بمناسبة العيد العالمي للمرأة والذي يصادف يوم 8 أذار من كل عام ... نزف اجمل التهاني والتبريكات للمرأة في كل مكان ، ونحيي كفاحها ونضالها في سبيل نيل حقوقها وتبوء مكانتها التي تليق بها في كافة مجالات الحياة على اعتبار ان حقوقها وحريتها وكرامتها هي جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان الرئيسية . وانصافا لتاريخ المرأة العراقية نؤكد انها لعبت دورا كبيرا وفعالا بجانب اخيها الرجل في مسيرة الكفاح والاستقلال على مدى اكثر من ثمانين عاما من تاريخ العراق المعاصر . لقد ناضلت بحزم وقوة من اجل نيل حريتها واطلاق طاقاتها الخلاقة للتخلص من وباء الامية والجهل والتغييب واساليب العنف الكثيرة . وسجل التاريخ للمرأة العراقية أرثا مشرفا لوقوفها مع الرجل في مراحل مختلفة من تاريخ العراق السياسي وتعرض الكثير منهن للاعتقال والتعذيب والموت في مسيرتهن الكفاحية .
لقد كانت المرأة الضحية الاولى لنتائج الحروب التي شنها النظام السابق في الداخل وخارج البلاد ، فهي وحدها تحملت نتائج تلك الحروب العبثية والتي تركت اثارا نفسية واجتماعية واقتصادية وصحية اثقلت كاهلها ، فزادت نسبة الارامل وارتفعت اعداد الايتام والمشردين وظهرت حالة لم يكن المجتمع يعرفها مثل زوجات الاسرى والمفقودين والمغيبين . هذه الوقائع التي عاشها العراق اثرت بشكل كبير على واقع الاسرة العراقية عامة وواقع المرأة بصورة خاصة وانتج هذا الواقع أسر مفككة تعيش الاحباط والضياع يلفها الخوف والتشاؤم واليأس ، واطفال لا يجدون الرعاية والعناية والمتابعة . كل هذه الظروف اضافت اعباء كبيرة وثقيلة تحملتها المرأة العراقية اضافة لما تعانيه من قبل المجتمع والمتطرفين والتقاليد وقوانين العشيرة من تغييب وتضييق وتقليل لدورها وما يمكن ان تلعبه جنب اخيها الرجل في كافة المجالات .
بعد ان سقط نظام صدام في 9 نيسان 2003 كان للمرأة حلم كبير بان تلعب دورا اكبر في الحياة السياسية والمشاركة الفاعلة في تخطيط وبناء العراق الديمقراطي الجديد وترسيخ حقيقي لحقوقها بالعودة الى قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي صدر في عهد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الذي احتوى على مكاسب وحقوق كثيرة للمرأة العراقية قبل اكثر من نصف قرن من الزمان ، والذي الغاه مجلس الحكم في خطوة تمثل تراجعا كبيرا بحق المرأة والاسرة العراقية والحداثة واستعاض عنة بمشاريع قوانين تحمل الطابع الطائفي والديني . واخر تلك القوانين المقترحة ، قانون الاحوال الشخصية الجعفري الذي اعلن عنه وزير العدل حسن الشمري الذي اثار موجه من الاعتراض وعدم القبول لأنه لا يلبي طموح المرأة العراقية المعاصرة وان الوقت غير مناسب لطرحة في الوقت الحاضر لان هناك اولويات تفرض نفسها مثل توفير الامن والخدمات وفرص العمل وفرض القانون وتفعيله وتثبيت اسس الدولة المدنية الحديثة .
في ظل هذا الواقع تراجع دور المرأة من خلال عدم اعطائها الفرصة لإثبات وجودها بسبب الطروحات التي تصدر من قبل الكثير من السياسيين المتأسلمين ورجال الدين المتشددين الذين لا يؤمن باعطاء دور فعال وحقيقي للمرأة ويحاول الحط من قدرها والتقليل من شأنها وارساء مفاهيم خاطئة وغير واقعية تنظر للمرأة على انها مسلوبة الارادة وغير جديرة بالثقة ولا يمكنها المساهمة في صنع القرار، وهذا مخالف للواقع واثبت التجارب بطلان هذه الطروحات ... كل هذا ادى الى زيادة تحجيمها واقصائها من تحمل مسؤولياتها والايحاء بعدم قدرتها لتحمل المسؤولية . اضافة لما تتعرض له من مضايقات في مواقع العمل والدراسة والشارع بسبب المظهر او الملبس او الرأي ، وانتشار ظاهرة التحرش الجنسي والجسدي التي اصبحت للأسف ظاهرة عامة تنتشر في مجتمعاتنا الاسلامية والتي شملت ايضا المحجبات ولابسات اللباس الاسلامي المتشدد !! وهي ظواهر شاذة وغريبة على واقعنا وثقافتنا ، ولكنها استفحلت وتنامت في ظل هذه الانظمة التي تسير بالمجتمع نحو الخراب والضياع والمتاهات .
ان التغيرات السياسية التي حدثت في العراق بعد 2003 وما تبعها من تغيرات في العديد من البلدان العربية والتي اطلق عليها بمرحلة الربيع العربي افرزت واقعا جديدا واحدثت هزات عنيفة شملت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية ، ورافق هذا الواقع الجديد صعود تيارات دينية بغلاف سياسي تريد فرض منهاجها الايديوجي مما خلق نوعا من التصادم بينها وبين تيارات دينية متطرفة من طرف اخر ، وكانت النتيجة انتشار ظاهرة الارهاب التي فتكت بمجتمعاتنا ، ونتائجها مئات الالوف من الضحايا الابرياء وانهارا من الدماء البريئة التي تسيل على اديم الوطن ، وانهيار تام للبنى التحتية ومرافق البلاد كافة وما تبعها من سقوط اخلاقي تمثل بالفساد الذي يلف جميع اوجه الحياة ، وما يعيشه المجتمع من محنة التفرج على واقع خطير تمثل بصراع الارادات الضيقة التي ينتمي لها المتصارعون بعيدا عن مصلحة الشعب والوطن ، وكان الشعب يأمل من التغيير بناء دولة المواطنة والقانون والحقوق المشروعة .
كل هذة المعطيات أثرت بشكل كبير على واقع المرأة وكانت هي الضحية رقم واحد من الارهاب ، ومن نتائجها كثرة عدد الارامل والايتام والمعيلات لاهلهن لفقدان الزوج والاخ والوالدين وازدادت العنوسة وفقدان المعيل ، وكثر التطرف الفكري ضدها وازدادت النظرة الدونية لها ، وكثرت الاتهامات لأخلاقها وشوهت سمعتها على اعتبار انها خلقت لمتعة الرجل وتلبية طلباته الجنسية وتعددت انواع واشكال الزيجات خارج المألوف والمنطق والدين ، والواقع الذي تعيشه مدن الانبار من خلال سيطرة الارهاب على تلك المدن خير شاهد على ذلك ، فكانت المرأة المتضررة الاولى نتيجة السياسات البشعة التي انتهجت ضد انسانيتها وكرامتها ووجودها . الوقائع على الارض اثبتت بالدليل القاطع ان الارهاب التكفيري والفكري المتخلف يريد ان يجعل من العراق منطلقا لتسويق فكرة الظلامي المتخلف وبدعم من جهات سياسية ودينية محلية وخارجية الى مناطق اخرى من المنطقة ليحل بنا وبالمنطقة الخراب والدمار والتخلف والتحجر ... ونرجع الى وحشية العصور المتخلفة التي يؤمنون بافكارها واضفاء العبودية على البشر من خلال نصوص اوهموا الاخرين بأنها منزلة من السماء . لتصطف كل القوى السياسية الوطنية لانتشال البلاد من هذا الواقع الخطير وتتضافر كل الجهود لدحر الارهاب والتطرف الديني وخلق واقع جديد .