أحكام جائرة في تركيا وتصعيد للقمع ضد اليسار

رشيد غويلب
اصدرت احدى محاكم اسطنبول، الجمعة الفائتة، حكما بالسجن لمدة خمس سنوات وعشرة اشهر على "كان دوندار" رئيس تحرير جريدة " جمهوريت " التركية الليبرالية المعروفة. كما حكمت على زميله ورئيس مكتب الجريدة في العاصمة التركية انقرة " ارديم غول " خمس سنوات سجن ايضاً.
وجاءت هذه الأحكام على خلفية نشر الجريدة أدلة تثبت قيام المخابرات التركية بتزويد منظمات إرهابية في سوريا بالسلاح، الأمر الذي اعتبرته المحكمة كشفاً لأسرار الدولة التركية، وكافياً للإدانة. وبرأت المحكمة ساحة المتهمين من تهم التجسس والتخريب وتهم أخرى احتوتها لائحة الاتهام. علما أن الإدعاء العام طلب إنزال عقوبات بالمتهمين يصل مجموعها الى أكثر من 90 سنة.
وسيواجه الصحفيان، في محاكمات أخرى، اتهامات بالتعاون مع منظمة إرهابية تركية، في إشارة الى جماعة رجل الدين المتطرف فتح الله غول، الذي تحول من حليف قوي لأردوغان الى عدو لدود له. وكان أردوغان قد أقام دعوى بالاشتراك مع رئيس مخابراته هاكان فيدان، كمدع ثانوي، ضد دونداربعد نشر الأخير التقارير المشار اليها، وهدد خصمه بـ "دفع ثمن غال" على "خيانته".
وخلال الانتظار خارج المحكمة لسماع النطق بالاٌحكام تعرض دوندار الى اطلاق نار من رجل مجهول مصحوباً بصيحة "انت خائن". ولم يصب دوندار بأذى، في حين ادت الرصاصتان الى اصابة احد مراسلي التلفزيون في ساقه. ووفق قناة CNNالتركية قال المهاجم للشرطة بعد القاء القبض عليه، انه اراد "تخويف دوندار"، و "تلقينه درسا لن ينساه". وعلق دوندار على الحادث بالقول: " لقد شهدنا اليوم محاولتي اغتيال، الأولى بالرصاص، والثانية في المحكمة". وقال ان الهدف هو اجبار الصحفيين على السكوت، ولكنه لن يخضع للترهيب.
وسيظل دوندار وزميله مطلقي السراح إلى حين النطق بالإحكام الخاصة بتهمة التعاون مع الإرهاب.

الأتحاد الأوربي يمتدح انقرة
من جانب آخر، وبمناسبة توصية المفوضية الأوربية بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول بلدان الإتحاد، قال نائب رئيس المفوضية فرانس تيمرمانس، الأربعاء الفائت، ان انقرة خطت في الأشهر والأسابيع الأخيرة "خطوات مثيرة للإعجاب". وقبل ساعات قليلة من ذلك وفي اجتماع للجنة برلمانية تركية ضمت نواباً من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، والحزب الفاشي "الحركة القومية"، والحزب الجمهوري (الكماليون) تم التفاهم على تمهيد الطريق لرفع الحصانة عن 50 من اصل 59 نائبا يشكلون قوام كتلة حزب "الشعوب الديمقراطي"، وهو القوة اليسارية الوحيدة الممثلة في البرلمان التركي، وذلك لتسهيل عملية توجيه الاتهامات وتجريم نواب الكتلة.
وبعد ساعات قليلة من تصريح نائب رئيس المفوضية الأوربية قدم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو استقالته. وكان هذا التابع المخلص لأردوغان قد سمح لنفسه باتخاذ بعض المواقف المتعارضة مع إرادة السلطان، ولهذا كان عليه ان يذهب. واقسم اوغلو بالحفاظ على "الصداقة الأبدية" مع زعيمه، وان "شرف رئيسنا هو شرفنا". اما المرشحون لخلافة اوغلو، فهم كل من المقرب من اوردوغان بينالي يلديريم، وزوج ابنته بيرات البيرق.
من جانبها تحدثت المعارضة البرلمانية عن "انقلاب" تم التفاهم بشأنه.
ان خطة اردوغان اصبحت معروفة وهي السير خطوة خطوة باتجاه دكتاتورية رئاسية، حتى قبل إقرارها من البرلمان او عبر استفتاء عام. وهذه الحقيقة اعترف بها في شباط الفائت بينالي يلديريم، احد المرشحين لرئاسة الوزراء، حين قال "ان اعتماد النظام الرئاسي هو في الواقع حقيقة قائمة".
ويقول متابعون انه اذا اراد المرء تقييم "الخطوات المثيرة للاعجاب" التي انجزها اوردوغان فسيجد الصورة التالية: فقدان القضاء المستقل، تحجيم حرية الصحافة والرأي والتجمع، وبعد الوصول الى تجريم كتلة اليسار الوحيدة في البرلمان، ستتحول سلطة الشعب الى مجرد عرض فارغ. وهناك قرابة 10 الف سجين لأسباب سياسة. وفي المناطق الكردية يواصل اوردوغان حربه الدموية المفتوحة ضد السكان.