فرنسا .. تمرير "قانون العمل" المعدل في القراءة الأولى

رشيد غويلب
استنادا الى مادة تعتبر الأكثر رجعية في الدستور الفرنسي مررت حكومة الحزب الاشتراكي في أيام 10-12 أيار الجاري مشروع تعديل "قانون العمل" المختلف عليه، في الجمعية الوطنية الفرنسية. فالمادة 49,3 تتيح للحكومة تمرير مشروع القانون حتى من دون أية مناقشة للتعديلات المقدمة و من دون تصويت رسمي، إذا قدم رئيس الحكومة قرار ضمان من مجلس الوزراء بتحمل المسؤولية المترتبة على المشروع.
وجاء هذا الإجراء بالضد من إرادة المقاومة الشعبية الواسعة لـمشروع القانون، والتي شارك فيها مئات الآلاف، ونظمها تحالف من النقابات العمالية اليسارية واتحادات الشبيبة والطلبة، بدعم من قوى اليسار السياسية. وبموجب المادة المذكورة أيضا يستطيع البرلمان اعاقة تمرير مشروع القانون، إذا قدم طلبا خلال 24 ساعة لسحب الثقة من الحكومة، موقعا من عشر مجموع اعضاء البرلمان، لعرضه في اليومين اللاحقين للتصويت، و يتم اسقاط الحكومة اذا حصل الطلب على أكثرية الأصوات.
وكان الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول قد نجح في حينه في تثبيت هذه المادة في دستور الجمهورية الخامسة ، لسرقة حقوق أعضاء البرلمان، وتعزيز صلاحياته. وتستطيع الحكومة بموجب هذه المادة الضغط على اعضاء كتلتها النيابية، الذين يعارضون جوانب من سياستها، وتضعهم بين خيارين اما التصويت لصالحها، او التصويت لاسقاطها. وقد لجأ رئيس الوزراء الفرنسي فالس، في العاشر من ايار الى هذا الإجراء لتمرير مشروع القانون االذي واجهت الحكومة بسببه حركة احتجاجية مجتمعية واسعة امتدت حتى الى من يطلق عليهم "الأوساط الصامتة" .
واشارت استطلاعات رأي جرت حديثا الى ان 70 في المئة، من الفرنسيين يرفضون مشروع القانون.
لهذا حاولت الحكومة من خلال تعديلات طفيفة، احتواء جزء من الحركة الاحتجاجية، وشق جبهة النقابات، وقد نجحت في مسعاها بإبعاد ثاني اكبر اتحاد نقابي عن الحركة الاحتجاجية. كما أنها قدمت تنازلات غير جوهرية للمنظمات الشبابية والطلابية، تتعلق بزيادة محدودة للمنح الدراسية، والدورات التأهيلية. وحافظت الحكومة على الأهداف التي تريدها من وراء تطبيق "قانون العمل" الجديد والمتمثلة في : حق الشركات في تمديد ساعات العمل وخفض اجور ساعات العمل الإضافي، وتسهيل عمليات "تسريح" العاملين واستبدالهم من دون ضوابط. وهذا يعني تطوير نموذج عمالة رخيصة الثمن، وعقود عمل قصيرة المدى، وفي احسن الأحوال توسيع قطاع العمالة غير المستقرة ورخيصة الأجور. وهذا يشمل التلاميذ والطلاب الذين يسعون إلى تمويل دراستهم بواسطة ممارسة أعمال قصيرة الأمد.
وتسمح "التسهيلات" بالالتفاف على عقود العمل ، بواسطة اتفاقات خاصة داخل المصانع، وهذا يضعف بشكل واضح دور النقابات، وخصوصا صلاحياتها في التفاوض بشان الأجور على مستوى قطاعات الإنتاج في عموم البلاد. وبهذا يترك الممثلون المنتخبون في مجالس المصانع وحيدين في مواجهة ضغط إدارات المصانع للوصول إلى استثناءات عديدة، بحجة خصوصية وضع المصنع المعين.
وردا على تصرف رئيس الحكومة قدم نواب "جبهة اليسار" طلب سحب الثقة في الحكومة، ورغم توقيع 13 نائبا من اصل 16 نائبا من كتلة الخضر، وكذلك28 نائبا من الجناح اليساري في كتلة الحزب الإشتراكي الحاكم على الطلب، الى جانب 15 نائبا يمثلون جبهة اليسار، احتاج تأمين نسبة الـ 10 في المئة المطلوبة لطرح الطلب للتصويت في البرلمان، إلى صوتين إضافيين فقط. اما طلب سحب الثقة الذي قدمته المعارضة اليمنية، فرغم التصويت عليه لم ينجح في الحصول على الأكثرية المطلوبة وهي 289 صوتا، بل حصل على 246 صوتا فقط. وكان نواب جبهة اليسار قد صوتوا لصالح طلب سحب الثقة المقدم من اليمين، في محاولة منهم لمنع تمرير "مشروع القانون" نهائيا، ولكن عدم تصويت نواب الجناح اليساري للحزب الإشتراكي الحاكم ، هذه المرة، جعل الحكومة تستمر في أداء مهامها.
وعلى الرغم مما تقدم فان قانون العمل الجديد لم يقر نهائيا، اذ يجب تمريره في مجلس الشيوخ أيضا ، حيث تتمتع المعارضة اليمينية بالأكثرية. ومن المتوقع ان تقدم هذه المعارضة قائمة طويلة من التعديلات تحتاج الى عملية تستغرق وقتا أطول للتوافق بين جناحي السلطة التشريعية.
من جانبها اكدت قوى الحركة الاحتجاجية ان لجوء الحكومة الى اساليب معادية للديمقراطية لتمرير المشروع في البرلمان سوف لن يدفعها إلى الصمت، وكانت الاحتجاجات قد رافقت عملية التصويت على طلب سحب الثقة من الحكومة في 12 ايار, وشملت الإحتجاجات جميع المدن الفرنسية الكبيرة. وشهدت العاصمة باريس صدامات بين المحتجين وقوات الشرطة. وفي بيان مشترك دعت الإتحادات النقابية واتحادات الشبيبة والطلبة الداعمة لها، الى توسيع دائرة الرفض والإحتجاج في مواجهة التجاوز على الحقوق الديمقراطية.
وستشهد فرنسا هذا اليوم 17 وبعد غد 19 أيار إضرابات على المستوى الوطني، في اطار استمرار الضغط على الحكومة.