراء المباحثات مع الاتحاد السوفيتي ومع الابقاء على العلاقات التعاقدية مع ألمانيا.
كان الجيش العراقي يستعد لمواجهة الوضع الجديد، لكن الشعب لم يكن يعرف ما يجري في الاوساط السياسية والجيش، وبقي ذلك كله في طي الكتمان لدى الجماهير وأرسل حزبنا مذكرة الى الحكومة جاء فيها: "ان الحكومة ترتكب جريمة بإخفائها عن الشعب جميع القضايا التي تقرر مصير هذا الشعب".
لقد اثبت التاريخ ان كل حركة سياسية كبيرة في البلاد تصبح عاجزة اذا لم يتوفر دعم جماهير الشعب، وجاء في المذكرة لاحقاً: ان الجماهير تتفهم الوضع السياسي وتدعمكم من اجل ان تتمكنوا فعلا من ابقاء البلاد بعيدة عن الحرب وان تتخذوا بعض التدابير الاقتصادية من اجل تحسين ظروف معيشة جماهير الشعب، ولهذا فان اية ضمانة لنجاحكم هو بمنح الشعب الحريات الديمقراطية.
ان الامبريالية البريطانية تسعى الى السيطرة على جماهير العمال وبالأخص عمال النقل، في السكك والموانئ وهلمجرا.
ان الجماهير الشعبية هي العناصر الاكثر ضمانية وراء خط الجبه، ويطالبكم هؤلاء العمال بمنحهم الحق في تنظيم انسهم بغية ان يصبحوا قوة لحركة التحرر الوطني. انهم القوة الاساسية التي تستطيع ضمان حرية البلاد واستقلالها.
وأعطى رئيس الوزراء رداً على هذه المذكرة قائلاً: "انا ابن الشعب، ومن اجل الشعب"، وقد لجأ رئيس الوزراء آنذاك، لخشيته من حركة الطبقة العاملة، الى الحيلة التالية: فدعا شخصاً ما للتحدث من الراديو باسم العمال وكتب مقالات في الصحف. فاحتج الحزب على هذا الخداع، وبعث باحتجاجه الى وزير الخارجية.
* من وثائق الكومنترن
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة "الثقافة الجديدة"
العدد 381
آذار 2016