منذ عشر سنوات، والشحن الطائفي قائم على قدم وساق. قد يخفت قليلاً ، لكنه يطفو على السطح في أحيان كثيرة، سيما وقت الانعطافات والصراعات السياسية، وبالأخص في الفترات التي تسبق الانتخابات، بغض النظر عن أهمية هذه الانتخابات، حتى لو كانت للباراولمبية!
وبمرارة ما بعدها مرارة، نتذكر تلك الأوقات العصيبة والحزينة جداً (رغم أن أيام العراقيين صارت كلها حزينة) عندما اشتعلت نيران الحرب الطائفية اثر تفجير المرقدين الشريفين في سامراء. ولم يفعل المعنيون بالأمر في حينها، سوى رمي المزيد من الحطب في تلك النار، ليزيدوها اشتعالاً دون أن يأبهوا بالحريق الذي هددّ الوطن في وقتها بالتمزق، والشعب بالفناء.
الان يبدو أن هذا الشحن الإجرامي لم يعد كافياً في نظر البعض ممن أدمن صناعة الأزمات، وجر العراق إلى هاوية لا قرار لها، وإنما يريد أن يردفه بتجييش من نوع أخر، لكي تكتمل الصورة التي رسمها في ذهنه المريض، فلجأ هذه المرة إلى التجييش القومي، وإثارة النعرات الشوفينية (وما يرافقها عادة من تعصب قومي مقيت) التي كنا نظن أنها قبرت مع «صدام حسين» وحزبه الفاشي.
إذن لم يعد يكفي تأجيج الصراع المفتعل بين السنة والشيعة، وإنما يجب استكماله عبر نقله إلى المجال القومي، والتأليب على الإخوة الكرد والتركمان وغيرهم من قوميات العراق المتآخية، املاً في حصاد أصوات السذج ممن ينخدعون بألاطروحات والأفكار العدوانية، وبالتالي الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية.
ولا يهم بالنسبة لهم، ان هذا السلوك المشين سيمزق النسيج القومي الاجتماعي العراقي، كما لا يهمهم ما سيثيره على الجانب الآخر من نعرات انفصالية، وتشجيع للمتعصبين قومياً، وهو ما يحصل اليوم مع الأسف الشديد.
ولم يقتصر التأجيج الجديد وزرع الفتنة القومية على بعض التصريحات النارية، واستغلال حادثة جنائية منفردة، برفع شعار «الدم بالدم» للإيحاء بأنها صراع قومي، وإنما جاؤوا بمهرج من سيرك البعث والقاعدة، ليعلن بصفاقة لا تليق إلا بأمثاله، أن مهمته الرئيسية وهدفه الأسمى هو تحرير العراق من الاحتلال الكردي! وحسناً فعلت المفوضية العليا للانتخابات باستبعادها هذا المهرج، رغم أنها أخطأت كثيراً ومعها بعض الجهات القضائية، باستبعاد أصوات مؤثرة في نقد السلطة التنفيذية، والمسؤولين عن الإدارة الفاشلة للبلد.
ان الشعب العراقي بمختلف شرائحه الاجتماعية وقومياته وأديانه وطوائفه، مطالب اليوم بالتصدي لهذه الطروحات والأفكار المسمومة، ووضع حد لها قبل فوات الأوان. كما ان القوى والأحزاب السياسية العراقية تتحمل هي الأخرى المسؤولية، بل المسؤولية الأولى في التصدي لهذا الخطر المحيق بعراقنا العزيز، والعمل على إعادة العملية السياسية إلى سكتها الصحيحة، التي ابتعدت عنها كثيراً.