نقرة السلمان .. قيود تحطمت

تأليف: عبد القادر أحمد العيداني / عرض: د. مزاحم مبارك مال الله
كتاب من القطع المتوسط يقع في 256 صفحة مزدان بصور عدد من المناضلين والشهداء، صدر في طبعته الأولى عام 2013 عن مؤسسة السجناء السياسيين/السلسلة الذهبية لأدب السجون.
حكايات تروي الكفاح الملحمي للشيوعيين العراقيين حيث الصمود والبسالة والإصرار على التضحية للفترة (1963 – 1968).
يبتدىء المؤلف كتابه بأهداءٍ مؤثر الى والدته كتعبير عن اللائي ينجبن المناضلين ويرضعنهم حب الوطن والشعب.
يحتوي الكتاب على عناوين عديدة، حيث يسرد المؤلف في توطئته بدايات الوعي وتأثره بانتفاضة 1952وإنتفاضة 1956 إبّان العدوان الثلاثي على مصر، ويؤرخ نضج وعيه السياسي في ثورة 14 تموز1958حينما انتمى الى اتحاد الطلبة العام واتحاد الشبيبة الديمقراطي متوجاً ذلك بانتمائه الى الحزب الشيوعي العراقي عام 1960.
ويروي ماذا حدث في الساعات الأولى من بداية انقلاب شباط الأسود 1963 والتظاهرات الشعبية التي انطلقت دفاعاً عن مكتسبات الثورة، ويروي الرفيق عبد القادر ما حدث يوم القي القبض عليه من قبل قطعان الحرس القومي أثناء تأديته مهمة حزبية يوم 26شباط1963.
ويتسلسل بالأحداث التي مرت عليه في المعتقلات والسجون وصنوف التعذيب التي تعرض لها ورفاقه وصمودهم البطولي، ومن ثم ترحيلهم الى (نقرة السلمان) بما أطلق عليه "قطار الموت"، إثر قيام انتفاضة معسكر الرشيد في 2/7/1963، ومن بغداد انطلق وبالتزامن "قطار الموت". يقول الرفيق عبد القادر:" حشر جلاوزة البعث مئات الشيوعيين المعتقلين في البصرة، في سيارت خشبية قديمة ومستهلكة في جو قائظ وأعاصير رملية وأحاطونا بجدار من رجال الهجانة، وانطلقت القافلة في عمق الصحراء، طرق رملية وعرة وسط عواصف تدمي العيون وتمزق الأجساد العارية، وبعد رحلة استمرت 36 ساعة كان العطش والجوع قد أخذ منّا مأخذه، توقفت القافلة عند سجن نقرة السلمان".
تحت عنوان (تفاصيل الحياة اليومية لسجناء نقرة السلمان)،يروي المؤلف التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، حيث يبدأ يومهم عند الساعة الرابعة فجراً مع بدء مزاولة الفقيد "صادق جعفر الفلاحي" رياضته اليومية بشكل مستمر وبلا انقطاع صيفاً وشتاءً، ينهض معه خفراء المطبخ لإعداد وجبة الفطور.
الشهيد(هندال جادر)،كان يوزع الخبز على الردهات بصورة عادلة، ثم يبدأ (جمعة الشبلي/ ابو كادح ) بإطلاق كلماته المعتادة وبصوته الجهوري وينادي: (خفراء قواويش ريوك 00 ريوك), في السابعة صباحا. كان السجناء يشكلون مجاميع (5- 7) أشخاص, أو يقوم مسؤول كل ردهة حسب جدول معد سلفا بتوزيع السجناء على مجاميع, جلب الطعام, تنظيف القاعات والساحات المجاورة يوميا باستثناء المرضى وكبار السن. في الثامنة صباحا ًيبدأ تعداد السجناء وهم جالسون داخل الردهات مع منع التجوال في الساحة. بعد التعداد اليومي يستمع السجناء الى نشرة الأخبار والى توجيهات المنظمة الحزبية. ثم يتوزعون على الواجبات المناطة بهم (تسخين الماء بواسطة البريمزات لغرض الاستحمام والغسل, تنظيف معدات الطبخ, وتهيئة مستلزمات إعداد وجبات الطعام) يشرف على هيئة الطبخ الشهيدان (وعد الله النجار وعبد الزهرة مزبان المالكي) وكان واجبهما توجيه الطباخين لإعداد الطعام لآلاف السجناء. ممثلو السجناء لدى إدارة السجن كل من (عباس بغدادي, محمد السعدي, محمد عزو, كنعان العزاوي وابراهيم الدبوني). الوسيلة الوحيدة للحصول على ماء الشرب بارد نوعا ما تتم بواسطة كيس يطلق عليه (جود), حيث لكل سجين جوده فلا توجد ثلاجات وإدارة السجن لا تجلب الثلج بسبب بعد المسافة وعدم وجود معمل ثلج في القضاء.
كانت في السجن عيادة يعمل فيها أطباء سجناء ومن أبرزهم (رافد صبحي اديب, قتيبة الشيخ نوري, نادر جلال, سالم سفر, فاضل الطائي, سعيد عزيز) إضافة الى عدد من المضمدين, وكان السجين مرتضى البجاري يدير العيادة، ويتم إرسال الحالات المزمنة والطارئة الى مستشفى الديوانية.
بجانب العيادة تقع ورشة تصليح أجهزة الراديو الترانسستر وكان يعمل فيها الفقيدان (عزيز خلف وعودة خلف) وبنفس الغرفة توجد ورشة سمكرة يعمل فيها (فريد دانيال, اسكندر, عبد الخالق طاهر, رجب خميس) لإدامة الفوانيس وتصليح اللوكسات. يزاول الخياطون عملهم لانجاز احتياجات السجناء البسيطة كالقمصان وإعادة خياطة البدلات المخصصة لهم ومن بين الخياطين (طاهر احمد, حسين عبود و محمد مسعود), وكذلك مخزن لبيع طلبات وحاجيات السجناء بأسعار مخفضة بقرار من لجنة التنظيم الحزبي وكان المخزن بإدارة السجين كريم شذر, اما مخزن المواد الغذائية فيعمل فيه (عبد الزهرة مزبان, هندال جادر, احمد صبحي الخطيب, لطفي شفيق وعبد القادر العيداني). في السجن انشأ السجناء صفاً لمحو الأمية حيث تم تعليمهم القراءة والكتابة على طريقة الفقيد يحيى قاف. وكان بعض السجناء يذهبون الى تعلم اللغات كالانكليزية والفرنسية والألمانية والروسية والكردية. وفي السجن توجد مكتبة تحتوي كتبا في شتى أنواع المواضيع حيث كانت تجري نقاشات عديدة في السياسة والفلسفة والأدب والاقتصاد طوال اليوم. يقوم سجناء آخرون بإدامة العلاقات الاجتماعية فيما بينهم كالتزاور والاطمئنان على المرضى وكبار السن او استعارة الكتب من (المكتبة الأخرى) يطلق عليها (المكتبة الثورية) والتي تحتوي على الكتب والكراريس الحزبية وكتب الفلسفة الماركسية وهي مكتبة سرية غير ظاهرة للعيان. في فترة الغداء يعود (أبو كادح) بصوته الجهوري ينادي على السجناء، وبعد كل وجبة غذاء وعشاء توجد فترة نوم إلزامي مع منع الكلام بصوت مرتفع لحين حلول فترة العصر وهي فترة النشاطات الرياضية ككرة القدم, السلة, الطائرة, الشطرنج والطاولي, بعد العشاء يبدأ السجناء بالتمشي والتحاور في ساحة السجن الى ان يحين موعد النشاطات المسائية (أمسيات سياسية, محاضرات ثقافية, مسرحية, سباقات شطرنج, مطالعة).
في أيلول 1963 وصلت مفرزة من الحرس القومي بقيادة المجرم سليم الزيبق وأصبحت إدارة السجن تحت إمرة هذه المفرزة التي استخدمت كافة الأساليب القذرة تجاه السجناء الى أن حصلت معركة باسلة خاضها سجناء الردهة السادسة مع أوباش الحرس القومي في 16/11/1963.
قاد لجة التنظيم الحزبية (عبد الوهاب طاهر) مع (سامي احمد، جوهر صديق شاويس، عباس المظفر، سليم إسماعيل، مكرم الطالباني، كاظم فرهود، حسين سلطان، كاظم الصفار، صاحب ميرزا وعادل سليم)وكانت لجنة الاحتفالات الحزبية والوطنية تعد وتنفذ الاحتفال بيوم 14/شباط ذكرى استشهاد قادة الحزب و31/اذار والأول من أيار و14/ تموز, وكان في السجن فرقة مسرحية غنائية أطلق عليها فرقة شبيشة.
نشرة الأخبار
خُصص لنشرة الأخبار لجنة اتخذت جزءاً من المخزن موقعاً لها, يعمل رفاق اللجنة على جهازي راديو ترانسستر وجهازي تسجيل (ابو الشريط) يعمل ببطارية أيضا, يعمل الكادر يوميا من الساعة 4 عصرا حتى منتصف الليل فتتم متابعة اغلب الإذاعات العالمية وكانوا ينصتون الى إذاعة الشعب، صوت الشعب العراقي التي تبث من صوفيا. وبعد انتهاء العمل يتم إخفاء الأجهزة في مخبأ خاص, كان التقاط الأخبار والتحليلات يعاني من صعوبة بسبب التشويش, وبعد تفريغ التسجيلات على ورق تكون نشرة الأخبار جاهزة صباح كل يوم للسجناء. المسؤول المباشر عن الأخبار الرفيق الفقيد (سامي احمد العامري) عضو لجنة التنظيم الحزبي يعاونه سامي احمد البدر (كويتي الجنسية), محمد الملا عبد الكريم المدرس, عبد القادر العيداني, محمد جاسم الشريفي وعبد الزهرة. كان الكثير من الكتاب السياسيين والباحثين يرفدون نشرة الأخبار بما تجود به أقلامهم ويعطونها الى لجنة التنظيم الحزبية والتي بدورها تحيلها الى الهيئة المشرفة على نشرة الأخبار لتعميم الفائدة. اهتمت هيئة الأخبار بـ (حركة التضامن مع الشعب العراقي التي اسسها الفيلسوف البريطاني برتراند راسل وسكرتيره الشهيد خالد احمد زكي) وقد تمكنت الحركة من إطلاق سراح عدد من السجناء من بينهم المناضلة (سميرة مزعل), وكذلك متابعة (حركة الدفاع عن الشعب العراقي) التي أسسها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وفيصل السامر وعبد الفتاح إبراهيم وعزيز الحاج وكان مقرها براغ.
في 1965 حصل المعتقلون على أجهزة راديو كهربائية مع دخول الكهرباء الى السجن وقد تمكنوا من التقاط إشارات اللاسلكي بين مديرية شرطة السماوة الجنوبية ومديرية شرطة البادية الجنوبية وإدارة السجن بطريقة (مورس), فيقوم السجين ر.ع سعدون جبر بالتقاط البرقيات وبإشراف عبد القادر العيداني, وكانت تلك البرقيات مشفرة لأوامر سرية الغرض منها الهجوم على السجناء او إزعاج ليلي او إرسال معلومات, وكان السجناء يحصلون على مفاتيح الشفرات عن طريق شرطي مقابل مبلغ من المال, فيصبح لدى السجناء علم على ما تنوي إدارة السجن القيام به كالغارات عليهم وعلى أدواتهم بما فيها الأجهزة والكتابات والبحوث والكتب التي تخبئ جميعا في أماكن لا يمكن الوصول اليها.
تناوب على مسؤولية المخابئ الشهيد (شاكر محمود) والشهيد (عبد الزهرة مزبان) والنقابي (عباس مظفر), اما البريد الحزبي بين لجنة تنظيم السجن وقيادة الحزب فيتم تهريبه بأساليب سرية مختلفة.
ترك هذا السجن في ذاكرة العراقيين أصداءً مخيفة حيث الأفاعي والعقارب تعيش مع السجناء في أفرشتهم وحاجياتهم, وكان لا يمر يوم إلاّ ونسمع صراخ احد السجناء بان عقرباً صحراوياً أسود قد لدغه او أفعى نهشت جسده.
لم يكن هدف السجناء الشيوعيين في الهرب نوعا من الترف او الخوف من قيود السجن القاسي إنما عمل نضالي يلقى على السجين الهارب من أقبية وزنزانات السجون ومن أحكام الإعدام, مهام نضالية بين صفوف الحزب ونضاله وسط الجماهير. عمليات الهروب لا تتجاوز عدد أصابع اليد منذ بناء قلاع نقرة السلمان على يد كلوب باشا عام 1928، فخلال فترة الحكم الملكي هرب الشهيد (محمد حسين ابو العيس) اما خلال فترة حكم البعث من شباط الأسود 1963 فكانت هناك ثلاث محاولات مختلفة بالوسيلة والوقت، شملت كل من كاظم فرهود, شاكر محمود, سليم اسماعيل, عبد النبي جميل’ انيس عباس, علي عاتي, علي حسين الرشيد (ابن خالة احمد حسن البكر) وصلاح الدين احمد.
في فصل يحمل عنوان (شهداء ومناضلون من سجن نقرة السلمان) يتناول المؤلف سيرة عشرة مناضلين شيوعيين وهم:
1. الشهيد الملازم اول صلاح الدين احمد - الذي هرب من نقرة السلمان واستشهد في الصحراء يوم 15/11/1964، بعد المحاولة الثانية للهرب من نقرة السلمان حيث فشلت الاولى بعد ان مكث يوماً كاملاً في البئر المجاورة للسجن.
2. الشهيد هندال جادر- قائد عمالي غيّب منذ نيسان 1980 وعثر على وثيقة إعدامه بعد9/4/2003.
3. يحيى قاف – المعلم والمربي وصاحب الطريقة الخاصة في محو أمية الكبار.
4. كريم حسين وعبد الله رشيد (رياضيان برفع الأثقال) استشهدا في 24/12/1963 وهما أول شهيدين شيوعيين رياضيين.
5. ذياب كزار سالم الغزي (ابو سرحان ) - الشاعر الشعبي والمناضل الثوري متنقلاً بين السجون والمعتقلات، مُنعت دواوينه الشعرية من التداول في سبعينيات القرن الماضي وكانت له مشاركة في بداية انطلاق مهرجانات المربد الشعرية, في منتصف السبعينيات غادر الى لبنان بتكليف من إعلام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهناك انقطعت أخباره حيث تضاربت الروايات عن مصيره.
6. القائد العمالي صادق جعفر الفلاحي – كان كادراً عمالياً ثورياً في صفوف عمال النسيج في الكاظمية، انتمى إلى الحزب الشيوعي في أربعينيات القرن الماضي. بعد ثورة 14 تموز اصبح الفقيد صادق الفلاحي أول رئيس لاتحاد نقابات العمال في العراق، بعد 8 شباط الأسود اودع في نقرة السلمان، وكان معروفاً بممارسة الرياضة فجر كل يوم.
7. طعمة مرداس – ان الحكايات عن تاريخ ونضال هذا البطل يقف القلم أمامها مذهولاً، وبسبب نشاطه النضالي وضع تحت المراقبة المستمرة حينما كان عاملاً في إحدى المقاهي في قضاء سوق الشيوخ في الناصرية. تعرض الى تعذيب وحشي على أيدي برابرة البعث في 8 شباط 1963.
8. عبد القادر اسماعيل البستاني – من رواد الفكر الاشتراكي في العراق مع حسين الرحال ومحمود احمد السيد ونوري روفائيل وغيرهم، وكان عبد القادر احد كتاب صحيفة (الصحيفة) وهي أول صحيفة ماركسية عراقية أسسها حسين الرحال في 28/12/1924. احد المقاتلين في الفيلق الاممي تلبية لنداء الحزب الشيوعي الاسباني للتضامن مع الشعب الاسباني ضد طغمة فرانكو. عام 1947 أصبح عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري، بعد ثورة 14 تموز أصبح عضو ل. م للحزب الشيوعي العراقي ورئيس تحرير اول جريدة علنية للحزب وهي (اتحاد الشعب)، أودع نقرة السلمان وتوفي في منفاه في دمشق.
9. سامي احمد العامري – لو كتبنا مجلدات عن هذا المناضل، فلن نعطيه حقه ، حيث اعطى المبادئ الشيوعية حقها في النظرية والتطبيق. بعد ثورة 14 تموز اصبح عضو اللجنة المحلية في البصرة للحزب، قضى سنوات طويلة من عمره في السجون والمعتقلات.
وفي فصلٍ أخر جاء تحت عنوان "مواقف رجولية وتحدٍ للطغاة " سرد المؤلف مواقف خمسة من المناضلين :
1. عبد الكريم علي الشذر
2. جوهر صديق شاويس
3. عبد القادر العزاوي (قدوري)
4. ويروي المؤلف حكاية مواطن عراقي أصم وأبكم خرج مع المتظاهرين للدفاع عن مكتسبات ثورة 14/تموز ولكن البعث الفاشي اعتقله وحكم عليه بالسجن وأودع في نقرة السلمان , اطلق المؤلف على هذه الحكاية الحكاية الخرساء.
5. ناجي لازم
وتحت عنوان: "وداعاً نقرة السلمان" ، يروي المؤلف الأيام الأخيرة له في سجن نقرة السلمان وساعات تحرره من هذه القيود حيث تم إرساله الى سجن البصرة وبقي هناك شهرا كاملاً حاول خلاله السجانون استحصال براءته من الحزب بواسطة التعذيب الا أنهم فشلوا فشلا ذريعاً، وبقى شيوعيا صادقاً مخلصاً لحزبه ووطنه وشعبه.