المدنيون أتقياء صالحون أيضا / قاسم السنجري

ليس أسهل من أن تستخدم المغالطة في رسم صورة مغايرة لمنافسيك في أي عمل، ومحاولة إلصاق صورة مغايرة من خلال استخدام عبارات ملتوية تحمل أكثر من معنى ودلالة، وتفسير أقوال ونصوص مقدسة من أجل إثبات أحقيتك في أمر ما، وهذا التفسير ما هو إلا لَيٌّ لعنق الحقيقة وإجبارها على أن تكون إلى جانب صاحب الغاية التي تبررها وسيلة الفوز في الانتخابات في أيامنا هذه.
الحملة الانتخابية اتخذت طابعا قاسيا وموجعا في التسقيط السياسي لم ينجُ منه بين المرشحين إلا المغمورون الذي يحاولون الوقوف على الرجلين في خضم معركة شرسة قامت القوى الكبيرة والمتنفذة بإيصالها إلى مرحلة تكسير العظام فيما بينها.
تحاول بعض قوى الإسلام السياسي تجيير تصريحات المرجعيات الدينية إلى صالحها، وتشير وتوهم القريب والبعيد؛ أن المرجعية لم تقصد في قولها إلا كيان سياسي بعينه، وهذا خلاف للواقع، حيث أن المرجعية تنأى بنفسها من الوقوع في مطب «التقية» في الوقت الذي هي فيه مبسوطة اليد ولها القدرة على تحريك مريديها ومقلديها وهُم شريحة واسعة من العراقيين الذين يكنون كل التقدير والاحترام لمرجعياتهم الدينية ويصغون لنصحها.
منذ انطلاق الحملة الانتخابية، وحتى قبلها، كانت المرجعية تشير بشكل صريح إلى ضرورة حدوث تغيير على الواجهة السياسية بتغيير الوجوه التي لم تتمكن من خدمة الناس بحسب تعبير خطباء صلاة الجمعة في كربلاء المقدسة، وهذه الخطب تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المرجعية الدينية، فمن يعتلي منبر الجمعة هو ممثل للمرجع علي السيستاني، وحينما تطالب المرجعية باختيار «الأصلح»، وفي خطب أخرى وردت «اختيار المرشح الذي يتسم بالصلاح»، والصلاح لغة لا يعني أن يكون المرشح يمثل حزبا إسلامية أو تقف وراءه جهة إسلامية، فالصلاح لغة لم يقترن بالدين ب?سب معاجم اللغة المتنوعة، والمرجعية أذكى من أن تتورط بخطاب ديني يمثل جهة واحدة من العراقيين الذين يتنوعون بأديانهم ومذاهبهم ومشاربهم السياسية، لذا فهي تصر على اختيار الأصلح دون النظر إلى واجهته السياسية، فالكل لدى المرجعية سواء، إسلامييها وعلمانييها، وتؤكد دوما في أحاديثها وبياناتها على الكفاءة والصلاح، وهاتان الصفتان لم ولن تكونا حكرا على نشطاء الإسلام السياسي الذين تورط البعض منهم بتداعيات الفساد الإداري، وعدم تمكين مؤسسات الدولة من أداء دورها.
وفي تجرؤ واضح على مقام المرجعية التي يجب أن تكون محترمة لدى أحزاب الإسلام السياسي، تُقدم بعض القوى على تسخير أقوال المرجعية لصالحها، وتحاول جذب حديث المرجعية الدينية لساحتها كمن يجلب النار لرغيفه، فيما لا يبالي المتنفذون بان يصطلي العراقيون المؤمنون بنار الإرهاب.
المدنيون والعلمانيون فيهم الصالحون، انقياء اليد والسريرة، الذين يطمحون الى بناء مجتمع عادل ينعم فيه المتدين قبل غيره بالأمن والأمان في أداء طقوسه وعباداته، ويأخذ كل ذي حق حقه في دولة مؤسسات مدنية لا يضيع فيها حق، ولا يظلم عندها مواطن.