- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 18 أيار 2016 20:54
رشيد غويلب
مرت في السادس عشر من ايار الحالي الذكرى المئوية لتوقيع اتفاقية سايكس بيكو، والتي تم ابرامها سرا بين بيريطانيا العظمى وفرنسا، وبالإتفاق مع روسيا القيصيرية، لتقاسم مناطق النفوذ بين القوتين الأعظم في حينه.
ومنذ التوقيع عليها الى يومنا هذا مازالت الإتفاقية وتداعياتها تؤثر في الصراع الذي ما انقطع في منطقة الشرق، وفقا لتوازن القوى في اللحظة التاريخية المعينة، ووفقا لتوظيف الإتفاقية في مجرى الصراع رفضا وقبولا. وعرفت الإتفاقية، التي استمر التفاوض بشأنها بين البلدين من تشرين الثاني 1915 الى ايار 1916، باسم الدبلوماسيين اللذين وضعا صيغتها: الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس.
وبعد انتصار ثورة اكتوبر الإشتراكية في عام 1917 في روسيا فضجت سلطة الثورة بزعامة لينين التوقيع على المعاهدة ونشرت نصها في 23 تشرين الثاني 1917 في الجريدة المركزية للحزب الشيوعي "البرافدا" وفي جريدة "ازفستيا" الناطقة باسم الحكومة البلشفية، وبقدر ما كان الكشف عن الإتفاقية نصرا لشعوب بلدان المنطقة المستعمرة، فأنه سبب غضب لا محدود في الدول الإمبريالية. ولا غرابة في الأمر فان القرن العشرين لن يشهد اتفاقية تتمتع بخطورتها واهميتها.
جورج بيكو ومارك سايكس في سطور
ولد مارك سايكس في عام 1879 وشارك في الحرب العالمية الأولى، وكان عضو في لجنة "بنسن" التي كانت تقدم المشورة للحكومة البريطانية في القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط. وتوفي في شباط 1919 فبل ان يحتفل بعيد ميلاده الاربعين، ضمن آلاف اصيبوا بوباء الانفلونزا الاسبانية. اما منافسه الفرنسي جورج بيكو فقد ولد قي عام 1870، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عين قنصلا عاما لفرنسا في بيروت، وتوفى في عام 1951 . وكان يتمتع بخبرة وذكاء دبلوماسيين، ولهذا اتهم مارك سايكس لاحقا بانه استغفل من قبل منافسه الفرنسي.
تغييب تام لشعوب المنطقة
وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات مستمرة بين الطرفين كانت الدولة العثمانية ما تزال قائمة، ولكن نهايتها كانت تلوح في الأفق. ونصحت لجنة "بنسن"، التي كان سايكس احد اعضائها الحكومة البريطانية، بضرورة الإبقاء على الدولة العثمانية خوفا من حصول فراغ في السلطة بعد زوالها. ولكن المؤسسة السياسية البريطانية رفضت هذه النصيحة. ويقف وراء هذا الرفض الرغبة الجامحة في احكام السيطرة على الإحتياطات النفطية الهائلة الموجودة في المنطقة. قام الدبلوماسيان بتقسيم المنطقة الممتدة من كركوك العراقية الى حيفا الفلسطينية الى منطقتين شمالية اخضعت للاستعمار الفرنسين وجنوبية جثم عليها التاج البريطاني. وغني عن القول ان تقسيم هذه المنطقة الشاسعة بين مركزي النفوذ تم بغياب تام لرأي سكانها سواء كان هذا الرأي رفضا او قبولا. والأسوء من ذلك قدم في نفس الوقت سمسار بيريطاني آخر هو توماس إدوارد لورنس (1888-1935)، الشهير بـ "لورنس العرب"، وعودا بضمان قيام حكومة عربية في فلسطين. وبعد هزيمة الدولة العثمانية بشكل نهائي، عقدت في عام 1919 معاهدة فرساي، التي أكدت مضمون اتفاقية سايكس بيكو ، وبالتالي تم التقسيم ، الذي لا يزال قائما لمنطقة الشرق الأوسط الى منطقة انتداب بريطانية واخرى فرنسية.
وفي الوقت الذي تعاني منه بلدان المنطقة من حروب وتدخلات وصراعات دموية داخلية كلفت ارواح الملايين من سكان المنطقة، ناهيك عن الخسائر المادية التي بلغت مليارات الدولارات، والتدمير الإجتماعي والثقافي المرافق، يثير الإستغراب اصرار البلدان الإمبريالية على سياسة تغييب الذاكرة التاريخية للشعوب. رغم ان هذه البلدان وعلى الرغم من تبدل مواقعها وتغير درجة تأثيرها في السياسة الدولية لا تزال تجني ثمار الإتفاقية المؤامرة. والأدهى من ذلك ان الغرب يسعى لاطلاق سايكس بيكو جديدة مبنية هذه المرة على تقسيم جديد قائم على اسس طائفية وعرقية بين بلدان المنطقة، وفي داخل البلد الواحد!