ما بعد الانقلاب الفاشل، اردوغان يرتدي قميص القومية التركية* / اعداد رشيد غويلب

ليس في المعارضة الديمقراطية التركية، وقوى اليسار، وحركة التحرر الكردية من يذرف دمعة واحدة على ما لحق بحركة غولن الإسلامية المتطرفة. ان الجروح العميقة التي تركتها الحركة خلال سنوات تحالفها مع حزب العدالة والتنمية، يجعل المعارضة تنظر بعين ايجابية لما حل بها في الأيام الأخيرة. ولكن هذا لا يعني القبول باساليب القمع والتعذيب التي مورست خارج شرعية القانون. لقد كان ضحايا هذه الحركة من قوى اليسار، هم الذين رفضوا الممارسات القمعية، وطالبوا بالركون الى سيادة القانون.و كان اليساريون وقوى المجتمع العصرية، والمعارضة الديمقراطية هم اول من اتخذ موقفا واضحا ضد محاولة الإنقلاب. ويتفق متابعون مستقلون معروفون داخل تركيا على موضوعة: لو قامت حشود العلمانيين الناقدة لإردوغان بدعم المحاولة الانقلابية في الشوارع، كان يمكن للمحاولة الانقلابية، بعد صراع دموي، ان تنجح. ويبدو ان سلطة حزب العدالة والتنمية انتبهت لهذه الحقيقة. وحاليا يحاول اوردوغان عبر هجوم ساحر كسب ود المعارضة البرجوازية. ان عرض أردوغان السلام على حزب الشعب الجمهوري الكمالي، وحزب الحركة القومية الفاشي لا ينبع من قناعته بالنظام البرلماني، ولكنه مجبر على ذلك. ان الخطاب الشديد لاردوغان وبعض اعضاء حكومته، لا يحجب حقيقة الصعوبات التي تعانيها الحكومة، ولا الأسباب التي تقف وراءها.
في الأيام الأولى التي تلت الانقلاب بدا وكأن اودوغان سيخرج من هذه الأزمة قويا، وسيغتنم هذه الفرصة لتثبيت نظام رئاسي استبدادي. وحتى 19 تموز رأينا اودوغان الذي يتفجر قوة وثقة. وكانت خطبه بمثابة اعلان حرب على المعارضة ". سنقوم باعادة بناء حديقة غيزي". ولكن في 20 تموز تبدلت نبرة الخطاب. فهل لعبت مكالمة الرئيس الأمريكي اوباوا دورا؟ ولكن من الثابت ان محاولات اودوغان للتقارب كانت واقعا. مباشرة بعد اجتماع مجلس الأمن القومي وقرار البرلمان إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. وحاول اردوغان التخفيف من تأثير القرارات. ان اعلان حالة الطوارئ "سوف لن يغير من طبيعة الحياة اليومية لامتنا". يبدو ان ادوغان التفت الى الصعوبات التي يواجهها في تعبئة قواعده، وان تأييد 50 في المائة في فترة من العزلة الدولية والضغط المتزايد من الشريك الاستراتيجي غير كافية للحفاظ على السلطة. وحتى فرض النظام الرئاسي سوف لا يتمتع في ظل هذه الظروف بالديمومة وسوف لا يمكن ضمان الاستقرار المطلوب. لقد ادرك اودوغان حاجته وحزبه الى الحزب الجمهوري، وان التحالف مع الحركة القومية الفاشية وحدها لا يكفي، والحزب الجمهوري المعارض ادرك هذا ايضا. فهناك عشرات الآلاف من المواقع في الوزارات والإدارات والجيش والقضاء، بعد عمليات الطرد الجماعي، بحاجة لمن يشغلها.
وهكذا فان أجزاء كثيرة من تركيا - مع استثناء واضح في كردستان - شعرت بالكاد بشيء من اعلان حالة الطوارئ. واعترف رئيس الوزراء يلدريم بان حالة الطوارئ "التي اعلنتها اجهزة الدولة" صاحبها اعتقال نشطاء يساريين بتهمة الانتماء إلى "حركة غولن" وهذا"خطأ يجب تصحيحه". وفي منتديات التواصل الاجتماعي كتب النشطاء، هذه المرة الأولى التي يمكنك فيها "ان تكون لا دينيا او ماركسيا". ومن المفارقات لم يتغير شيء بالنسبة للسكان الأكراد.فالأحكام العرفية لا تزال سارية في كردستان. وفي بعض الأماكن يستمر العمل بمنع التجول. ولم تخسر الحرب القذرة شيئا من بشاعتها.
وفي الوقت الذي يتهم اودوغان "قوى اجنبية" بانها العقل المدبر للمحاولة الإنقلابية، ويخاطب الغرب بلغة حادة، يبعث اشارات "الوفاق الوطني" نحو الداخل. وهكذا تم فتح حديقة غيزي، المقفلة بوجه الفعاليات السياسية، بامر من اردوغان لينظم الحزب الجمهوري تجمعه في 24 تموز. وبعد هذه الفعالية المتميزة، قال اودوغان ان " تركيا ستبقى في اطار النظام البرلماني الديمقراطي، وسوف لن تتخلى عنه". وفهم هذا التصريح على انه اشارة واضحة لتأجيل مشروع النظام الرئاسي. وقبل المحاولة الانقلابية تجنب اودوغان استقبال زعماء المعارضة في قصره. الآن يجري استقبال زعماء حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية في القصر، ويتم تهميش حزب الشعوب الديمقراطي اليساري بقصدية واضحة. ان القومية التركية هي الان العنصر الرابط بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي والكماليين والقوميين المتطرفين.
واعلن اودوغان سحبه جميع الدعاوى القضائية التي اقامها على الآلاف بتهمة التشهير به، باستثناء القضايا المقامة ضد شخصيات المعارضة الكردية والشخصيات الأجنبية. وفي جميع مقرات حزب العدالة والتنمية في العاصمة انقرة علقت ملصقات كبيرة لاتاتورت في اشارة للعلمانية على الطريقة الكمالية. وفي لوحات الأعلان المركزية في المدن رفعت شعارات تشكر "الأمة": "ابطال امتنا افشلوا الإنقلاب" و "نشكر امتنا التركية" و"السيادة للأمة" وغيرها. واودوغان يتحدث عن توحد جميع الاحزاب، باستثناء "حزب الشعوب الديمقراطي الداعم للارهاب"، " الآن مع امتنا التركية التي ستنقذ الديمقراطية". ويجري توظيف "الوحدة القومية" بمثابرة منقطعة النظير.
ــــــــــــــــــ
*مختصر من مقالة مطولة بعنوان "ايام ما بعد المحاولة الإنقلابية" للكاتب التركي الألماني اليساري، مراد شاكر.