- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 07 كانون1/ديسمبر 2016 20:40
اعداد: رشيد غويلب
في العديد من بلدان المراكز الرأسمالية يقوم الناخبون بمعاقبة المؤسسات السياسية السائدة، التي يهمين عليها عادة اليمين التقليدي منفردا او متحالفا مع قوى الوسط، التي غادرت مواقعها السابقة لتلتحق بقاطرة مريدي الليبرالية الجديدة. واذا ما انطلقنا من احداث الأمس القريب مثل الاستفتاء في ايطاليا، وفوز ترامب المفاجئ ، والتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، فسنجد ان هذا الأمر لا يعود إلى قدرة الإغواء التي يتمتع بها الديماغوجيون وشعوبيو اليمين المتطرف، وإنما إلى تدمير ما يسمى "دولة الرفاه الاجتماعي" القديمة.
فقد وجهت المؤسسة الحاكمة في ايطاليا صفعة للمدافع عن اليورو رئيس الوزراء ماتيو رينزي وسياسته. وسيكون المستفيد من هذه النتيجة في الانتخابات الايطالية القادمة هو اليمين، لعدم وجود قوة يسارية مؤثرة منذ مشاركة اليسار القصيرة في الحكومة عام 2008 ، وعدم قدرة اليسار الايطالي على الخروج من دوامة الانقسامات، وتجميع قواه مجددا على اساس تجربته التاريخية الكبيرة.
وفي النمسا أمكن بالكاد منع نوبرت هوفر مرشح اليمين المتطرف من القفز إلى أعلى منصب في إدارة الدولة. وقد خسر هوفر السباق الانتخابي لان منافسه الكسندر فان دير بيلين لا ينتمي إلى أحزاب تحالف الكبار الحاكم منذ سنوات طويلة، وعلى الرغم من ذلك فان حصول هوفر على قرابة 48 في المائة من الاصوات يعني ان خطر اليمين المتطرف لا يزال قائما، فضلا عن حقيقة تصويت 85 في المائة من العمال لصالحه.
وسبق هذا الحدث التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما كان غير متوقع الحدوث قبل عام من الآن. وتتوالى الضربات، لكن الحاكمين في العواصم الأوربية يعاندون ويستمرون في ممارسة النهج ذاته وكأن شيئا لم يكن.
سياسة التركيزعلى أثرياء الطبقة العليا
ان نتائج الانتخابات والاستفتاءات المشار اليها تخضع في النهاية الى التفسير ذاته. إنها لا تعود إلى ديماغوجيين مهرة، وليس الى تصاعد عاطفي بأثر رجعي. ببساطة منطقية ان ما يحدث هو نتيجة للسياسات القائمة منذ سنوات في أوربا وفي الولايات المتحدة، لضمان مصالح اللوبي الاقتصادي، والقطاع المالي، والشركات فوق القومية، وأثرياء الطبقة العليا. انها السياسة المعروفة بالليبرالية الجديدة، والتي هي في الواقع ليست جديدة ولا ليبرالية، وتقوم في الجوهر على إنهاء التوافق الاجتماعي الذي تحقق بشق الأنفس في القرن العشرين. ان هذه السياسة تقوم حاليا بتدمير "دولة الرفاه الاجتماعي" وحقوق العاملين المكتسبة باسم حرية الرأسمال. وتؤدي إلى تعميق واضح لعدم المساواة وتهدد اقساما من الفئات الوسطى ومن الشغيلة خصوصا، بالانحدار الاجتماعي، او تضعهم على الأقل في دائرة الخوف من نعرضهم الى هذا الانحدار.
ولكن من الصعب في نظام ديمقراطي استمرار العمل بسياسة تتقاطع مع مصالح الغالبية. ففي نهاية المطاف يستخدم المتضررون حقهم في التصويت للتمرد على الاستمرار في تجاهلهم. وعندما لا يجدون بديلا اجتماعيا، لان الاجتماعيين الديمقراطيين الذي كانوا يوما أحزابا عمالية، أصبحوا اليوم جزءا من كتلة الليبرالية الجديدة، فانهم يتجهون يمينا. وهناك متابعون ومثقفون ديمقراطيون يرون في هذا التحول احد أشكال "الدفاع عن النفس".
وعلى أساس ما تقدم فان نقد قوى اليسار سلوك قوى اليمين التقليدي وحلفائها من قوى الوسط ليس اصطفافا مع اليمين الشعبوي المتطرف كما يصوره منافسو اليسار وخصومه، وإنما ضرورة يمليها عدم ترك توصيف الحقائق إلى اليمين المتطرف، الذي سيرقص في النهاية مبتهجا على أنقاض أوربا وديمقراطيتها، التي هي اليوم في أمس الحاجة إلى إعادة البناء، وتلك مهمة آنية لقوى اليسار السياسية والحركات الاجتماعية.